الاتحاد من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة​

قصة شَكَر من كتاب رحلة العذاب في زنازين الملالي بقلم المجاهدة ” هنغامة حاج حسن ”

انضموا إلى الحركة العالمية

من كتاب رحلة العذاب في زنازين الملالي

قصة شَكَر من كتاب رحلة العذاب في زنازين الملالي بقلم المجاهدة ” هنغامة حاج حسن ”

 

قصة شَكَر من كتاب رحلة العذاب في زنازين الملالي

 

بقلم المجاهدة ” هنغامة حاج حسن ”

…تعبت شَكَر كثيراً على أثرالتعذيب المستمر والأمراض المختلفة التي سحقت بدنها، فأصبحت نحيفة

جداًومنحنية القامة ولم تعد تعرف بسهولة ويقلن السجينات اللاتي كن معها أن روحها كالجبل قوية غير

قابلة للتسخير! وكأنما كان لا يهزها أي شيء وفي النهاية لأنها كانت قد ربطت شخصيتها بروح المقاومة

التي يتحلى بها الشعب الإيراني قدجعلتها سلاحاً أركع الجلادين أمامها.

بعد اعتقال شَكَر قلقنا عليها كثيراً، وكانت والدتها هائمة على وجهها تبحثعنها لكن لم يخبرنا أي أحد في

أجهزة النظام القمعية المختلفة عن مكانها وحالهاوكانوا يعلنون كل يوم فقط أسماء عشرات بل مئات

المعدومين في وسائل الأعلامالسمعية والمرئية أو أنهم كانوا يطبعوا صور المعدومين في الصحف

وكانوايطلبون من والديهم الحضور ليعطوهم الاسم كي يستلموا جثث أبنائهم يعني أنهمكانوا بدون أن

يعلموا أسم الفرد يصدروا حكم الإعدام بحقه لكنهم كانوا يفعلوا هذاعمداً ليحاسبوا كل الناس بهذا الفعل.

كانت شَكَر غير معروفة في المستشفى، فقط قالوا زملائها في المستشفىأنهم أخذوها سحباً على

الأرض من طرف إلى أخر لأنها قاومت بشدة أمام أفرادالحرس المسلحين الذين رفعوا حجابها وسحبوها

بأيديهم من شعرها أمام الأنظارالمبهوتة والباكية للمرضى وزملائها، وسحبوها بقوة وضرب وشتم إلى داخلالسيارة الواقفة وأخذوها معهم.

أما الآن فأن أفراد قوات الحرس وأجهزة أخرى تابعة للنظام كانوا ينفوناعتقالها واستمرت والدتها في

البحث عنها في السجون أو المقابر أو بين صفحاتالجرائد كي تجد لها أثراً لكنها لم تجد.

علمنا بعد شهر تقريباً أن شَكَر في سجن (إيفين) تحت التحقيق وهذا يعنيأنها تحت التعذيب ولأنهم لم

يمتلكوا أي دليل أو مستند يدينها قاموا بتعذيبها، وكانوايريدون إثارتها بالتعذيب كي ينتزعوا منها

اعترافات تدينها فيلفقوا لها ما يروقلهم من التهم ومن يصدروا حكم الإعدام بحقها.

لكن شَكَر هذه الممرضة العطوفة والمسؤولة قاومت أمامهم وقالت: أنابمساعدتي للجرحى لم أفعل

أي شيء سوى إنجاز عملي وأنا أعمل بهذا العملأيضًا، أنتم يجب أن تحاكموا، لماذا جرحتموهم

وقتلتموهم وإذا كان هناك حكماًيحكم بالعدل يجب أن يصدروا حكم الإعدام بحقكم لكي يرتاح الشعب

من شروركم،أنتم قتلة والآن تحاكموننا؟! هذه الموضوعات كان قد أفصح عنها أحد الحرسيعمل في

سجن (إيفين) رداً على سؤال أم شَكَر لغرض إثبات كون شَكَر مذنبة.

على الرغم من مقاومة شَكَر وعدم ارتكابها أية جريمة إلا أنها حكمت ١٥

سنة بجريمة مساعدة جرحى المجاهدين وكان حكماً غير عادل أثبت الزمن أنهملم ينفذوا هذا الحكم.

