الفساد في العراق معلومات وأسماء ووثائق تكشفها الحرة
الفساد في العراق معلومات وأسماء ووثائق تكشفها الحرة – يدر الفساد المالي، الذي تديره الأحزاب والميليشيات في العراق، عوائد مالية فلكية تجنيها أطراف السلطة منذ سنوات طويلة، على حساب شعب فقير ومؤسسات بدأت بالتصدع والانهيار.
في 2017، قام نحو مئتين من قدامى المحاربين وعائلات الجنود الأميركيين الذين أصيبوا أو قتلوا في العراق برفع دعوى قضائية تتهم خمس شركات أدوية أميركية كبرى بالتعامل مع ميليشيات عراقية مصنفة على اللائحة الأميركية للإرهاب لدورها في استهداف جنود أميركيين، خلال سنوات الحرب الأولى في العراق.
وتشير الدعوى القضائية إلى أن شركات الأدوية الأميركية أبرمت عقودا مع وزارة الصحة العراقية بمئات ملايين الدولارات، ودفعت أيضا عمولات ورشاوى لأتباع رجل الدين العراقي مقتدى الصدر من أجل الحصول على تلك العقود، رغم علمها بمسؤولية ميليشياته عن العديد من الجرائم الإرهابية في العراق.
وفي هذا السياق، يقول المحامي راين سباراسينو إن الدفاع قدم للمحكمة وثائق عن العمولات التي كانت تقدم على شكل رشاوى نقدية من أجل الفوز بعقود في وزارة الصحة عندما كان يسيطر عليها الإرهابيون.
وأظهر الدفاع للمحكمة جميع المعاملات التي تثبت حقيقة تلك الصفقات، والتي نُظمت بطريقة تجعل من السهل على الإرهابيين تحويل وإعادة بيع الأدوية التي يحصلون عليها في السوق السوداء المزدهرة في العراق، حسب ما يضيف.
ويسيطر أتباع الصدر، إلى جانب شركاء سياسيين، على عقود وموازنات وزارة الصحة العراقية منذ 2004، حسب الرئيس الأسبق لهيئة النزاهة العراقي، راضي الراضي.
ويشير الراضي إلى أن الوزراء الذين يتسمون ببعض النزاهة لم يتمكنوا من الاستمرار، لأن المفتش العام والمدراء العامين كانوا متفقين على تقاسم العمولات، بحيث كانوا ينظمون العقود بالشكل الذي يناسب مصالحهم.
وكانوا يخفون ذلك عن الأجهزة الرقابية في وقت كان ديوان الرقابة المالية لا يقوم بالتدقيق إلا في نهاية العام، بعد أن تكون العقود قد وقعت وصرفت أموالها، وفق الراضي.
المافيات المسلحة
وعلى غرار عمل المافيات المسلحة، شهدت وزارة الصحة اختفاء اثنين من كبار موظفيها ولم يتم العثور عليهما أبدا.
وألقي القبض يومها على أحد أعضاء ميليشيا جيش المهدي، المدعو حاكم الزاملي، وأخلي سبيله لاحقا خلال ولاية رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ليتحول الزاملي من قائد في ميليشيا مسلحة متهم بجرائم قتل مسؤولين كبار في الدولة، إلى نائب في البرلمان العراقي.
ويؤكد الراضي أن التغيير في وزارة الصحة اقتصر على الوزراء وبعض المسؤولين، دون أن يطال هيكلية الوزارة، ولذلك نرى أنه لم يتم إعادة بناء معامل الأدوية، حتى يستمر المستفيدون في الاستيراد، والاستيراد يخضع لتقاسم العمولات وعندما تراجع الاستيراد قليلا صاروا يختلقون أشياء جديدة لعقود جديدة.
يحيلنا هذا الملف إلى وثائق هامة كشفها النائب في البرلمان العراقي جواد الموسوي في شهر أغسطس 2019، وتتحدث الوثائق عن شبهات فساد في وزارة الصحة العراقية وفي العقود التي تشرف عليها شركة كيماديا المعنية باستيراد الأدوية إلى العراق.
وتشير الخبيرة الاقتصادية، سلام سميسم، إلى أن وزارة الصحة تشهد استقتالا بين مختلف الأطراف لاقتسام المواقع الحساسة، لأنها مرتبطة بصفقات الأدوية وبيعها.
وتضيف أن تسويق الأدوية في وزارة الصحة هو المنفذ الأساسي لفساد الوزارة وفساد ملف خطير جدا في العراق، ألا وهو ملف الدواء.
