إیران في سیستان وبلوشستان یحتمي المواطنين بأعالي
النخیل هرباً من الفیضانات
إیران .. في سیستان وبلوشستان یحتمي المواطنين بأعالي النخیل هرباً من الفیضانات – الصورة أعلاه تقتصر کل ما یمکن قوله عن التبعات المدمّرة للسیول والفیضانات الأخیرة التي ضربت محافظة سيستان وبلوشستان في إیران ،وفي هذه الصورة یظهر عدد من الرجال وهم يتسلّقون أشجار النخيل هرباً من الغرق، هذه الصورة تعکس مشهداً تراجیکومیدیا من حکایة أولئك الذین یتمّ التلاعب بأرواحهم مع حدوث أي کارثة طبیعیة، وهي حکایة تتجدّد باستمرار علی مرّ السنین.
فيضانات الربیع الماضي والتي ألحقت أضراراً فادحة بالمواطنین قدّرت بأکثر من 35 ألف ملیار تومان (أكثر من موازنة البناء لعام واحد)، يمكن أن تكون بمثابة تحذير صریح للمسؤولين الحكوميين بضرورة التفكير في حلول ناجعة لإصلاح البنية التحتية في البلاد وخاصة في المحافظات الجنوبية وعلی رأسها محافظة سيستان وبلوشستان.
بناء الجسور المزودة بفتحات لعبور میاه الفيضانات ومنع تجمّعها، جرف الأنهار والمجاري باستمرار، بناء الموانع والسدود لمنع الفيضانات من اجتیاح المناطق السكنية وعشرات من الإجراءات المدروسة الأخرى یمکن اتّخاذها لتوجیه وتخزین میاه الفیضانات في مناطق محددة، وهو إجراء شائع یتمّ اتخاذه في العديد من البلدان الصناعية وحتى شبه الصناعية. لكن حسن روحاني قد اکتفی بتقدیم وعود فارغة للأهالي عند زیارته المناطق المنکوبة بالفيضانات، وترکهم یعانون لوحدهم في نهایة المطاف.
حول فيضانات محافظة سيستان وبلوشستان قال “إسماعيل نجار” رئيس منظمة إدارة الأزمات في إیران:
«لسوء الحظ، تدمّر جزء كبير من البنية التحتية الريفية في هذه الكارثة التي تسببت بإنقطاع الطرق في 500 قریة حتى الآن. انقطاع التيار الكهربائي في 130 قریة، انقطاع شبكات إمدادات المياه الصالحة للشرب في 100 قریة، الأضرار الشديدة التي لحقت بالمحاصيل في مدن دلکان وکنارك وچابهار، هي جزء صغیر من المشاكل التي يواجهها الناس. بالإضافة إلى ذلك تدمّرت 20 ألف وحدة سكنية في المناطق المرکزیة والجنوبية من المحافظة بنسبة تتراوح بین 10 إلی 100 في المائة» (صحیفة فرهیختکان 13 ینایر 2020).
وعن الفيضانات الأخيرة في مدینة زاهدان، قال “حسين علي شهرياري” مندوب المدینة في مجلس الشوری النظام الإيراني :
«لقد كان لهذه الفیضانات الأخیرة تأثير مدمّر لا سيما في ضواحي زاهدان حيث يعیش 300 ألف شخص، ویعیش الفقراء في المنازل المصنوعة من الطين والقش. لقد أضطر بعضهم إلى تغطية أسطح منازلهم بالبلاستيك حتى لا تتضرّر بسبب هطول الأمطار الغزيرة» (صحیفة إیران 13 ینایر 2020).
ونقلت صحیفة “فرهیختکان” الحکومیة في 13 ینایر قول “شهنوازي” المدير العام لإدارة الأزمات في محافظة سيستان وبلوشستان:
«هناك تأخير في عملیة الإغاثة بسبب نقص عدد المروحیات، وقد تسلّق بعض الأهالي الأشجار لتجنّب الفيضانات».
التنبّؤ بالفیضانات الأخیرة
في خضم الفيضانات الأخيرة لم یتمّ اتخاذ أیة تدابیر وقائیة من قبل المعنیین سوی الإبلاغ الخجول على الرغم من تنبّؤات الأرصاد الجوية بالأمطار الغزيرة قبل بضعة أيام، ولهذا ونتيجةً لهطول الأمطار الغزيرة عانى المواطنون المحرومون من خسائر مادية فادحة. لكن بالرغم من كل هذا صرّح محافظ بلوشستان بمنتهی الوقاحة وفقاً لما نقلته وکالة إیرنا في 13 ینایر:
«رحمة الله شملت کل الأمة الإيرانية والأمطار والثلوج غطّت جميع أنحاء البلاد».
ربما غاب عن عمیل النظام هذا أننا نعیش في القرن الحادي والعشرين وأنّ الأمطار الغزیرة تستوجب شکر الله عندما یتمّ السیطرة علیها واستخدامها بطرق فعالة وناجعة، أي عندما یتمّ توجیه میاه الأمطار وتخزینها في نقاط محددة، لا أنّ یتفرّج المعنیون مکتوفي الأیدي على ارتفاع منسوب المیاه وهي تحصد الأرواح وتجرف المنازل والجسور والطرق والمواشي والمزارع وممتلکات الناس، ثم بعد ذلك یشکرون الله نفاقاً وکذباً.
من المؤکد أنّ هذا العمیل الهامشي في نظام الملالي المعتاد علی الحیل والنفاق قد أراد تقليد رئيسه الذي شكر الله على رحمته الواسعة التي أحاطت بالناس في الربيع الماضي بعد هطول أمطار غزيرة وحدوث فيضانات شدیدة أسفرت عن مقتل العشرات من الناس وخلّفت دماراً شاسعاً في کل مکان. هذه أیضاً قصة مريرة أخرى عن مصير الشعب الإيراني الذي یتحکّم به مجموعة من اللصوص والمحتالین ممن ینسبون کل شيء إلی رحمة الله بدل أن یتّخذوا التدابیر اللازمة ويعملوا على صيانة وحماية أرواح وأموال الشعب.
في هذا الصدد غرّد مراسل صحيفة “إيران” الحكومية عبر تویتر قائلاً:
«كل المياه التي تتدفق حالياً في دشتیاري (في سیستان وبلوشستان) ليست نتیجةً للأمطار. قسم منها يرجع إلى تحطّم سدّ زیردان في جابهار. على الرغم من التحذير من هطول أمطار غزيرة قبل أسبوعين، إلا أنه لم يتمّ إطلاق مياه السدّ مما زاد من شدة الفيضان».
لو أنّ 10 في المائة فقط من مبلغ 200 ملیون یورو الذي تمّ ضخّه علی عجل في حساب الحرس للإنفاق على شراء الأسلحة والقیام بالقتل والتدمير، تمّ إنفاقه على إصلاح السدود وإعادة بنائها والسيطرة على منسوب المياه لما شهدنا المعاناة الناجمة عن التشرّد والتهجیر والموت البطيء لأحبائنا في محافظة سيستان وبلوشستان وفي أماكن أخرى في إيران بسبب الفيضانات.
الفساد وانخفاض المیزانیة في منظمة الهلال الأحمر
تمّ توقيف “علي أصغر بیوندي” وعدد من مديري الهلال الأحمر واحتجازهم مؤخراً بتهمة الفساد المالي وتعاطي الرشاوي واستیراد أدویة محظورة. اتهام المدیرین بالسرقة باتت مسألة تافهة وبسیطة للغایة في نظام الملالي وجلّ ما یتمّ مناقشته وأخذه بعین الاعتبار هو مبلغ السرقة.
المؤسف في الموضوع هو أنّ الهلال الأحمر یعاني من الفساد والتآکل في حین ینبغي أن یکون أول منظمة تصل إلى المناطق المتضرّرة وتغیث المنکوبین.
في هذا الشأن کتبت صحیفة “فرهیختکان” بتاریخ 13 ینایر الجاري:
«الافتقار إلى الإدارة الصحیحة بات ملموساً بعد فترة طويلة من استقالة علي أصغر بیوندي مدير المجموعة المعتقل بالإضافة إلی اعتقال واستقالة عدد من مديري الهلال الأحمر. إدارة الأزمات والإغاثة المبكّرة والصحیحة هي أقلّ ما یمکن توقّعه في الظروف الراهنة حیث یقع قسم کبیر من هذه التوقّعات علی عاتق منظمة الهلال الأحمر».
إن ميزانية منظمة الهلال الأحمر ومع الأخذ بعين الاعتبار أنّ إيران بلد تحدث فيه العديد من الكوارث الطبيعية وتحتاج إلى منظمة قویة وواسعة النطاق لتقدیم الخدمات مثل الهلال الأحمر، لم تشهد نمواً من العام 2017 حتی عام 2019 فحسب بل إنها شهدت انخفاضاً حاداً. لکن مع هذا الانخفاض في الميزانية لم یمتنع مسؤولي الهلال الأحمر عن السرقة والفساد داخل المنظمة.
البناء غیر مستقیم من الأساس
عندما نقوم بمقارنة الميزانیة المخصصة لمؤسسات الإغاثة مثل الهلال الأحمر بمیزانیات مؤسسات غير مجدیة وغیر خدمية مثل مجلس سياسة أئمة الجمعة أو المکتب الترویجي للحوزة العلمیة بمدینة قم، ینكشف أمامنا بعداً آخر من الكارثة.
