فك رموز النقاط الواضحة والغامضة في خطاب خامنئي قضية ملحّة ومقلقة
حسين داعي الإسلام
عضو المجلس الوطني للمقاومة الايرانية
فك رموز النقاط الواضحة والغامضة في خطاب خامنئي قضية ملحّة ومقلقة – في لقائه مع عدد من عناصر الباسيج أو “ممثلي الاتحادات الطلابية” کما تسمیهم الدعاية الحکومیة، لم يخفِ خامنئي مخاوفه الشدیدة إزاء قضیة ملحّة ومقلقة باتت تربکه وتربك نظامه بشدة، ألا وهي إقبال الشباب والطلاب الإيرانيین المتزايد علی مجاهدي خلق.
وباکتساب هذا الإقبال بعداً منظماً ومنسجماً في إطار معاقل الانتفاضة وتحوّله إلی خطر یهدّد الفاشیة الدینیة بالسقوط الحتمي، تفاقمت مخاوف خامنئي ونظامه أکثر من أي وقت مضی.
جيل الثورة المعادية للملكية ونضاله ضد دیكتاتوريتين
يعزو خامنئي، بکثیر من الدجل الذي ورثه عن إمامه الهالك، إقبال الشباب على منظمة مجاهدي خلق الإيرانية إلى الافتقار إلى “أسس معرفية قوية”.
ما قصده خامنئي من عبارة “أسس معرفية قوية”، هي النظرية الفاشية لولاية الفقيه وإفرازات عقل خميني الرجعي وتعاليم الملالي التی حاولوا جاهدين فرضها علی الشباب الإیراني في تلك الأيام واستقطابهم عن طریقها. لکن علی العکس من ذلك، انجذب الشباب إلی المفهوم الحیوي للإسلام الثوري التقدّمي الذي دعا إلیه المجاهدون.
ذلك الجيل الذي أقبل على مجاهدي خلق، حمل عبء ثورتين على عاتقه ودفع الثمن باهظاً کما تشهد ملاحم التاريخ الإيراني المعاصر. مثل هذا الجيل لا مثيل له في التاريخ الإيراني من حيث الوعي والإخلاص والقدرة المذهلة علی تحمّل مصاعب الثورة، وستکتب عنه أجیال المستقبل یوماً ما بالتفصیل وتخلّد ذکراه في کتب ضخمة.
یحفل سجل هذا الجيل الباسل، ليس فقط بالثورة المناهضة للشاه ولكن أيضاً بالمقاومة الكاملة ضد خميني باعتباره الکارثة الأعظم التي شهدها التاريخ الإيراني المعاصر، وبملاحم خالدة مثل 20 يونيو1981 و 27 سبتمبر1981 و 8 فبراير1982 و2 و9 مايو1982 وعملیات الضیاء الخالد 1988وسلسلة من البطولات المبهرة.
هو جیل صمد علی موقفه المشرّف في الدفاع عن الحرية وعن تطلعات منظمة مجاهدي خلق وقيادتها، وفي سبیل ذلك قدّم 30 ألف شهید خلال المذبحة التي نفّذها خمیني بحق السجناء السياسيين عام 1988.
إذن یحق لخامنئي أن يحمل غلاً وضغينة ضد هذا الجيل الأكثر وعیاً ودرايةً في التاريخ الإيراني المعاصر.
لدغة خامنئي من جيش التحرير الوطني الإيراني
یمکن فهم مدی عمق لدغة خامنئي من الجيل الثوري وحنقه الشدید علیه، من خلال العبارة التي قالها في حقهم وهي “قد انضووا تحت رایة صدام”.
في الحقیقة إنّ هذه العبارة ما هي إلا اعتراف صريح بفعالية جيش التحرير الوطني الإيراني. الجيش الذي نفّذ عملية تحرير مهران، وجعل خمیني الدجال یتجرّع سم وقف إطلاق النار، وألقى بهزة الإطاحة على جسد الفاشیة الدينية عن طریق تنفیذ عملية مهمة وشجاعة توغّل من خلالها في العمق الإیراني حتی قرابة كرمانشاه.
لو لا هذا الجيش ووقوفه حاجزاً -کالجبل الشامخ- بین طغیان الأصولیة وبین الشعب الإيراني، والحیلولة دون انتهاك حرمة الحریة، لما وصلت إيران ولما وصل الإيرانيون إلی هذه النقطة من النضال ضد الطاغیة الیوم، ولطال وامتدّ حکم الملالي الهمجي أکثر من حکم المغول البرابرة.
استطاع هذا الجيش الوطني والشعبي الصمود لعدة سنوات عجاف عاشها في العراق خلال سنوات الحصار القاسي في معسکر أشرف، علی الرغم من أنه جرّد من السلاح وتعرّض لأکثر من مرة لهجمات مسلحة دامیة خلّفت عشرات القتلی والجرحی في صفوفه.
أما الآن فقد دخل جيش التحرير في مرحلة هجومیة لا دفاعیة في شكل معسکر أشرف 3، وأصبحت معاقل الانتفاضة تخلق ملاحم بطولیة جدیدة.