وتوضح أن شركة كيماديا تتعامل مع شركات لاستيراد وتوزيع الأدوية في العراق، يستوردون ولديهم مخصصات للاستيراد وخاصة لأمراض السرطان والأمراض المستعصية المتعلقة بالإشعاع والأدوية الباهظة.
والحكومة تتكلف بتأمين الموارد المالية لعمليات الاستيراد، عبر تخصيص جزء من الموازنة، ولكن في حقيقة الأمر، الأدوية غير متوفرة، وفق ما تضيف سميسم.
النائب جواد الموسوي، طبيب ينحدر من الأحياء الفقيرة في مدينة الصدر وينتمي لكتلة سائرون التابعة للتيار الصدري، كشف عن فروقات في أسعار الأدوية التي يتم استيرادها.
وقال، في اتصال هاتفي مع “الحرة”، إن نحو 90 بالمئة من صفقات عقود شراء الأدوية التي تشرف عليها شركة كيماديا يشوبها الفساد.
وبدلا من التحقيق في الوثائق والمعلومات التي طرحها تحت قبة البرلمان وعبر وسائل الإعلام، قام التيار الصدري بعد شهر واحد بإحالته إلى لجنة حزبية انضباطية وجرى تجميد عضويته حينها داخل الكتلة البرلمانية.
أما سميسم، فتؤكد وجود علامة استفهام كبيرة بشأن مصير مخصصات الحكومات المتعاقبة للقطاع الصحي، وعلاقتها بقضايا التمويل وقضايا شركات الأدوية.
الدولة التي تسرق نفسها
“الدولة التي تسرق نفسها..”، هو ملخص ما قاله رئيس هيئة النزاهة السابق، موسى فرج، عن الفساد في العراق.
ويشدد أن الفساد مرتبط برجال الدولة الكبار، ولا ينحصر في اختلاس أموال الدولة وحسب وإنما في تبديدها بطريقة متعمدة من خلال صرفها على كل ما هو فاشل ومغشوش وفاسد.
الفساد في العراق يؤدي في كثير من الأحيان إلى موت أعداد كبيرة من السكان، لأنه تشعب في جوانب تتصل بظروف حياة السكان اليومية، طبقا لما يضيف فرج.
وتعود سميسم لتقول “إذا تذكرنا عند الحصار الجائر استثنتنا الأمم المتحدة من قضية معينة هي النفط مقابل الغذاء والدواء، فلو كان هنالك من رقابة حكومية جادة كانت على الأقل راقبت هذين الملفين، ملف الغذاء من خلال وزارة التجارة والبطاقة التموينية وملف الدواء من خلال وزارة الصحة”.
ويرى المتابعون للملف الاقتصادي والمالي العراقي أن الحكومات العراقية المتعاقبة، سعت وبشكل تدريجي ومنظم إلى تدمير جميع أعمدة الدولة العراقية الاقتصادية والعسكرية والتعليمية والصحية.
وقد لا يبدو هذا الأمر منطقيا على الإطلاق، لكن الأرقام والإحصاءات والوثائق والحقائق والمعطيات الموجودة على أرض الواقع تبرهن على ذلك بشكل كبير.
وتلفت سميسم إلى أنه خلال هذه السنوات أبرز الظواهر التي حدثت في العراق، هي القضاء على كل عملية إنتاج عراقية، “يعني تتجاوز العملية إلى حرق مصانع وتدميرها..”.
الجارة الشرقية
وتسأل “من سمم الأسماك مثلا، لماذا نستفيق صباحا على أنباء احتراق محاصيل الطماطم في منطقة الزبير، أو فايروس يتم إلقاؤه بتعمد على المزارع بغرض تدميرها. لماذا يتم حرق مزارع وبساتين ديالى وغيرها، أنا كنت أكتب ولازلت عن الجريمة الاقتصادية الممنهجة والمنظمة، يخضع الاقتصاد العراقي إلى هكذا تدمير.. وهذه تتزامن مع استيراد اللحوم والدجاج والأسماك من الجارة الشرقية (إيران)، هذا الارتباط هو أكبر دليل على أن هذه القضية ليست قضية عابرة أو عادية وإنما هي قضية ممنهجة ومخططة ومنظمة”.
التراجع الكبير في قدرات العراق الصناعية وفي جوانب توفير الطاقة وإهمال البنى التحتية الأساسية فتح بابا واسعا لإيران في أن تنمي شركاتها الصناعية والإنشائية بشكل غير مسبوق.
كما ساهم في أن تدخل إيران كشريك أساسي في السوق العراقية بعوائد مالية تصل إلى نحو ثلاثين مليار دولار سنويا، وهو مبلغ تجنيه من تصدير منتجاتها إلى العراق ومن إمدادات الطاقة والعقود الإنشائية والاستثمارية التي تستحوذ عليها عبر تسهيلات واستثناءات يقدمها العراق.