إلقاء نظرة سريعة على ميزانية بعض المؤسسات غیر الخدمية والتي لا تنتج غیر المعممین الطفیلیین ولا تقوم إلا بمضاعفة أعدادهم، یكشف لنا أنّ سبب لجوء البلوشيین صغاراً وکباراً إلى أعلی أشجار النخيل والاحتماء بها من الأمطار والسیول، یرجع إلی إنفاق 200 ملیون تومان من عائدات الضرائب والثروة العامة علی جامعة “المصطفی” لغرض إعداد المعممین وتصدیرهم إلی مختلف البلدان، بالإضافة إلی إنفاق الملایین علی المومیاوات (المعممین) التي لا تقدّم ولا تؤخّر شیئا أبداً.
جدول مقارنة میزانیة عام 2019 لمنظمة إدارة الأزمات بالمیزانیات المخصصة لمؤسسات هامشیة وثقافیة تابعة للملالي.
هذه المؤسسات الدينية التابعة لبیت خامنئي لا تتبع أي هدف آخر سوی ترسيخ مكانة خامنئي في المجتمع باعتباره ولی فقیه النظام. من المثير للاهتمام أنّ حجم میزانیة هذه المؤسسات الدینیة المزعومة والتابعة کلیاً لبیت خامنئي العنکبوتي لم تنخفض بتاتاً بل زادت على الرغم من التدهور المستمر الذي یشهده الاقتصاد الإيراني على مر السنين.
بلد یدیره المسؤولون الکذابون والمختصون المحتالون
بينما يکافح سكان بلوشستان المنكوبة بالفيضانات من أجل البقاء علی قید الحیاة في جنوب البلاد، یتمّ إسقاط طائرة مدنیة وحصد أرواح العشرات في بقعة أخری من البلاد. كل هذه الكوارث تقوم على سلسلة أكاذيب وخداع وفساد ونهب النظام الديكتاتوري الکهنوتي.
أثناء تحطّم الطائرة المدنیة الأوكرانية بصاروخ الحرس ، أخفی خامنئي الحقیقة لمدة 72 ساعة بأمل نزول “إغاثات غیبیة” تفرج الکربة عنه، لكن وجود ضحایا أجانب کانوا على متن الطائرة، وبمطالبة المعنیين في بلدانهم بالإضافة إلی تقدیم مجموعة من المعلومات والوثائق الدولية الدقیقة، أجبر النظام على التراجع عن موقفه والاعتراف بالجریمة.
سعی کل من خامنئي وروحاني وظریف إلی التستّر علی الجریمة وحلحلة الموضوع اعتماداً علی أسالیبهم المعتادة في نسج الأكاذيب والحیل. لکن الریاح لم تجري وفقاً لما یشتهون ومنیت محاولاتهم البائسة بفشل ذریع وسطعت شمس الحقیقة کاشفةً عن زیف ألاعیبهم الخبیثة، مما مهّد الطريق أمام الشعب الإیراني لبدء مرحلة جدیدة من الاحتجاجات والتدفّق إلی الشوارع.
خرج الطلاب والشعب الإیراني إلی الشوارع في 11 ینایر الجاري لإحیاء ذکری ضحایا الطائرة واحتجاجاً علی وقاحة خامنئي وإمعانه في خداع الشعب والتستّر علی الحقیقة مطالبین باستقالته تحت شعار «كذاب، كذاب» الذي هزّ أرکان النظام بالکامل.
في المجتمع الإیراني القابع تحت نیر احتلال الملالي وبما أنّ القضايا الأساسیة والمصالح الوطنية لا مكان لها في قاموس الملالي، لم یتمّ تدشین نظام الطوارئ الوطني المتعلّق بحدوث الکوارث الطبیعیة والمستعمل في جمیع البلدان کخدمة ضروریة. بحیث أنّ حجم الخسائر ومعاناة المنکوبین جراء الفیضانات التي بدأت منذ بدایة العام الماضي کانت ستزداد بشکل أکبر لو لا مساعدات المواطنین أو ما تسمی بالمجالس الشعبية.
هذا ما دفع السیدة مريم رجوي الرئيسة المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية NCRI إلی دعوة الناس والشباب الغیاری في جنوب البلاد إلی تقدیم المساعدات للمناطق المنکوبة علی هامش الفیضانات الأخیرة التي ضربت المحافظات الجنوبیة في إیران، معربةً عن تعاطفها الشديد مع المواطنين المنکوبین في کل من محافظات سيستان وبلوشستان وهرمزکان وكرمان.