الشباب ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية
إنّ مخاوف ديكتاتورية الملالي من إقبال الشباب علی مجاهدي خلق ليس بالأمر الجدید، ونجد أمثلة عدیدة علی ذلك حتى بين أعضاء العصابة المسحوقة في النظام، منها:
«قلقي اليوم هو من جيل الشباب الذين یشککون إلى حد ما وأحياناً يدبرون عن الثورة بسبب بعض العيوب وأوجه القصور والنهج المضللة التي اتخذناها نحن المسؤولون، فضلاً عن انتشار بعض القراءات التي تتعارض مع الثورة، وهذا خطر جسیم یتوجّب علینا التنبّه إلیه» (محمد رضا عارف، همشهري أونلاين. 31 مارس 2020).
لكن انجذاب الشباب إلی مجاهدي خلق، أصبح الیوم الهاجس والشاغل الرئيسي لخامنئي ونظامه الفاشي البائس. وقد أعرب خامنئي عن مخاوفه من هذ الأمر علی النحو التالي:
«يجب على الجميع الانتباه إلى حقيقة أنهم يعملون أيضاً على شبابنا محاولین استغلال شبابنا، وهم جميعاً يتبعون هذا النهج ويخططون لذلك. ویعملون علی الشباب داخل البلاد عندما یحتاجون إلی بعض العناصر في الداخل».
هذا وقد اعترف صراحة أنّ الخط الأحمر الوحيد بالنسبة لنظامه هو المجاهدون قائلاً:
«وسّعوا جبهة الثورة واستقطبوا أنصاراً لکم. طبعاً لا أقصد استقطاب مجاهدي خلق».
الاعتراف بنجاح استراتيجية مجاهدي خلق
تصريحات خامنئي هي اعتراف من أعلى نقطة في هرم النظام بنجاح استراتيجية ألف أشرف للمجاهدين. وقد بدأت هذه الإستراتيجية بنشاطات معاقل الانتفاضة من داخل المجتمع، والیوم يكشف عنها خامنئي بالتعبیر عن مخاوفه وقلقه المتزاید منها.
عقب خطاب خامنئي، عبّر موقع “ارجانيوز” الحکومي، في مقال نشره یوم الأحد الموافق 17 مایو 2020 بعنوان «مجاهدو خلق وصحوة الخلايا النائمة” عن مخاوف نظام الملالي من شعبیة مجاهدي خلق بطریقة أخری حیث کتب:
«بعد انسحاب مجاهدي خلق من العراق واستقرارهم في قاعدة في ألبانیا، أي بعدما لم یعد لدیهم مخاوف أمنیة علی سلامتهم، رکّزوا کل طاقاتهم ورؤوس أموالهم مرة أخری علی تشکیل خلایا معنیة بتنفیذ العملیات التخریبیة داخل إیران.
خاصة وأنّ مجاهدي خلق شکّلوا علی مدی السنوات الماضیة فرقهم المعنیة بتنفیذ العملیات التخریبیة في شکل خلایا نائمة، وبطبیعة الحال کان عددهم یزداد شیئاً فشیئاً باستقطاب المواطنین.
منذ عامین وحتی الآن نحن نشهد قیام مجاهدي خلق بإیقاظ الآلاف من خلایاهم النائمة، وأطلقوا علیها اسم معاقل الانتفاضة، التي تکلّفها القیادة المرکزیة بالقیام بعملیات تخریبیة».
بعد يوم واحد من خطاب خامنئي وموقف “ارجانيوز”، نشرت وكالة “تسنيم” الحکومیة أيضاً مقالاً بعنوان «من الذي يعنيه المرشد الأعلی للثورة بالمجموعات الانتقائية والسادة النادمین؟»، تحدثت فیه صراحة عن منظمة مجاهدي خلق الإيرانية ولم تترك مجالاً للشك في تفسير تصريحات خامنئي.
قلة الحیلة في نهاية المطاف
تفصیل حلم خامنئي الفاشل في تأسيس حكومة إسلامیة فتیة یرأسها مجرم علی غرار قاسم سلیماني، یحتاج إلی مقال منفصل، ولكن اتّضح لنا حتى الآن أنّ خامنئي وفي ظل عجزه التام عن مواجهة الأزمات المستعصیة وعلی رأسها أزمة کورونا، لا یجد أمامه حلاً غیر الانکماش أکثر وأکثر في المراحل الأخیرة من عمر نظامه الآیل للسقوط.
وقد اعترف بأنّ قوتین رئیستین قد اصطفتا ضد بعضهما البعض كما في الثمانینیات لکن في حلة جدیدة، هما الشعب الإيراني ومجاهدي خلق من جهة، والملالي وحرسهم من جهة أخرى، ویخوضان معرکة حاسمة في الوقت الراهن، ستنتصر فیها جبهة الشعب الإیراني والمقاومة الإیرانیة دون أدنی شك.