تداعیات هلاك قاسم سلیماني علی إیران والمنطقة (3)
هل النظام الإيراني سيعمل علی تصعید الصراع مع الولايات المتحدة؟
هل النظام الإيراني سيعمل علی تصعید الصراع مع الولايات المتحدة؟ – جمیع المؤشرات تدلّ على أن النظام ضعیف وهشّ إلی درجة لا تمکّنه من التراجع وتجرّع السم کما فعل خمیني
أصبح الوقت عنصراً باهظ الثمن بالنسبة للنظام الذي لا یمتلك القدرة علی شرائه ولهذا السبب هو یعاني من وطأة العقوبات وضغط السياسات الدولية والأهم من ذلك یعاني من ضغوط الإنتفاضة الداخلية
بمقتل سلیماني بات النظام أمام مفترق طرق قاتل
أجرت قبل اسبوع قناة الحریة (التلفزیون الوطني للمقاومة الإیرانیة) مقابلة مع السیّد محمد محدثین رئیس لجنة الشؤون الخارجیة بالمجلس الوطني للمقاومة الإیرانیة حول مقتل قاسم سلیماني قائد قوات القدس الإرهابیة وتداعياته.
وشرح السیّد محدثین بعض النقاط المهمة وفيما يلي الجزء الثالث من هذا الحوار:
المحاور: هل النظام الإيراني سيعمل علی تصعید الصراع مع الولايات المتحدة؟
محمد محدثین رئیس لجنة الشؤون الخارجیة بالمجلس الوطني للمقاومة الإیرانیة: هذا السؤال مطروح لدی الجمیع في هذه الأيام. حتى المحطات التلفزيونیة والصحف الأجنبية تناقش هذا الموضوع.
بادئ ذي بدء یجب القول بأنّ النظام الإیراني قد وصل إلی نهایة الطریق. هو في الواقع یمرّ بمأزق خانق. النظام الیوم یقف في نهایة الطریق بعد أن تغذّی لثلاثة عقود علی عائدات الحروب والتدخّلات الأمريكية في المنطقة، وبعد أن فتحت أمامه الولایات المتّحدة أبواب العراق خاصة على مدار 17 أو 18 عاماً الماضیة واستطاع التوغّل في المنطقة بأکملها من هناك.
لکنه اليوم في نهایة المشوار، انتهی زمن التغذّي علی الغنائم والأرباح المجانیة، ولهذا هو عالق في مأزق خطیر. وقد انعکس هذا المأزق بوضوح علی تصریحات مسؤولی النظام.
إذا كنت تسمع ما قاله قادة ومسؤولو النظام في الیومین الماضیین أو ثلاثة أیام الماضیة بعد هلاك قائد الجلادین، ستلاحظ انعکاس التشتت والانقسام والمأزق والأزمة بجلاء علی تصریحاتهم.
إذا قام النظام بأي عمل انتقامي ضد الولايات المتّحدة من خلال میلیشیاته مثل مرتزقة حزب الشیطان والحشد الشعبي والبلطجیة الآخرین أو أقدم علی أي تصعید یهدّد المصالح الأمريكية في المنطقة، فسوف يواجه رد فعل عنيف من قبل الولايات المتّحدة یفوق قدرة تحمّله.
الآن أخذ النظام تهدیدات الولایات المتّحدة علی محمل الجد بعدما أصبحت هذه الأخیرة جادّة. في الواقع تمتّع النظام بامتيازات وتنازلات خاصة طیلة 38 أو 39 عاماً الماضیة أي منذ أن استولی النظام علی دفة الحکم سواء في ظل حکم الرئیس الأمریکي ريغان أو فترة حكم الرئيس بوش الأب أو كلينتون أو بوش الأبن أو أوباما.
قال مسعود رجوي قبل حوالي 15 عاماً أو ربما أکثر : «هذا النظام الذي يطلق أكبر عدد للشعارات المعادية للولايات المتّحدة والمناهضة للغرب، هو في الحقیقة المستفید الأکبر من الغرب وأميركا. لم تكن هناك حكومة في إيران خلال 200 عامٍ الماضية قد استفادت من الغرب کما استفاد هؤلاء الملالي».