وتؤكد سميسم أن القطاع المادي من الاقتصاد العراقي تراجع كثيرا وهذا أثر في جعل الاقتصاد العراقي اقتصادا ريعيا ومكشوفا، بمعنى أن يكون ريعيا أي يعتمد على شيء واحد وهو النفط، وأن يكون مكشوفا أي أنه يغطي جميع احتياجاته من خلال الاستيراد ومن ثم هو مكشوف على الاقتصادات الخارجية.
أما فيما يخص القطاع المالي، فتشير تقارير إيرانية وعراقية إلى تراجع كبير في حصة العراقيين من القطاع المالي العراقي، حيث باتت تمتلك إيران نحو 11 مصرفاً يعمل في العراق بشكل مستقل.
كما اشترت مصارف إيرانية حصة ستة مصارف عراقية أخرى، وبلغ اجمالي الأموال الخاصة بالإيرانيين في تلك المصارف أكثر من سبعين مليار دولار، الأمر الذي يعكس هيمنة إيرانية شبه مطلقة على الاقتصاد العراقي.
الفساد في قطاعات الإنتاج
الفساد في قطاعات الإنتاج العراقية وخاصة في وزارات الصناعة والكهرباء والنفط والإعمار والإسكان والبلديات أدى إلى استنزاف موارد الدولة العراقية وتدمير اقتصادها وبنيتها التحتية الأساسية.
وقدرت حكومة رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، حجم الفساد في تسعة آلاف مشروع حكومي، بعضها وهمي بنحو ثلاثمئة مليار دولار أميركي.
وفي هذا الصدد، يقول عبد المهدي: “مثلا تهريب النفط، ملف العقارات، تهريب الأموال، التهريب والمنافذ الحدودية، الجمارك، الذهب والتجارة وتهريبه، السجون ومراكز الاحتجاز، هذه كلها فيها فساد، كل هذه الملفات فيها فساد”.
تتم عمليات نهب موارد الدولة العراقية عبر أساليب وإجراءات متنوعة، بعضها يتم خارج إطار القانون كعمليات تهريب النفط الخام ومشتقات البترول، والتي كشفنا عنها سابقا في إحدى حلقات برنامج الحرة تتحرى، أو عبر عمليات السرقة المباشرة، كعملية سرقة معدات مصفاة النفط في بيجي.
ويقول الرئيس الأسبق لهيئة النزاهة العراقية إن “الفساد كان عبارة عن عمل فردي، ولكن فيما بعد أصبح ظاهرة. في بدايات عمل هيئة النزاهة كان لدينا نحو 2700 دعوى فساد قضائية قدرتنا قيمتها المالية بشكل تقريبي بنحو 17 مليار دينار عراقي (ما يعادل نحو 15 مليون دولار) أين نحن الآن؟ الآن الدولة كلها غارقة بالفساد”.
وتتقاسم الأحزاب والميليشيات الموارد المالية للوزارات والمؤسسات الحكومية من خلال ما يعرف بالهيئات الاقتصادية. والهيئة الاقتصادية هي الجهة المخولة بصرف النفقات والتخصيصات وإبرام العقود في المؤسسات الحكومية، من العقود الكبرى في وزارة النفط إلى عقد أصغر شركة تنظيف في دائرة رسمية.
ولا تخضع تلك العقود والنفقات لهيئات الرقابة المالية والقضائية لأن الأحزاب والميليشيات فوق سلطة القانون، وهذا ما حصل لإثنين من مفتشي وزارة الصحة عندما طلبا مراجعة عقد شركة تنظيف تابعة لميليشيا العصائب، ليتحولا إلى متهمين يواجهان قضية فساد.
وتقول سميسم إن هذه “الشركات، وحتى بعض المصارف وشركات التحويل المالي، هي في الحقيقة واجهات للأحزاب السياسية وبالتالي هي الذراع القوي للجان الاقتصادية للأحزاب لأنها تتيح لها السيطرة على المناقصات والمقاولات..”.
وتوضح “يعني مثلا نلاحظ مقاولات البنى التحتية وبالتحديد أعمال المجاري وتعبيد الطرقات هذه دائما تأخذها شركات معينة مرتبطة بالأحزاب السياسية وتكون هي المنفذ الذي تدخل من خلاله على المخصصات، يعني نفترض أن التخصيص 400 مليون دولار هي تأخذ هذا وتنجز العمل مقابل 20 مليون دولار -إذا كنا محظوظين وأنجزوا العمل- ويدخل الباقي إلى جيوبهم”.