حينما سجنت فيما بعد أخبرتني شَكَر أنهم في فترة التحقيق لم يكن لديهمحمام لشهور وأنهم كانوا في

حالة جوع لأن كمية الطعام التي تعطى لهم قليلة جداً،فكانوا يعطوهم ملعقة فاصوليا واحدة لثمانية

أشخاص أو عدة ملاعق من الرزقالت شَكَر كنا نقسم الفاصوليا بالعد أي بحساب حباتها مثلاً الوجبة

الغذائية لشخصواحد أربعة حبات من الفاصوليا، وبهذه الضغوط التي جعلت- أنا في خضمها فيمابعد-

حاولوا هزيمة السجينات لهذا السبب أصيبت شَكَر وعدد من النساء الأخرياتبالأمراض التي لم يتمكنوا

فيما بعد التخلص منها مطلقًا، عانت شَكَر مرات عدةمن نزيف في المعدة فكانت حينما تتناول أي

طعام تتقيؤه فأصبحت نحيفة جداً،بسبب قسوة الحياة والضغوط التي يواجهنها.

إن نوافذ زنزانات القفص رقم (٨) كانت تفتح على هذه الباحة أيضًا،في أول يوم خرجت إلى الباحة رأيت (شَكَر) وهي نادتني. آه، يا إلهي…شَكَر!

صديقتي الجيدة.!
حينما رأيتها شعرت من شدة السرور كأني أطير وكدت أخرج من ثيابي،كنت أود أن أحتضنها مرة أخرى،

في لحظة مرت الذكريات القديمة من ذهنيكالبرق، كنت أتمنى لو تعود إلى مثل تلك الأيام حينما كنا

طالبات جامعيات لكيأمزج شعرها المصفوف مع بعضه حتى تنفعل أو حتى تصبح غير قادرة علىتناول

شطيرتها الإضافية فأخذها منا وأكلها، فكانت تنظر إلي بعيونها باستغرابوآنذاك تضحك علي وهي

تحرك رأسها، أتمنى لو كانت تلك الأيام تعود مرةأخرى، كان والدي يمازح (شَكَر) ويناديها بأسماء مرحه،

كانت عيون شَكَر تمتلئبالدموع من شدة الضحك، كم كانت ضحكاتها جميلة… تبدو أحياناً أمنيات

الإنسانومطالبه بسيطة جداً ومحدودة ولكن لا يتمكن من الحصول عليها، الآن (شَكَر)حبيبتي تبعد عني

مترين أو ثلاث، أنها في الأعلى خلف قضبان النافذة الصغيرةللزنزانة، ولكني كنت لا أستطيع أن أنظر

إليها حتى بصورة مباشرة فكنت أتكلممعها وأنا أسير ونظري إلى غير المكان الموجودة فيه، وكانت

شَكَر تموه مثليأيضا ولكن على أية حال استطعت التحدث معها بمساعدة النساء ومراقبتهنوأخبرتها بكل شيء كنت أريده وأعتبره ضرورياً.

كان وضع سجينات القفص رقم (٨) سيئًا جداً مقارنة بوضعنا، لأنهموضعوا هناك في كل زنزانة (٣٠

سجينة) تقريباً وكانوا يغلقون الباب، وفيما بعد أخبرني السجينات أنهم في كل يوم كانوا يدفعون

السجينات بقوة إلى داخلالزنزانة ويضربونهن بالركلات كي يتمكنوا من غلق الباب مما يجبر

السجيناتعلى الوقوف أو التعلق بالأسرة الموجودة داخل الزنزانة ولهذا السبب كانت شَكَردائماً خلف

النافذة لأن حافة هذه النافذة كانت مكانًا لسجينة إذ تجلس فيها في حالةقرفصاء.

