هل تنهي أزمة كورونا النفوذ الإيراني داخل العراق ؟
هل تنهي أزمة كورونا النفوذ الإيراني داخل العراق ؟ – تتخذ إيران أسلوباً مختلفاً في التعامل مع تفشي فيروس كورونا في العالم، ، وذلك من خلال سلسلةٍ من التصريحات السياسية المتناقضة ، وعلى لسان أكثر من مسؤولٍ إيرانيٍ، كان آخرها قول رجل الدين رشيد طالب إنّ “أمريكا هي التي صنعت کورونا؛ وذلك لقطع خط البصيرة الدينية والإرشاد الإلهي، بعدما رأت أنّ إيران أصبحت شعلة لإرشاد العالم” وهو ما يتناقض فعلياً مع ما تقوم به إيران من إجراءاتٍ محلية وإقليمية لاحتواء الوباء.
إيران، تحاول اليوم التحكم بالحدود العراقية الإيرانية، وذلك من أجل إدخالِ أعدادٍ من الإيرانيين أصحاب المراكز إلى العراق، لحمايتهم من انتشار الفيروس بعدما صارت دولتهم بؤرةً لتفشي الوباء، وهو ما يشكل خطراً على العراق، الذي يشهد إصاباتٍ ووفياتٍ أقل بكثير من إيران، التي تتعامل مع المرض بتبجح تماماً كما تتعامل في السياسة؛ إذ لا تهمها سلامة العراق، فما هو وضع إيران الإقليمي اليوم؟ وخاصةً مع العراق.
أفق الصِراع
ولفهم الطريقة التي تحاول إيران التعامل من خلالها مع الوضع الإقليمي في ظل وباء كورونا، يمكن تتبع ما نقلته وكالات الأنباء نهاية الشهر الماضي نقلاً عن المرشد علي خامنئي، الذي رأى في الوباء “حرباً بيولوجيةً مصممةً ضد بلاده”، ثم أمر بتوفير كل الموارد الممكنة، من أجل التحقيق فيما إذا كانت أمريكا قد تسببت بنشر الفيروس للقضاء على إيران.
هذا التصريح لخامنئي، مهما بدا بالغ الشطط، تقف خلفه مخاوف إيرانية حقيقية، من احتمالات انكماش قوة وقدرات ميليشياتها المسلحة في المنطقة العربية، وتراجع دورها في سوريا ولبنان واليمن خصوصاً، في ظل أزمةٍ اقتصاديةٍ خانقة، عالمية، وكذلك إيرانية موجودة أصلاً قبل الوباء.
لذا فإنّ المتنفس الوحيد المتوقع للإيرانيين اقتصادياً، لن يكون إلا عبر العراق التي تجمعه معها حدود، استخدمتها إيران في الفساد التجاري والتهريب، وتهريب النفط طوال أعوام، إضافةً إلى ما تملكه من قاعدة شيعية طائفية، بنت عليها طوال المدة الماضية ميليشياتٍ عسكرية مسلحة تتبع لها كحزب الله العراقي وميليشيا الحشد الشعبي وغيرها. لكن اليوم، تعاني إيران من تفشي الانشقاقات والخلافات في صفوف ميليشياتها في العراق، أولاً بسبب الثورة العراقية التي لم يوقفها سوى فيروس كورونا، وثانياً لانعدام الثقة في بعض الصفوف الشيعية بالجنرال الجديد خليفة سليماني، حيث “يتضح من الطريقة التي استقبل فيها زعيم فيلق القدس الجديد، غياب ميليشيات الحشد الشعبي العراقية عن البيان المشترك الذي وقعه إسماعيل قآني مع الميليشيات الأخرى، إضافةً إلى رفض كتلة حزب سائرون، ورئيسه مقتدى الصدر اللقاء بالجنرال البديل لسليماني” وفقاً لتقرير نشره معهد “واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” في العاشر من الشهر الجاري.
ويضيف التقرير، أنّ الميليشيات الشيعية المعروفة بموالاتها لإيران “رفضت الاتفاق بوجود قآني على اختيار مرشح موالٍ لإيران حتى يتولى منصب رئيس الوزراء في العراق، بل إنّ بعضها اعتبرت المسألة تدخلاً في الشؤون العراقية”. وفيما يرى الخبراء الذين أعدوا التقرير، أنّ هذا يصب في مصلحة أمريكا، ويشير إلى شيء من التفكك في منظومة إيران داخل العراق، فإنّه يجب الانتباه إلى أنّ إيران قد تكون مستعدةً في الفترة القادمة إلى نوعٍ من التوافق مع نوعٍ من الوجود الأمريكي في العراق مقابل استمرارها في التنفس من خلال رئة العراق، حتى لو تسبب ذلك باستنزاف العراق اقتصادياً وصحياً، طالما إيران تستنزف نفسها، وتنكمش في دولٍ أخرى بفعل الوباء من جهة، والاقتصاد المتراجع بشكلٍ حاد من جهةٍ أخرى.
ويجدر القول، إنّ ميليشيات ممن استقبلت قآني بحفاوة، مثل “عصائب أهل الحق، كتائب سيد الشهداء، حركة أنصار الله الأوفياء، كتائب جند الإمام، حركة حزب الله النجباء، كتائب الإمام علي، سرايا عاشوراء و”سرايا الخراساني” بحسب التقرير ذاته، ستكون معرضةً للاستبدال في الفترة القادمة، لأسبابٍ تتعلق بمحاولة إيران إيجاد ميليشيات بديلة أكثر تطرفاً، وأصغر، تقوم بتنفيذ الأوامر دون اعتراضات تتعلق بمصالح مالية وشخصية داخل صفوفها. لكن، تبدو العراق القاعدة الأخيرة لإيران، التي سوف تتشبث بها مهما حصل، في ظل مؤشرات انهيارٍ يعم قواها الأخرى، خصوصاً حزب الله اللبناني، الحركة الأكثر وفاء لإيران منذ 2010 وحتى اليوم. لكن هذا الولاء بات مهدداً.
الولاء الممزق
العلاقة بين إيران والعراق، هي علاقة استعمارية، مهما سميت بمسمياتٍ أخرى، ولعل لغة الأرقام تكشف عن هذا بوضوح، فمنذ بدء تدخل الإيرانيين في العراق ، كان المطلب الاستعماري الأول للإيرانيين هو “تعويض إيران عن خسائرها من حربها مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي! وذلك من خلال المطالبة بمبلغٍ لا يقل عن 200 مليار دولار” وفقاً لتصريحات رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني،
وتستمر إيران باتباع أساليب استعمارية في تعاملها مع العراق، فمنذ العام 2015، أصبحت إيران المصدر الأول والأوحد لمواد مختلفة إلى العراق، أي إنّها أكثر دولة يستورد منها العراق احتياجاتٍ مختلفة، وهذا طبيعي لولا “الاختلال الكبير في الميزان التجاري بين الدولتين، يعد نوعاً من النهب العلني، ومثال ذلك استيراد لمنتجات الطماطم الإيرانية بقيمة تقارب المليون دولار عام 2016، وقفز المبلغ إلى مليار و655 مليون دولار بعد ذلك سنوياً، وقيمة هذا الاستيراد، تعادل ما استوردته دول مثل؛ كندا والولايات المتحدة وإسبانيا مجتمعة من ذات المحصول في 2016 مثلاً”
وهذه الأرقام، تعززها وزارة التجارة والتخطيط العراقية، التي كشف تقرير عن أرقامها حيث انكشف أنّ وزارة الزراعة وحدها في العراق” تستورد أضعاف ميزانيتها من مواد مختلفة، مثل البطيخ الإيراني مثلاً”.
ولا يتوقف الأمر عند هذه الحدود، فالاستيلاء الممنهج على ثروات العراق من قبل إيران، بدءاً من النفط وانتهاء بأصغرِ الأشياء، هو عمليةٌ يومية عادية “تشرف عليها ميليشيات إيران التي ” تدير صفقات فساد وسيطرة وسط غياب واضح لسلطة الحكومة، وعمليات تهريب مستمرة، وفرض إتاوات على التجار، وهو واقعٌ يومي يومي منذ سنوات في المنافذ الحدودية العراقية الرسمية وغير الرسمية الخاضعة لسيطرة الميليشيات الإيرانية التي تكبد العراق خسائر تصل إلى أكثر من ٩ مليارات دولار سنويا”
ورغم الحديث رسمياً، عن إغلاق العديد من المعابر الحدودية العراقية مع إيران الشهر الماضي، إلا أنّ مخالفات عديدة ترتكب ضد الإغلاق، لحاجة إيران الماسة إلى مصادر مالية ولوجستية مختلفة في الفترة الأخيرة. خاصةً أنه لم “تغلق جميع المعابر الشهر الماضي.
وإيران، تعاني اليوم أكثر من أي فترةٍ مضت، وربما أنّ الحديث عن “استقلالية محتملة لحزب الله اللبناني عنها، لم تغادر الأجواء منذ أسابيع” بحسب تقرير معهد واشنطن الآنف الذكر، وهو أمرٌ غير مستبعد، رغم شح موارد الحزب في الفترة الأخيرة، وتراجعه سياسياً بسبب الثورة اللبنانية، وكذلك ضعف إيران في تمويل أذرعها، وهو ما سيتسبب بتغولٍ أكبر لحزب الله في الداخل اللبناني، في محاولةٍ لإنقاذ نفسه ووجوده بعيداً عن إيران، وهذا لا يعني سوى دمار مستقبلي للحزب في ظل الوضع الاقتصادي والسياسي والصحي العام في المنطقة والعالم حالياً. ولا تهمل التقارير وضع الحوثيين في اليمن، وهم ذراعٌ آخر لإيران، لا بد أنه سيعاني انكماشاً سريعاً في وضع ميليشياته التي تتغذى على أموال إيران وأطماعها وأسلحتها.
وأشارت “بي بي سي” في تقرير نشر نهاية الشهر الماضي، إلى أنّ المؤشرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لإيران في ظل تفشي فيروس كورونا، تنهار بسرعةٍ غير مسبوقة، إضافةً إلى “إضعاف أمريكا للاقتصاد الإيراني بصورةٍ متسارعة في الآونة الأخيرة” وهو ما يعني أنّ المحطة الأخيرة التي يمكن لإيران أن تلجأ إليها، لن “تكون سوى أمريكا نفسها، ومن بعدها المجتمع الدولي” وهذا يعني التقليل من عدائيتها. ويشير التقرير ذاته إلى دليلٍ مهمٍ بهذا الشأن، يكمن في أنّ إيران “طلبت لأول مرةٍ منذ ستين عاماً قرضاً قيمته خمس مليارات دولارٍ من البنك الدولي”، وهو ما يتوقف على كلمة أمريكا في هذا الشأن، من أجل منحها القرض. وهو ما لن يكون مجانياً أبداً في عالم السياسة.
محاولات إيران في العراق، تثبيت أمرٍ واقعٍ يمكنها من مفاوضة أمريكا، لا تخدم مصلحة العراق كما هو واضح، فهي مجرد احتلالٍ كان سببه الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003، ويبدو أنها تناور فقط، من أجل البقاء على قيد الحياة في ظل الأوبئة الصحية والاقتصادية لهذا العام، مما قد يعني تراجعاً، أو انهياراً لقواها في لبنان وسوريا تحديداً، وانتهاء لعلاقتها الاستعمارية مع العراق لاحقاً، ومن المثير للسخرية بمكان، أن تطلب دولةٌ تدعي الثورية ومحاربة النظام العالمي، قرضاً من هذا النظام حتى تستمر في الصمود من أجل محاربته.