أما الأساليب الأخرى التي تتبعها الأحزاب والميليشيات في نهب موارد الدولة العراقية، فتتم عبر أطر قانونية، من بينها عقود الشراكة التي تبرم مع شركات القطاع العام.
أحد الأمثلة على ذلك، هو عقد الشراكة الذي وقعته شركة مغمورة تدعى الشبّوب مع الشركة العامة للصناعات الفولاذية التابعة لوزارة الصناعة العراقية.
وتظهر الوثائق الخاصة بهذه القضية أن شركة الشبوب، لصاحبها بهاء علاء عبد الرزاق الجوراني، وجهت طلبا مكتوبا إلى وزير الصناعة في ديسمبر عام 2018، لإبرام عقد شراكة مع الشركة العامة للصناعات الفولاذية.
وأحال الوزير الطلب إلى الشركة العامة المذكورة بعد نحو شهرين، مرفقا بالموافقة والدعوة إلى إكمال إجراءات التعاقد خلال أسبوع واحد فقط.
عقد المشاركة يتعلق بتطوير وإنتاج أعمدة وأبراج نقل الطاقة الكهربائية. مدته خمسة وعشرون عاما. وتحصل شركة الشبوب بموجبه على نسبة تسعين بالمئة من الأرباح مقابل عشرة بالمئة فقط للدولة.
وتقول سميسم إن “أولى القواعد التي يجب مراعاتها هي الشفافية والحوكمة، وأهم ما في ذلك هو منع تضارب المصالح. لا أحد يحاسب على تضارب المصالح في العراق. أعضاء هيئة الأوراق المالية مثلا هم من يحكمون ويتحكمون بالسوق. أحد الأشخاص عضو مجلس إدارة في خمس شركات وهو نفسه عضو هيئة أوراق مالية طيب كيف يكون ذلك؟ يتحكم بأسعار الأسهم، يبيع الأسهم إلى أناس خارج العراق، لا تمر صفقاته عبر جهات غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب وبالتالي فإن الأموال العامة العراقية تصبح مباحة، هذه القضية عندما نبلغ عنها سنصدم بكارتيل قوي لأنهم عبارة عن مافيات يحكمون بعضهم بعضا”.
بهاء علاء عبد الرزاق
ويرتبط اسم المقاول بهاء علاء عبد الرزاق، صاحب شركة الشبوب للمقاولات، بعقود وصفقات حكومية أخرى أهمها مع وزارة الكهرباء.
ويتهمه النائب في البرلمان العراقي، عدي عواد، بدفع عمولات ورشاوى لأعضاء آخرين في البرلمان العراقي، لمنع أي مسائلة برلمانية لنشاطاته المشبوهة.
ويقول عواد إن “بعض الإجراءات التي قام بها بهاء علاء بالـ2013 قام بعرقلة عملية استجواب وزير الكهرباء في حينها عبد الكريم عفتان، وذلك عن طريق شراء ذمم بعض النواب بصراحة ولدي الأدلة على ذلك وقدمنا دعوى قضائية بخصوص ذلك ومازالت في المحاكم”.
ويملك المقاول بهاء علاء عبد الرزاق شقة في حي سولنا في العاصمة السويدية ستوكهولم، ويستخدمها أيضا كمقر لشركة مسجلة في السويد تحت اسم الاتصالات الدولية وتكنولوجيا الطاقة.
الأمر الذي يترك علامة استفهام حول الطريقة التي حصل بها على عقود حكومية متعددة مع وزارتي الصناعة والكهرباء.
ويقول أعضاء في البرلمان العراقي إن بهاء علاء عبد الرزاق يمثل واجهة تجارية لسياسيين متنفذين في الدولة العراقية، والتسهيلات التي يحصل عليها داخل الإدارات العامة هي جزء من عمليات توزيع الحصص المالية بين الأحزاب السياسية والميليشيات المرتبطة بها.
ويؤكد عواد وجود “بعض المافيات التي تحاول الدفاع عن بعض الوزراء بطريقة عرض المال على النواب، وهذا ما حدث في الدورة البرلمانية الثانية ولم يحصل حتى الآن في الدورة الحالية”.
ونفى بهاء علاء عبد الرزاق، في اتصال هاتفي مع “الحرة” جميع تلك الاتهامات، وقال إن عمله يخضع للقوانين النافذة.
