لماذا انتشر فيروس كورونا في إيران كالنار في الهشيم؟!
لماذا انتشر فيروس كورونا في إيران كالنار في الهشيم؟! – تتوالى الأخبار العاجلة من داخل إيران عن ارتفاع أعداد المتوفِّين والمصابين بفيروس كورونا، في حين تشير آخر الإحصائيات إلى وفاة أكثر من خمسين شخصاً في مدينة قم وحدها(المركز الرئيسي لانتشار هذا الوباء)، وإصابة وزير الصحّة الإيراني وعدد آخر من كبار المسؤولين الحكوميين بهذا الفيروس، عِلاوةً على انتشار الفيروس في أكثر من ١٩ محافظة من أصل ٣١ محافظة إيرانية.
الغريب في الأمر أنّ هذا الفيروس قد انتشر أخيراً في عدد من بلدان العالم، قبل وصوله لإيران، لكنّه لم يكن بهذا الحجم من الفتك والانتشار السريع وواسع النطاق، كما حدث في إيران.
مما يدفعنا للتساؤل عن سبب انتشار هذا الفيروس القاتل في إيران كالنار في الهشيم؟!
القصّة كما ذكرتها العديد من وسائل الإعلام العالمية بدأت من المدينة الدينية قم، التي يقطنها العديد من رجال الدين الشيعة والملالي المتنفّذين.
المشكلة الرئيسة هي أنّ وجهة النظر السائدة في الجمهورية الإسلامية حول فيروس كورونا هي نظرة أمنية – دينية، بدلاً من كونها نهجاً علمياً – تطبيقياً.
المرشد الإيراني علي خامنئي صنّف فيروس كورونا ضمن سياق جهود “العدوّ” لتقليل المشاركة في الانتخابات، أمّا الرئيس الإيراني حسن روحاني فقد عدّ الفيروس أحد الدعايات السياسية للعدوّ.
أمّا بالنسبة إلى كبار الملالي في مدينة قم(مركز الوباء في إيران)، فقد ركّزوا كلّ جهودهم منذ بداية انتشار الفيروس في هذه المدينة على منع اتخاذ التدابير الصحية والوقائية العامّة، منطلقين من وجهة نظر دينية – اقتصادية بحتة.
ففي الوقت الذي كان يسعى فيه المسؤولون الصحّيون لإغلاق أماكن الزيارات الدينية الكبرى في مدينتَي مشهد وقم الإيرانيتَين، عمد الملالي المتنفّذون(بطريقة رسمية أوغير رسمية) إلى الحؤول دون تنفيذ تلك الإجراءات الوقائية، لدرجة أنّهم عارضوا موضوع عزل مدينة قم عن باقي المحافظات الإيرانية.
إذا نظرنا إلى سجلّ أربعة عقود من حكم النظام الإيراني وتاريخه، نجد أنّ هذا النظام اعتقل وسجن وعذّب وأعدم كلّ معارضيه وخصومه السياسيين.
وباعتماد النظام الإيراني على نهج القمع الداخلي لكلّ المعارضين السياسيين، ضَمِن هذا النظام بقاءه واستمراريته في الحكم.
من الناحية الدينية، لم يكتفِ النظام الإيراني بقمع بقيّة الأديان والطوائف والأقليات الدينية الأخرى، بما في ذلك الأقلية السُنّية الكبرى، بل قمع واعتقل وقتل المعارضين الشيعة حتى.
لذلك في الوقت الذي كان ينتشر فيه فيروس كورونا داخل إيران كالنار في الهشيم، وقف النظام الإيراني عاجزاً عن التعامل معه؛ لأنّه ليس منتقداً أو معارضاً سياسياً ليعتقله ويقمعه ويسجنه ويعدمه، وليس أقلية دينية أو إثنية ليتهمها بالكفر والخروج عن الدين.
أيادي الملالي اليوم مقيّدة تماماً في مواجهة فيروس كورونا، والشعب الإيراني يعلم ذلك، لكن مع ذلك يرفض الملالي الاستسلام للأمر، أي القَبول بوجهة النظر الطبّية والعملية الصحيحة.
بنية صناعة القرار في النظام الديني – الأمني لولاية الفقيه لا تريد أن تعترف بأنّها ليست ندّاً وخصماً لفيروس كورونا، وأنّ هذا المجال ليس من ضمن اختصاصاتها، وأنّه يجب إفساح المجال للخبراء والمتخصّصين.
وعلى وفق التجربة البشرية والعقل السليم؛ فإنّ العلماء والمتخصّصين والأطبّاء هم وحدهم الذين يستطيعون السيطرة على هذا الفيروس وإدارته، لكنّ المشكلة الأساسية في إيران أنّ مبادئ الجمهورية الإسلامية تتعارض تماماً مع هذا التوجّه العلمي.
لتوضيح حقيقة ما يجري في عقول هؤلاء يكفينا طرح السؤال التالي:
كيف للمرشد الإيراني الأعلى والملالي الكبار الذين يرَون أنفسهم ممثّلين عن “الأئمّة المعصومين” و”خلفاء الله” في الأرض، أن يقرّوا بأن لا حلول لديهم لمشكلة بسيطة كفيروس كورونا الطارئ؟!
لهذا السبب تجد المرشد الأعلى علي خامنئي يلصق تهمة فيروس كورونا على شمّاعة العدوّ، وعلى المستويات الأدنى منه، يرفض الملالي المنتفعون من أماكن الزيارة الدينية إغلاقها، والإصغاء لوجهة النظر الطبّية والعلمية، حتى إنّهم غير مستعدّين لتعطيل صلوات الجمعة، ولو بطريقة مؤقّتة في إيران.
الغريب في الأمر، أنّ الانصياع لوجهات النظر العلمية والطبّية في ظلّ هذه الظروف العصيبة، هي في صلب تعاليم الدين الإسلامي، لكن ما يفعله هؤلاء الملالي يظهر تناقضاً واضحاً مع معتقداتهم الدينية التي نادَوا بها على المنابر لعشرات السنين.
المشكلة الأساسية في مواجهة الانتشار واسع النطاق لفيروس كورونا في إيران اليوم هي أنّ صنّاع القرار الرئيسيين في قضية فيروس كورونا هم من رجال الأمن وقادة الحرس الثوري والملالي القائمين على أماكن الزيارة الدينية، وليس من الأطبّاء والعلماء والمتخصّصين.
وما دامت هذه المجموعة الأمنية – الدينية قادرة على اتّخاذ قرارات مصيرية على مستوى البلاد، خاصّة فيما يتعلّق بمكافحة فيروس كورونا، فلا يوجد أمل في مكافحة هذا الفيروس القاتل.
بقلم النقيب المهندس ضياء قدور