إبادة النخبة جزء لا یتجزّأ من طبیعة حكم خامنئي
إبادة النخبة جزء لا یتجزّأ من طبیعة حكم خامنئي – مع اعتقال اثنين من الطلاب المتفوّقین في البلاد، أعاد السؤال التالي طرح نفسه من جدید: ما سبب اعتقال النخبویین؟ ولماذا تقوم حكومة الملالي باعتقال وسجن الطالبین الشابین مما يعیق نشاطهم العلمي ویدمّر مستقبلهم؟
بالنظر إلى نهج نظام الملالي طیلة 41 عاماً، يتّضح أنّ قتل النخبة وخیرة شباب البلاد ليس أمراً طارئاً علی حكومة ولاية الفقيه التي اعتادت القیام بذلك منذ أمد بعید.
في الواقع، تنشأ ظاهرة مغادرة النخبة لبلادهم أو ما یعرف بـ “هجرة الأدمغة”، في البلدان ذات السیادة وأساليب الإدارة الديكتاتورية. في هذا الصدد، تحتل إیران المرکز الأول عالمیاً علی صعید هجرة الأدمغة في ظل دیکتاتوریة الملالي. لكن ما یؤلم أکثر هو قتل أولئك النخبة الموهوبين والقضاء علی الموارد البشریة المتفوقة في إیران لدرجة أنه بات أمراً شائعاً في البلاد تحت نیر حکم الملالي الطغاة.
وفقاً لإحصائیة مجلس شوری النظام في عام 2010، تمّ درج 60.000 إيراني غادروا البلاد في ذلك العام ضمن قائمة هجرة النخبة. إذا كان هذا العدد من المتعلمين قد غادر إيران في عام واحد فقط، فكم عدد المتعلمين الذين غادروا إيران في السنوات الـ 41 الماضية من حکم الملالي؟
في تقريره لعام 2009، أکّد صندوق النقد الدولي إنّ إيران تحتل المرتبة الأولى بين 91 دولة نامية أو متخلفة من حيث هجرة النخبة. ويأتي التقرير في الوقت الذي ینفى فيه المسؤولون الحكوميون في إیران ظاهرة هجرة الأدمغة من أساسها، معتبرین أولئك النخبة المهاجرین مناهضين للثورة وأن وجودهم في البلاد یتعارض مع مصالح الشعب و”النظام المقدس”.
وبحسب بیان أمانة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الصادر بتاريخ 5 مایو 2020 «اضطر قضاء الملالي لتأکید اعتقال طالبین متفوقین من جامعة شريف للتكنولوجيا بعد مضي 26 يوماً. وکان قد اختفى أمير حسين مرادي في العاشر من أبريل، وأخذوا علي یونسي في مساء ذلك الیوم إلی بیته وهو مصاب بجروح وتعرّض للتعذیب، وبعد ساعات أخذوا والدیه معهم ومارسوا ضغوطاً علیهما باستجوابهما. في وقت لاحق، احتج طلاب جامعة شريف للتكنولوجيا وطالبوا بمعرفة حالة صدیقیهم ومصیرهما.
علي یونسي حاصل علی الميدالية الذهبية في أولمبياد الفلك العالمي الثاني عشر الذي أقیم في الصين عام 2018، وقبل ذلك، فاز بميداليتين فضية وذهبية في أولمبياد الفلك الوطني في 2016 و2017. كما فاز أمير حسين بالميدالية الفضية الأولمبية في عام 2017.
وأقرّ السفاح غلام حسين إسماعيلي، المتحدث باسم قضاء الملالي، یوم الثلاثاء 5 مايو 2020، باعتقال أمير حسين مرادي وعلي يونسي. وقال إنهما کانا على ارتباط بمجاهدی خلق مبرراً تصرفات النظام الوحشية وغير القانونية. ولغرض تضخیم ملفاتهما أضاف هذا الجلاد “إنهما قاما بأعمال إیذائیة” و”کانا ینویان القیام بأعمال تخریبیة”، و”تمّ العثور علی مواد متفجرة تستخدم في عمليات التخريب خلال تفتيش منازلهما”».