بينما کانت توجد أکثر حكومة مناهضة للغرب في هذه الفترة لکن الماضي لن یعود. الآن النظام الإیراني إذا سکت سیتلقّی الضربات، وإذا تراجع سیُهان ویُذلّ وسیتلاشی حکم ولایة الفقیه وتتلاشی سلطة خامنئي وینهار النظام من الداخل مما يمهّد الطريق أمام الانتفاضات الشعبية الكبیرة.
النظام أمام مفترق طرق ومأزق خطیر. مفترق الطرق هذا ليس ولید اللحظة بل أنه برز في الوقت الراهن وأصبح أکثر وضوحاً من ذي قبل وسیؤدي إلی الإطاحة بالنظام من کل الجهات.
المأزق أیضاً لیس ولید اللحظة بل إنه تفاقم منذ بضع سنوات إثر مغادرة أوباما للبيت الأبيض وبات بالغ الخطورة. لقد حاول النظام اجتیاز هذه المرحلة اعتماداً علی الخداع والمراوغة بأمل أن یتغیّر الرئيس الأمريكي ویعاود تکرار السیاسات السابقة لکن هیهات! أن تعود هذه الفترة من جدید.
أصبح الوقت عنصراً باهظ الثمن بالنسبة للنظام الذي لا یمتلك القدرة علی شرائه. ولهذا السبب هو یعاني من وطأة العقوبات وضغط السياسات الدولية والأهم من ذلك یعاني من ضغوط الإنتفاضة الداخلية.
خلال هذا الوقت حاول النظام إجبار الولایات المتّحدة والغرب على التراجع عن طريق مهاجمتهم. کالهجوم على السفن ومنشآت نفط أرامكو في المملكة العربية السعودية والهجوم على المطارات، والأحدث في سلسلة هجماته هو الهجوم الذي شنّته میلیشیا الحشد الشعبي العراقية على قاعدة في كركوك أسفر عن مقتل أمريكي.
وبمقتل سلیماني بات النظام أمام مفترق طرق قاتل. یجب أن ننتظر لنری ما سيفعله، لكن جمیع المؤشرات تدلّ علی أنه ضعیف وهشّ إلی درجة لا تمکّنه من التراجع وتجرّع السم کما فعل خمیني. في الهدنة كان خميني یمتلك القدرة على فرض تجرّع السم على نفسه وعلى نظامه، وکان بإمکانه المقاومة إلى حد ما. لكنه عوّض ذلك التنازل بقتله 30 ألف شهیدٍ من السجناء السياسيين.
لذا فإنّ النظام سیتّخذ بعض الإجراءات. بالتأكيد سوف يقوم ببعض الهجمات. وقد یتراجع في بعض المواضع.
ولكن على أية حال لا يوجد مفرّ من هذا الاتجاه الذي یزداد سوءاً كل يوم. على سبيل المثال، ذكر النظام أنّ حكومة الجمهورية الإسلامیة الإيرانیة ستنفذّ الخطوة الخامسة في تقلیص التزاماتها النوویة ولن تتقیّد بآخر “القيود التشغيلية” من بنود الاتفاق النووي أي الحد الأقصى لعدد أجهزة الطرد المركزي. وبهذا لم یعد البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية الإیرانیة یلتزم بأي قيود عملیة فیما یتعلّق بنسبة وکمیة التخصيب ومواد البحث والتطوير المخصّبة.
هذا جزء من رد فعل النظام في هذا الصدد، وهو يعني الانسحاب من الاتفاق النووي. أي أنّ النظام قد اضطرّ إلی تدمير إنجازاته وتخریب کل الجسور من ورائه.
من ناحية أخرى لا توجد أمام النظام أیة طريقة للتفاوض مع الولايات المتحدة. حتى لو كان يريد التفاوض فإنّ التفاوض مع الولايات المتّحدة هذه المرة سيعني الاستسلام.
هذه المرة التفاوض مع الولايات المتّحدة لا يشبه التفاوض مع أوباما حیث کان یحظی الطرفان بمكانة متساوية إلى حد ما. هذه المرة النظام سیوقّع علی استسلامه بناء علی أنه الطرف المهزوم في الحرب. هذه المفاوضات الآن تحمل هذا المعنى بالنسبة للنظام ولا معنى سواه.
على أية حال، یمرّ النظام في الوقت الراهن بمأزق قاتل لا مهرب منه علی ما أعتقد. بالطبع هناك احتمالات مختلفة مطروحة لكن جميعها وفقاً لما یقال «حلوها مرّ فما بالك بالمرّ».