وقال عبد الرزاق: “25 سنة ستحصل الدولة على أرباح، عليك أن تحسب الأرباح، بالمقابل أنا لم أضع شروط العقد بل الدولة فعلت ذلك، وهي شروط تتفق مع القانون، لم أحصل على أي معاملة مميزة، يمكنك الإطلاع على 2500 عقد مشاركة مع الدولة بنفس الصيغة، منذ 2006 و2007 والدولة تأخذ في عقود المشاركة 10 بالمئة فقط من الأرباح”.
لكن كلام عبد الرزاق يناقض خلاصة التحقيق الإداري الذي أجراه مكتب المفتش العام، والذي أشار إلى مخالفات جوهرية تتعلق بالإجراءات الأساسية لشروط التعاقد، ومنها عدم التزامه بتوفير جميع الاشتراطات القانونية التي حددها للضوابط وعدم وجود إعلان خاص بفرصة المشاركة تتيح لشركات أخرى المنافسة على عقد المشاركة المذكور.
وتعليقا على ذلك، يقول عبد الرزاق: “هذا الموضوع ليس من اختصاص الإعلام، هناك جهات رقابية تعالج مواضيع الفساد، إذا تدخل الإعلام نعتبره ابتزازا، هذه نصيحتي إليك، حاولت قناة دجلة قبلك أن تتدخل بالأمر في سبيل الحصول على بعض المال، أنا اتصلت بك لأن قناتك محترمة وراقية ولامعة ولا تتدخل في مثل هذه الأمور، وأنا أعرف ما تعنيه قناة الحرة، وأعرف من يعمل فيها، فعلى هذا الأساس أنصحك بعدم التدخل بهذا الموضوع”.
القاضي والخبير القانوني، علي التميمي، أكد، في المقابل، أن موافقة الوزير أو مجلس إدارة الشركات العامة على تنظيم عقود شراكة مماثلة ليس كافيا، بل أن دور لجان تدقيق العقود من الناحيتين القانونية والمالية هو الأساس الذي يتم البناء عليه حفاظا على المال العام.
ويقول المحامي علي التميمي، وهو خبير قانوني وقضائي، “عندما يتم إبرام مثل هكذا عقود وكل عقد مهم بالنسبة للشركة لأنه يتعلق بالحق العام، يتم إعطاء نسخة إلى دائرة المفتش العام، في السابق كان المفتش العام اليوم توجد دائرة للمدعي العام، الادعاء العام بموجب القانون رقم 49 لعام 2017 وطبعا المدعي العام يطلع على كل هذه الشروط، وإذا وجد المدعي العام أن هناك خرق للقانون ومخالفة قانونية يقوم بتشكيل لجنة تحقيقية لهذا الموضوع”.
اللجنة التحقيقية التي تشكلت لمراجعة بنود عقد شركة الشبوب مع الشركة العامة للصناعات الفولاذية خلصت إلى تحديد جملة من المخالفات الجسيمة المرتكبة، وأوصت بتوجيه إنذارات مسلكية للموظفين الحكوميين الذين وافقوا على تمرير عقد الشراكة الأمر الذي يعد إدانة قانونية صريحة توجب تحركا قضائيا حسب الخبير القانوني علي التميمي.
ويوضح التميمي أنه في حال “أصاب هذا العقد ما يسمى بالقانون المدني “الغبن الفاحش” أي ضرر للمصلحة العامة والدولة كما نصت المواد من 124 إلى 142 من القانون المدني، وهنا عندما تقام الدعوة في محكمة البداءة ضد هذه العقود محكمة البداءة تبطل العقد من تلقاء نفسها كما تقول المادة 141 من القانون المدني لأنها تتعلق بالحق العام.. ويحق لأي طرف أن يذهب إلى المحكمة لأنها تتعلق بالحق العام ويقوم بتقديم الشكوى”.
لم توضع التصنيفات الدولية التي تعتبر العراق من بين أكثر الدول فسادا في العالم بشكل اعتباطي، ولم يأتِ تعثر المشاريع الحكومية وما يرافقها من هدر جنوني للمال العام من الفراغ أو العدم.
كلها أسباب ومقدمات ترتبط، بما تصفه الخبيرة الاقتصادية سميسم وغيرها من كوادر الاقتصاد والقانون العراقيين، بعمليات تدمير منهجية ومنظمة تشرف عليها أحزاب فاسدة وميليشيات مسلحة تديرها إيران.
قصة الفساد في العراق، تاريخ طويل من هدر أموال الدولة على مشاريع معطلة وخدمات مفقودة، ويكشف برنامج “الحرة تتحرى” معلومات ووثائق عن دور أحزاب وميليشيات في استغلال نفوذها داخل السلطة لتحقيق عوائد مالية ضخمة. تضاعف حجم السرقات في العراق بعد أن تضاعفت سطوة الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران.