لماذا تحترق البنوك في نيران الانتفاضة؟
النار تشتعل في بنوك اللصوص
لماذا تحترق البنوك في نيران الانتفاضة؟ – في أعقاب اقتحام مراكز الباسيج وقوات الحرس لنظام الملالي، التي تجسد مظهر سلطة نظام الملالي الحاكم؛ في الساعات الأولى من العصيان في انتفاضة شهر نوفمبر 2019، تم إحراق مئات من البنوك في نيران غضب الجماهير المضطهدة ودُمرت تمامًا. وتجاوز حجم الخسائر الناجمة عن إحراق البنوك فقط حتى الآن المليارات من التومانات.
ومن المؤكد، أن كراهية المواطنين العميقة للمؤسسات المالية والبنوك لا يمكن أن يخرج السبب فيها عن عمل هذه البنوك والفساد المتفشي في سير العمل فيما يسمى بالنظام الاقتصادي الإسلامي في البنوك.
جذور البنوك ماكنة تفريخ الفساد واللصوصية
لقد انتشرت البذرة المشؤومة التي زرعها خميني في عام 1979 في المستنقعات المالحة، “الصيرفة الإسلامية” على مدار 40 عامًا، وأصبحت شجرة ضخمة فاسدة من السرقة والنهب والتربح الريعي، حتى أننا لم نشاهد مثلها في أكثر النظم المصرفية فسادًا في العالم.
في ذلك العام، تم إنشاء ”البنك الإسلامي الإيراني” بأمر من خميني، وكان المحور الرئيسي لهذا البنك إلغاء الربا (الفائدة المصرفية) من سير العمل في البنوك. وتم تشكيل هذا البنك من خلال بيع الأسهم، واشترى خميني شخصيًا الحصة الأولى في هذه المسألة. تم تغير اسم هذه المنظمة في وقت لاحق إلى “منظمة الاقتصاد الإسلامي الإيرانية”، وأصبحت القاعدة لإنشاء مئات المؤسسات المالية في السنوات التالية في ظل نفس النمط باسم ” بنوك القروض الحسنة بدون فوائد ” .
هناك 7 آلاف مؤسسة مالية غير قانونية في ظل نظام الملالي، سُمح لها بممارسة نشاطها
ورد في تقرير مراسل وكالة “مهر” الحكومية للأنباء أن العديد من الخبراء والمديرين المصرفيين يعتبرون صناديق الاستثمار الأبناء الفاسدين للنظام المصرفي، وعلى الرغم من أنها تشكلت لتكون مشكلة في فتح التمويل في سوق رأس المال، إلا أنها بمرور الوقت، أصبحت تمثل مشكلة للتمويل والنظام المصرفي في البلاد، حيث عقدت الشروط لتستمر البنوك في عملها خاصة بعد موافقة مجلس النقد والائتمان وتوجيهات البنك المركزي الرامية إلى خفض سعر الفائدة. “. (وكالة “مهر” الحكومية للأنباء، 24 سبتمبر 2017)
هذه المؤسسات المالية، التي لم تكن مرخصة من قبل البنك الوطني (بنك ملي)، كانت تعطي فائدة نسبتها 30 في المائة على الودائع لجذب المزيد من أموال الناس، ولكن لكي تدفع هذه الفائدة كان عليها أن تستثمر هذه الودائع في مكان ما بحيث تبلغ عائداتها ما يزيد عن 35 إلى 40 في المائة، ولكن لم يربح أي استثمار أكثر من 20 إلى 25 في المائة حتى في القطاعات الاقتصادية الأكثر ازدهارًا في البلاد. ونتيجة لذلك، بدأت هذه المؤسسات في الانخراط في أنشطة غير رسمية مثل غسل الأموال، والتربح الريعي والتهريب لكي تكون قادرة على دفع فائدة الـ 30 في المائة التي التزمت بها وتحقق لنفسها أرباحًا فلكية، مما عرّضها بطبيعة الحال للكثير من المخاطر.
وأدى إفلاس هذه المؤسسات إلى تدفق الضحايا في الشوارع وتنظيم تجمعات احتجاجية ضخمة أجبرت الحكومة على دفع جزء من ديون المواطنين.
واعترفت المصادر الحكومية بما يلي:
“تسببت المؤسسات المالية غير الرسمية في إلحاق خسائر مالية بالحكومة قدرها 36000 مليار تومان؛ نظرًا لأن الحكومة اضطرت إلى دفع هذه المبالغ لتعويض الالتزامات والخسائر التي تكبدتها. هذه هي القصة المريرة لـ 7 آلاف مؤسسة مالية غير رسمية التي تقتحم المناخ الاقتصادي في الخفاء منذ العقد الأول من الألفية الثانية. هذا وبلغ حجم التهرب الضريبي في بعض الأيام إلى 40000 مليار تومان، وبلغ العجز في الميزانية 76000 مليار تومان، مما حير خبراء الاقتصاد فيما يجب أن يفعلوه .(موقع “فصل اقتصاد”، 22 نوفمبر 2019)
تعويض خسائر البنوك المفلسة التابعة للمؤسسات العسكرية وقوى الأمن من جيوب المواطنين
أصبحت المؤسسات المالية الائتمانية التابعة للمؤسسات العسكرية والشرطية في أواخر العقد الأول من الألفية الثانية بنوكًا ناشئة بمقتضى حصولها على تراخيص من البنك المركزي، ومن بينها المؤسسات التالية:
مؤسسة سينا المالية الائتمانية لبنك سينا
مؤسسة أنصار المالية الائتمانية لبنك الأنصار
مؤسسة قوامین المالية الائتمانية لبنك قوامین
– وبنوك حكمت وآينده و”بنك دى“ و”بنك سامان“، وغيرها من عشرات البنوك التي تعمل في الخفاء.
وبهذا الكم من المؤسسات والبنوك التي أُنشأت بين عشية وضحاها، تمكن نظام الملالي من الحصول على ما لدى المواطنين من السيولة النقدية، وتفيد التقديرات الرسمية إن 25 في المائة من السيولة النقدية في البلاد في حيازة هذه المؤسسات. (“دنياى اقتصاد”، 3 مارس 2019)
دمج البنوك المفلسة في بنك سبه
تم تسجيل ديون هذه البنوك من 44 مليار تومان حتى 2.1 تريليون تومان (“دنياى اقتصاد”، 3 مارس 2019)
في أعقاب نهب البنوك التابعة لقوات الحرس لنظام الملالي وقوات الشرطة والباسيج والجيش لأموال الشعب وزيادة الديون الضخمة، تم دمج هذه البنوك في ”بنك سبه“ بقرار من مجلس النقد والائتمان ورؤساء السلطات الثلاث في نظام الملالي. وبهذه الطريقة يهربون من عبء التزاماتهم القانونية تجاه المواطنين من ناحية ويحافظون على هيكلهم الاقتصادي من ناحية أخرى.
“ذكرت صحيفة “تجارت نيوز” في 1 اكتوبر 2019، في مقال بعنوان “ديون سلطان الدعاية المصرفية للبنوك بلغت 4 أضعاف” وينسب اسم سلطان الدعاية المصرفية لـ “بنك انصار” التابع لقوات الحرس لنظام الملالي المعادية للشعب؛ الذي جمع حوالي 50000 مليار تومان من الديون.”
“يتم إنفاق 36000 تريليون تومان (الأموال التي تم منحها للمواطنين لتعويض الخسائر) من الموارد المالية للبلاد على الأخطاء التي تسببت في المزيد من الضغوط على البلاد منذ العقد الأول من الألفية الثانية حتى الآن جراء عدم جدوى سياسات النظام المصرفي، والمؤسسات جلبت المودعين بشكل متكرر بحجة تحقيق أرباح جذابة، وتم التهام أرصدة العديد من الطبقات الفقيرة والمعتدلة بين عشية وضحاها، لكي تدفع كل من الحكومة والشعب تعويضات هذه الخسائر معًا”.
(موقع “فصل اقتصاد” 22 نوفمبر 2019)
الاختلاس في البنوك
إن الكم الكبير من الاختلاسات والتربح الريعي في البنوك سبب آخر لكراهية الشعب للبنوك وانعدام الثقة فيها. وهذه البنوك، التي أنشأت اعتمادًا على ودائع المواطنين العاديين في المجتمع، سرقت بالفعل من جيوب المواطنين من خلال إهدار رؤوس أموال الشعب في فساد مالي هائل يبلغ عدة آلاف من المليارات.
وحدثت معظم هذه الحيل من خلال منح قروض بالمليارات إلى “أشخاص معينين” كانوا يتمتعون بدعم قوي في الحوكمة. وتيار أبناء الذوات أو الأشراف الذي استمر في البلاد لسنوات عديدة ليس سوى جزء من هذه الاختلاسات. وعادة ما لا يتم سداد الأموال المقترضة، والبنك غير قادر على تحصيل هذه الأموال لأنه لم يتلق ضمانًا لسحب الأموال؛ وبطبيعة الحال، تعتبر البنوك أن هذه التأخيرات المصرفية من ضمن أصولها، لكن في الواقع لن تعود هذه الأموال إلى البنك في أي وقت.
ويفيد تقرير لجنة مبدأ 90 في مجلس الشورى للملالي أن 84 في المائة من مطالبات البنوك المؤجلة تتعلق بأفراد معينين (“مشرق”، 31 مايو 2018)
تتعلق المشكلة الرئيسية في ظهور أزمة المطالبات المؤجلة بالقروض الكبيرة بمليارات التومان التي حصل عليها أفراد معينون (حوالي 500 شخص) تابعين للحكومة، ومعظمهم مختفون حاليًا. “(مهر، 4 ديسمبر 2017 )
لكن من ناحية أخرى، تقوم البنوك بأخذ مستندات من عملائها البسطاء لمنحهم قروضا صغيرة ببضعة ملايين لتقليص عدد أولئك الذين يمتنعون عن سداد القروض.
ومن أسباب إفلاس البنوك الاختلاسات الكبيرة بداخلها. مثل اختلاس 3000 مليار تومان، و1200 مليار تومان في البنوك الوطنية والأممية، و 8000 مليار تومان في صندوق الادخار للتربويين، و 1500 مليار تومان في بنك سرمايه، والاختلاس في بنك آريا، واختلاس 659 مليون تومان في بنك سياهكل، والاختلاس في مؤسسة الشهيد، واختلاس 2800 مليار تومان من خلال بنك دي وبنك سرمايه وتورطت 7 بنوك في هذا الاختلاس، والاختلاس في بنك التنمية الدولي، والاختلاس في ”بنك ملي“ في مازندران ، والحادثة الفاشلة لاختلاس 860 مليار، واختلاس 330 مليار في البنك الزراعي، وغير ذلك من حالات الاختلاس.
البنوك، قتلة الشركات الإنتاجية
في المجتمع المتقدم أو النامي، يتجسد دور البنوك في الاستثمار في القطاعات الإنتاجية ودعمها، ولا يرغب أي بنك في إفلاس شركة أو أي مصنع آخر؛ لأنه يكسب أرباحه وائتمانه من هذا المسار. لكن في إيران الوضع مختلف، فالبنوك تساعد الشركات التي تعاني من مشكلة في العائد والإنتاج، حيث أنها لا تقدم المساعدة لوجه الله، بل منح القروض لأي شركة يعني احتجاز هذه الشركة قانونيًا ورسميًا كرهينة، وفي حالة عدم قدرة الشركات على سداد الديون للبنوك، تقوم البنوك بتملك العديد من هذه الشركات.
واستشهادًا بالإحصاءات الرسمية قال رئيس دار مازندران للتعدين والصناعة، رضوى: ” يوجد في محافظة مازندران 200 وحدة إنتاجية متوقفه عن ممارسة نشاطها ومؤجرة كمستودعات، من إجمالي 550 وحدة”. (مهر ـ 7 أغسطس 2019)
” كما تملكت البنوك 139 وحدة إنتاجية في محافظة خراسان رضوي، بسبب الإفلاس والديون المصرفية المتأخرة” (وكالة “إيرنا” للأنباء 2 يونيو 2019)
كما قال المدير التنفيذي لشركة قزوين للبلدات الصناعية: “هناك 69 وحدة إنتاجية في المدن والمناطق الصناعية التابعة لمحافظة قزوين مملوكة للبنوك بسبب الديون أو أنها في طور الخلافة والامتلاك”. (إيلنا، 2 يوليو 2019)
إزدهار الوساطة في البنوك
في مقابلة مع فرارو، قال حميد رضا أشرف زاده، الخبير في مجال البنوك: “قد يعتقد البعض أن على الحكومة أن تلزم البنوك بالاستثمار في الصناعة، لكن هذا أمر غير ممكن. لأنه في عالم الوساطة، تكون الظروف مواتية عندما تحقق البنوك ربحًا كبيرًا وليست لديها استعداد للتراجع بسهولة. ثم قال: “الحقيقة هي أن البنوك أصبحت قوية للغاية خلال هذه السنوات لدرجة أنها زحفت وتتواجد في كل مكان. تارة تقتحم سوق العملات والذهب وأحيانًا تدخل سوق السيارات. حتى أننا نرى بعض العلامات على تواجدها في بورصات السلع. بدليل أننا نري هذا الأسواق في بعض الأحيان تتقلب فجأة لأن (البنوك) لديها الكثير من رأس المال بحيث يمكنها أن تلعب دورًا بوصفها الجهات الفاعلة الرئيسية، وهي تؤثر إلى حد كبير”. (فرارو 9 ديسمبر 2018)
85 في المائة من الفائدة المصرفية في جيوب 2,5 في المائة من المودعين
وقال مدير المكتب الاقتصادي في مركز البحوث بمجلس الشورى للملالي، إحسان خاندوزي: “2,5 في المائة من المودعين يمتلكون 85 في المائة من الودائع المصرفية. ففي عام 2017، دفع النظام المصرفي فائدة مصرفية قدرها حوالي 200ألف مليار تومان لأصحاب الودائع المصرفية في البنوك وأصحاب ودائع الأوراق المالية، أي حوالي خمسة أضعاف إجمالي الدعم النقدي المدفوع للإيرانيين خلال عام واحد (حوالي 40ألف مليار تومان). وإذا علمنا أن 85 في المائة من الفوائد المصرفية تخص 2,5 في المائة من كبار المودعين المصرفيين وفقًا للإحصاء الذي أعلنه الدكتور خاندوزي، يمكن القول إن حصة هؤلاء الأفراد من الأرباح التي توزعها البنوك ستصل إلى ما يعادل 170000مليار تومان. (تابناك9 نوفمبر 2019)
ديون الدولة الضخمة للبنوك في ظل نظام الملالي
إن النظام الاقتصادي المعطوب في البلاد، الذي يعاني من موجة مدمرة يوميًا بسبب القرارات الصادمة، مثل رفع أسعار البنزين بنسبة 300 في المائة، يتطلع إلى البنك المركزي بوصفه الملاذ الأخير. وتواصل الحكومة والبنوك الأخرى الاقتراض من هذا البنك لقضاء شؤونهم الخاصة، وبما أن البنك المركزي لا يتمتع بالتغطية فإنه مضطر إلى طباعة الأوراق النقدية وزيادة السيولة النقدية، وبالتالي تحدث زيادة في التضخم.
” والحقيقة هي أن الحكومة لا تدين للبنك المركزي فحسب، بل للنظام المصرفي أيضًا. فمنذ السنوات الأخيرة من رئاسة محمد خاتمي للجمهورية في عام 2004، حتى نهاية ولاية حسن روحاني الأولى في عام 2017، تضاعفت ديون الحكومة للبنوك 54 مرة، ومنذ عام 2005 حتى نهاية شهر يوليو 2018 تضاعفت الديون 12 مرة . وانتقد حسن روحاني الشبكة المصرفية أكثر من مرة بسبب عبء الدين الثقيل الذي خلفته حكومة محمود أحمدي نجاد، لكنه في الواقع زاد الطين بلة وأضاف على هذا العبء. حيث أنه بحلول نهاية عامه الأول 1392، ارتفعت ديون القطاع الحكومي للنظام المصرفي من حوالي 111ألف مليار تومان إلى حوالي 284ألف مليار تومان بحلول شهر يوليو عام 2018، أي أكثر من 2,5 ضعف. ومن بين هذه الديون، تبلغ حصة ديون القطاع الحكومي للنظام المصرفي 88 في المائة وحصة الشركات الحكومية 12 في المائة “. (جمشيد أسدي، الباحث الاقتصادي، -۵27 أكتوبر 2019)
البنوك تحترق في نيران الانتفاضة
إن حجر الأساس للاقتصاد المتدهور لنظام ولاية الفقيه، الذي لم يجلب للشعب شيئا سوى الفساد والخراب والمزيد من الفقر، وخاصة الطبقات الفقيرة، وضع في عام 1358على يد خميني. وتم تأسيس المؤسسة المصرفية الإسلامية التي سميت لاحقًا باسم المنظمة الاقتصادية الإسلامية الإيرانية، “التي اكتسبت خبرتها على يد عدد قليل من المسوقين الذين لم يكن لديهم أي خلفية عن المبادئ الاقتصادية والمصرفية. ونتيجة هذه البذرة المزروعة الآن ظهرت مئات البنوك بأسماء مختلفة في البلاد، والشغل الشاغل لكل منها يتركز في الحصول على السيولة النقدية من جيوب المواطنين. ولم تفكر البنوك قط في مساعدة الطبقات الفقيرة والمتوسطة في المجتمع ودعمت فقط بعض الأفراد المعينين المنتمين للحكومة (أبناء الذوات أو الأشراف). إن هذا القدر من الفساد والتربح الريعي والسرقة في أهم قطاع اقتصادي في البلاد (البنوك) هو السبب الوحيد في المزيد من غضب الشباب والمنتفضين في المجتمع، وهذا هو السبب في استهداف البنوك في الساعات الأولى من انتفاضة شهر نوفمبر بوصفها مظهرًا اقتصاديًا من مظاهر الحكم الديكتاتوري الديني، وإضرام النيران فيها. وهذه رسالة واضحة يوجهها شباب الانتفاضة إلى خامنئي مفادها أن الشعب لم يعد يتحمل حكمه المفترس لإيران بعد اليوم، بأي حال من الأحوال.