كانت ظروفهن صعبة جداً ولا إنسانية، إذ كانوا كل فترة (٢٤) ساعةيسمحون للسجينات مدة ثلاث دقائق

فقط للاستفادة من المرافق الصحية، وفيتلك الأجواء المضغوطة والخانقة حينما لا يستطيع شخص

السيطرة على نفسهيضطرون إلى أن يقضوا حاجتهم في سلة المهملات أو كيس النفايات وحينماتفتح

باب الزنزانة يأخذونه خارجاً ويخلونه، فلم يكن يمكن تصور أنهم كيفكانوا يفعلون ذلك التزاحم الذي لم

يكن يمكن لأحد التحرك فيه، كانت هناكمجموعة منهم ضعيفي البنية أو مصابين بالأمراض فقد كانوا

يعانون من ضيقالتنفس والاختناق وكذلك كانوا يتعرضون لحالات الإغماء بسبب الضغط

وقلةالأوكسجين، وأن رعاية شخص فاقد الوعي في ظل تلك الظروف للحيلولة دونموته كانت عملية

منهكة جداً، وكان يأتي (الحاج داود) المجرم كل يوم إلى القفصلكي يؤذيهن أكثر فكان يقول بلهجته

الشائكة والخاصة بالرعاع قاومن! قاومن!ليأتي الشعب البطل وينقذكن! أو كان يقول:(أين الآن مسعود

عزيزكن ليجيئويغيثكن؟)…. أيتها الخبيثات، سنستمر في احتجازكنّ هنا حتى يصبح شعركنأبيض مثل

أسنانكن وأسنانكن أسود مثل شعركن.!

كانت( شَكَر) أيضا في واحدة من هذه الزنزانات لكنك كنت لا ترىشيئاً في وجهها سوى هدوئها لتغيظ

ذلك الحاج، قالت شَكَر نحن موجودات في(الباب المغلق) لم أفهم قصدها ولكن فيما بعد وضحن

السجينات لي ذلك أي نحنموجودات في الزنزانات ذات الأبواب المغلقة وهذا اصطلاح السجن وكان

منأحد أساليب التعذيب اليومية التي يمارسها الحاج داود، ولكني بعد يومين لم أعدأرى شَكَر ثانية في

إطار النافذة وكانت النافذة خالية، بعد السؤال والاستقصاءعلمت أنهم نقلوهن إلى الزنزانات الانفرادية

في(كوهردشت)، إلهي أني كنتراضية بمثل هذا إذ أشعر بوجودها خلف هذا الجدار كيف إذا لم أراها،

ولكن العدوقد نقلها مع بقية السجينات المقاومات مرة ثانية تحت وطأة التعذيب

وداع شَكَر

في الليل كنا نجلس أنا و(شَكَر) و(معصومة) مع بعضنا ونتحدث، قالت(شَكَر) أنا أعلم أنه سيطلق

سراحكن أنت ومعصومة ولكني سأبقى، قلت: من قالأنك ستبقين؟ نظرت في عيوني وقالت إنهم لن

يطلقوا سراحي وكانت متأكدة ،فجأة دخلت (شرارة) وهي ترتدي عباءة سوداء وتضع نقاباً على وجهها

وهيكانت ضمن نفس أولئك المناضلات لأسبوع واحد وحالياً أصبحت توابة وحينماوقع نظرها علي تغير

لونها وغضت بصرها، قلت لها: هل تتذكرين؟ لم تقل شيئاًوصمتت، ثم قالت لتأتي (شَكَر محمد زاده)

مع كل أغراضها.

أنها جاءت من القفص رقم (٣)، كان القفص رقم (٣) يعرف بقفصالتوابين، بالتأكيد لم يكن بهذا الشكل

بصورة حقيقية لأن التوابين كانوا نفس أولئكالعدة أشخاص القذرون كانوا مأجورين ولأنهم استقروا في

ذلك القفص وكانعددهم هناك أكثر. عرف هذا القفص بقفص التوابين، ربما كان هذا الاسم

مناورةزائفة من قبل النظام ليظهر قدرته في هزيمة سجناء إحدى الأقفاص وجعلهمتوابين، فجأة وقفت

(شَكَر) وقالت: أنا لن أذهب! لا! أنا لن أذهب.!

لقد فعل التوابون الخونة فعلتهم ثانية فسلموا تقريراً يفيد أن شَكَر ارتبطت ١٥١مع بعض المنافقات،

ومرة ثانية أصبح حالها سيئًا وكان قصد أولئك القذرينبالتعبير الحقيقي أن شَكَر لم تصبح فريسة لهؤلاء

الضباع، لكنهم كانوا علىخطأ بأن يستطيعوا أن يجعلوا شَكَر أو المجاهدات الأخريات فريسة، لأن شَكَرقد

وصلت إلى القمة في إيمانها بمبادئها وكانوا لا يستطيعون حتى في حالة عدمتوازنها النفسي أن

يجعلوها أجيرة لهم وكانت لا تسمع بهذا ولو لمرة واحدة فقط،أنهم يريدون مثل ذلك الشيء منها

وتركت حسرة هذا على قلوب أولئك الجلادين،أنا كنت متأكدة أنهم سوف لن يستطيعوا قط أن ينتزعوا

منها إنسانيتها.

إذا كان صرف النظر عن (شَكَر) والبعد عنها بالنسبة لي مثل السمالزعاف ولكن قبلت لها أن تذهب

بدون أن تحدث اشتباك ولا تتركهم يأخذوهابالقوة وعندما تجاوزت (شَكَر) قضبان قسم إدارة السجن

وقفت هناك وكنت انظرأليها ولقد وظفت كل إمكانياتي لأتمالك نفسي ولا أبكي، ولكنها كانت تنظر

أليوتذرف الدموع.

إلهي…..! كنت أتخيل بكل خلايا حواسي وجهها وحضورها في ذهنيوأودعتها في خاطري، كانت تحدثني

عن شعورها المشؤوم سوف لن ترى شَكَرثانية! وأنا كنت عاجزة أمام حضرة الرب،لا! اﷲ…لا!…… وبينما

كنت أحاولأن لا أبكي، كنت أشعر بسيل شديد من الدم الملوث خلف جفوني وكنت أمنعجريانه بكل

طاقتي. عادت شَكَر ثانية وفي اللحظة الأخيرة نظرت ألي ومدتمن بعيد يدها نحوي ملتمسة إياي، أنا

أيضا مددت يدي نحوها من خلف القضبانالحديدية اللعينة القاسية التي خرقها واجتازها قلبي، وخرجت

من باب القفصالحديدية وأنا لا أزال أمد يدي نحوها وكل وجودي كان يصرخ (شَكَر)، لا أعلمأي شخص

كان بجواري، جاء نحوي ومن المحتمل كان يريد أن يواسيني، قلتقولوا للجميع أن لا يأتوا عندي، الرجاء

أود أن أكون لوحدي فقط! والتجأت إلىالسرير في أعلى الزنزانة المكان الوحيد الذي عندي لأطلق تحت

البطانية سيلالدموع التي قد كبحت جماحها حتى تلك الأثناء.

ثلاثة أيام في غمرة الحمى والألم كنت أرى شَكَر في منامي، عزيزتي شَكَر، مدللتي شَكَر، صديقتي

الوحيدة شَكَر، الصديقة التي لم أجد مثلها ثانية قط.

مثلما سمعت فيما بعد من السجينات، أن شَكَر بعد هذه التنقلات من مكانإلى أخر أثبتت وفاءها

لقضيتها وتمسكها بأهدافها بعد أن ضحت بدمها خلال مجازر عام ١٩٨٨ بحق السجناء السياسيين. إنها

كانت طوال تلك الفترة في تنقل دائم بين الزنزانات الانفرادية والأقفاص التأديبية في سجن إيفين في

القفص(٣١١) المسمى (آسايشكاه) أي الثكنة وغير ذلك. تعبت شَكَر كثيراً على أثرالتعذيب المستمر

والأمراض المختلفة التي سحقت بدنها، فأصبحت نحيفة جداًومنحنية القامة ولم تعد تعرف بسهولة

ويقلن السجينات اللاتي كن معها أن روحهاك الجبل قوية غير قابلة للتسخير! وكأنما كان لا يهزها أي

شيء وفي النهاية لأنهاكانت قد ربطت شخصيتها بروح المقاومة التي يتحلى بها الشعب الإيراني

قدجعلتها سلاحاً أركع الجلادين أمامها.

من كتاب رحلة العذاب في زنازين الملالي

بقلم المجاهدة ” هنغامة حاج حسن ”