انتفاضة الشعب الإيراني رد حاسم على مسرحية الانتخابات في إيران
نظرة عامة على حقائق مرحلة نهاية النظام الحاكم في إيران
بقلم عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
انتفاضة الشعب الإيراني رد حاسم على مسرحية الانتخابات في إيران – إن الضربات المميتة المتلاحقة التي يوجهها الشعب الإيراني البطل ورجال المقاومة الإيرانية الأشاوس داخل إيران وخارجها جعلت احتمال الإطاحة بهذا النظام الفاشي قريبًا من عدة وجوه، إذ نجد أن علي خامنئي وزعماء نظامه يلجأون هذا العام بشكل غير مسبوق إلى استعراض عضلاتهم لرفع الروح المعنوية لقواتهم المنهارة، إلا أن الحقائق التي تتسم بها مرحلة نهائية لنظام الملالي قاسية لدرجة أنها حرمت هذا النظام من القدرة على إجراء أي نوع من المسرحيات والمناورات.
وتشهد شعوب العالم اليوم أن عملية الإطاحة بنظام الملالي تتسارع بشكل قانوني، وجعلت شارع الإطاحة بهذا النظام القروسطي ذو اتجاه واحد لا طريق للعودة فيه، ولا هوادة فيه. وفي مثل هذا المسار الذي فرض فيه تمزيق نظام الملالي وانهياره وسقوط قواته، كجزء من الحقائق القاسية لهذه المرحلة، نفسه على النظام وأجبر علي خامنئي على أن يوحّد نظامه.
وفي مثل هذا المسار، بعد الانتفاضات الشعبية في إيران، وخاصة بعد انتفاضة نوفمبر الماضي، تعرض النظام برمته لغضب الشعب الإيراني وهجومه بشجاعة على مراكزه القمعية في جميع أرجاء البلاد ووجه رسالة تحذيرية لخامنئي ونظامه من الخطوة القادمة وهي أن الإطاحة به وشيكة ولا مصير له سوى أن يُلقى به في مزبلة التاريخ.
وعلى الرغم من أن خامنئي قطع الإنترنت وبدأ في قتل ثوار انتفاضة نوفمبر، إلا أن جدية وحسم هذه الرسالة كانت رائعة على نحو أربك نظام الملالي، لدرجة أنه بالإضافة إلى آثارها وشواهدها الموضوعية، ومن بينها إطلاق الصواريخ خارج الحدود ولاسيما تحطيم الطائرة المدنية الأوكرانية، فإنها جعلت العالم يدرك عدم شرعية نظام الملالي وأكدت على الضعف والعجز غير المسبوق الذي يعاني منه هذا النظام الفاشي.
ومن العلامات الإيجابية الأخرى للحقائق القاسية لهذه المرحلة يمكن الإشارة إلى الجمود الذي ساد مراسم الاحتفال بالذكرى السنوية للثورة على الشاه في 11 فبراير 1979، وعلى وجه الخصوص فضيحة إجراء المسرحية الانتخابية في 21 فبراير 2020.
وكما ذُكر أعلاه، فإن 80 في المائة من الذين دخلوا مجلس شورى الملالي في هذه الدورة، هم من قوات حرس نظام الملالي الذين قاموا بأكبر دور في القمع في الداخل وتصدير الإرهاب وإشعال الحروب خلال العقود الـ 4 الماضية، وعندما يمثلون أمام العدالة في محكمة شعبية فسوف يحكم عليهم بالعقوبة القاسية التي يستحقونها. وبعد تعيين الملا الجلاد إبراهيم رئيسي، رئيسًا للسلطة القضائية يحتكر على خامنئي مجلس شورى الملالي الآن جراء وجود أغلبية قوات حرس نظام الملالي من بين أعضائة. وهذا هو الطريق الذي سيؤدي إلى إحلال عنصر منتم لخامنئي بدلًا من حسن روحاني.
فعلى سبيل المثال، نجد أن الرجل الأول في طهران، الحرسي محمد باقر قاليباف، الذي يسعى خامنئي لتوليه منصب رئاسة مجلس شورى الملالي بدلًا من على لاريجاني، هو من أكبر عناصر القمع والإرهاب وإشعال الحروب والسرقات والنهب على الدوام. حيث أنه منذ بداية حكم الملالي، لعب دورًا فعالًا للغاية في قمع المعارضين ولاسيما مجاهدي خلق والاحتجاجات في شوارع طهران وقمع الشعب الكردي والحرب المناهضة للوطن المتمثلة في قمع الانتفاضات الشعبية وكذلك قمع انتفاضة الطلاب الشاملة في عام 2009، وفي النهب والاختلاس.
إن قمة هذا النظام الفاسدة وهيكله المنهار شاهد على انتهاء صلاحية نظام ولاية الفقيه من جميع الجوانب، ويجب عليه أن يعترف بنهايته ويرفع الراية البيضاء، نظرًا لأن الجسد الضعيف العاجز لهذا النظام لم يعد قادرًا على الحفاظ على بقائه حتى بالقمع والخداع واستعراض القوة والمناورة.
وعلى الرغم من أن وزير داخلية الملالي أعلن عن أن نسبة المشاركة في الانتخابات الوهمية تصل إلى 42 في المائة، بقوله: “إن هذه النسبة لمشاركة المواطنين مقبولة تمامًا في ظل هذه الظروف”، وأن هذا دليل لا يمكن إنكاره على جمود مسرحية الانتخابات والهزيمة النكراء التي لحقت بنظام الملالي، إلا أن الواقع شيء آخر. إذ إن الإحصاءات الموثقة التي وصلتنا تشير إلى أن عدد المواطنين الذين تتوفر فيهم شروط الانتخاب يبلغ 58 مليون مواطنًا ولم يشارك منهم في الانتخابات سوى حوالي 3 مليون و 284 ألف و 250 شخصًا.
وإن وصول الأوضاع إلى هذه النقطة ليس أمرًا ارتجاليًا ومن باب الصدفة، بل إن الشعب الإيراني مرتبط بمقاومة منظمة لها جذورها، وروى بألامه ودمائه العديد من أشجار الحرية ويسعى الآن إلى جني ثمارها.
وفي طريق توحيد نظام الملالي نشاهد الآن أن فلول حزب ما يسمى بالإصلاحيين أصبح أقلية لا قيمة لها. وكتبت صحيفة “رويداد 24” الحكومية في 21 فبراير 2020 إن الإعلان عن النتائج يظهر أن الأصوليين، أي على خامنئي قد استولوا على المجلس الحادي عشر. كما كتبت صحيفة “اعتماد” الحكومية في نفس التاريخ أن مجلس صيانة الدستور قضى على الإصلاحيين. ولذلك قام علي خامنئي بعملية جراحية كبيرة واضطر إلى أن يضع حدًا للإصلاحيين والاعتدال في هذا النظام الفاشي.
ولا شك في أن توسلات على خامنئي وغيره من قادة النظام لجذب المصوتين في هذه الدورة من الانتخابات كانت دراماتيكية للغاية. فعندما علموا برأي الشعب الحاسم في مقاطعة الانتخابات في أعقاب دعوة رئيسة الجمهورية المنتخبة للمقاومة الإيرانية السيدة مريم رجوي إلى مقاطعة مسرحية الانتخابات، حاولوا بكل الطرق استقطاب قواتهم المحبطة للمشاركة في التصويت لاستكمال مسرحيتهم الانتخابية التي تم هندستها مقدمًا. لذا أرسل خامنئي الملالي الخاضعين له ليتصدروا المشهد لكي يتمكنوا بكل الطرق بدءًا من التوسل والأنين حتى التعاليم الدينية كما يزعم للتشجيع على المشاركة في الانتخابات. وفي هذا الصدد، سجل ممثل خامنئي في مشهد المعمم ”عَلَم الهدى“الرقم القياسي في الوقاحة، حيث قال: ” إن من لم يشارك في الانتخابات ليس مسلمًا”، وادعى أن هذا الكلام ليس من قريحته المتخلفة، بل إنه من أقوال رسول الإسلام.
ووصفت رئيسة الجمهورية المنتخبة للمقاومة الإيرانية السيدة مريم رجوي الإحصاء الذي أعلن عنه نظام الملالي بأنه اعتراف قسري بفشل مسرحية الانتخابات فشلًا ذريعًا، وقالت: “إن أكثر من 90 في المائة من الشعب أدلوا بأصواتهم في الإطاحة بالفاشية الدينية الحاكمة في إيران انطلاقًا من مقاطعتهم لمسرحية الانتخابات، ورحبوا بشعار معاقل الانتفاضة ، وهو “أُصواتُ للإطاحة”. والجدير بالذكر أن هذه الهزيمة النكراء أدت إلى تفاقم الصراع الداخلي والمأزق المميت الذي حلّ بنظام الملالي، ويسرع وتيرة الإطاحة بهذا النظام الفاشي على يد الشعب الإيراني – صاحب التاريخ الطويل من البطولات في القضاء على الديكتاتوريات– والمقاومة الإيرانية.
@m_abdorrahman
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.