وفي أغسطس 2019، قال نائب وزير التعليم، باقر لاريجاني، الذي ترأس الأولمبياد العلمي الحادي عشر لطلاب الطب في البلاد، إنّ «إيران تحتل المرتبة الثانية في هجرة الأدمغة علی مستوی العالم، حیث يهاجر من البلاد ما بين 150 إلى 180 ألفاً من المتخصصين المتعلمين سنوياً».
في الواقع، بدأت ظاهرة هجرة الأدمغة في إيران مع بدایة حکم الملالي. إذ کان خميني یشدّد على أنّ العقيدة الدينية أهمّ من التعلّم والتخصص. وقال في أغسطس 1979:
«الخطأ الذي ارتكبناه هو أننا لم نتصرّف ثوریاً وأمهلنا هذه الشرائح الفاسدة. لو كنا قد تصرّفنا ثورياً منذ البداية عندما هزمنا النظام الفاسد ودمرنا هذا السد الفاسد، وكسرنا أقلام كافة الصحافة المرتزقة وأغلقنا جميع المجلات والصحافة الفاسدة وقدمنا رؤساءها للمحاكمة وحظرنا الأحزاب الفاسدة وعاقبنا قادتها ووضعنا حبل المشنقة في الساحات الكبيرة وحصدنا الفاسدين والمفسدين، لما حصلت هذه المشاکل. لو كنا ثوريين لما سمحنا لهولاء بالتعبير عن أنفسهم، ولحظرنا جميع الأحزاب، لحظرنا جميع الجبهات ولشكّلنا حزباً واحداً هو حزب الله، حزب المضطهدين».
لم یقل خميني هذه الکلمات عبثاً، فقد واصل أقواله في رسالته بمناسبة تشكيل مجلس الخبراء جاء فیها:
«نحن نواصل طريقتنا الخاصة ولا نخشى أي شيء. لسنا خائفين من أن یطلق علينا تسمیة الدیكتاتور ومعارض الحرية. أيتها الجذور الفاسدة، عليك أن تغادري الساحة. نحن سندفنك. یجب قمع کل من يريد إفساد بلادنا وتدمیرها باسم الديمقراطية والديمقراطي، شعبنا سیقوم بقمعهم جمیعاً».
تصریحات خميني هذه کانت ولا تزال أساساً لتصرفات الملالي الحاکمین وطریقة عملهم على مدار الـ 41 سنة الماضية. منذ البداية، أعلن نظام ولایة الفقیه القروسطائي الحامل للأفكار الرجعية الکهنوتیة، الحرب ضد المثقفین والمتعلمین، وقام بقمع خیرة شباب البلاد ممن مثلوا أنفسهم في إطار الأحزاب السياسية. وقتل النخب السياسية في البلاد أو أجبرها على الفرار والمغادرة.
ولم یقف عند هذا الحد، بل طارد کل من یشکّل خطراً بالنسبة إلیه خارج البلاد، وشنّ سلسلة من الاغتيالات في الخارج. أما في الداخل، فقد نفّذ سلسلة من عمليات القتل والذبح في حق النخب السياسية والثقافية والأدبية والفنية.
وإذا نظرنا إلى هذه المسألة من وجهة نظر مادية، فإنّ تكلفة تعليم كل شخص من المرحلة الابتدائية إلى مرحلة الدكتوراه، تستنزف حوالي 11 مليار تومان من الشعب الإيراني وفقاً لأمير واعظي آشتياني، الخبير الاقتصادي في البلاد.
إنّ استثمار أوروبا والولايات المتحدة والمراكز العلمية مثل وكالة ناسا للخبراء والمتفوّقین الإيرانيين، هي بلا شك نتيجة لنظام مستبد وديكتاتورية لاإنسانية أجبرت الشباب والعلماء الإيرانيين على مغادرة البلاد هرباً من الموت المحتّم علی ید الجلاد خامئني وجلاوزته، لأنّ قتل النخبة وإبادتهم هو جزء لا یتجزّأ من طبیعة حكم خامنئي.
