النظام الإيراني ومنظمة مجاهدي خلق والواجب القومي والتاريخي (2)
کاتب:حسين داعي الإسلام
النظام الإيراني ومنظمة مجاهدي خلق والواجب القومي والتاريخي (2) – في العدد السابق ذکرنا أنّ الحرب السياسية بين المقاومة الإيرانية ومحورها الرئیسي أي منظمة مجاهدي خلق من جهة، وبین الجمهورية الإسلامية بأکملها مع حلفائها ورعایا مصالحها ولوبیاتها داخل إيران وخارجها من جهة أخرى، حامیة الوطیس وعلی أشدّها أكثر من أي وقت مضى.
كما شرحنا الأمثلة الرئيسية للاتهامات الموجّهة إلی منظمة مجاهدي خلق. وفي الختام سألنا ما هي القضیة الرئیسیة لحكم ولایة الفقیه ضد مجاهدي خلق؟
الغرض من دعاية دامت 30 عاماً: مجاهدي خلق أسوأ من الجمهورية الإسلامية!
النقطة الهامة هي أنه في الثلاثين عاماً الماضية، بذلت الجمهورية الإسلامية الإیرانیة أكبر قدر من الطاقة والنفقة والدعاية لتحويل عقول الأجيال بعد 20 يونيو 1981 على وجه التحديد، عن الحقائق الداخلية والخارجية لمجاهدي خلق، وتصویرهم علی أنهم أسوأ وأقبح من الجمهورية الإسلامية!
يجب اعتبار هذا الخط أو السياسة الهدف الأكثر أهمية لدعاية الجمهورية الإسلامية ضد مجاهدي خلق خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة عقب انتفاضة ینایر 2017 وإثارتها لقضية البدیل، القضیة المهمة التي سنتناولها فيما سیأتي من المقال.
في السنوات الثلاث الماضية وتحدیداً في الأسابيع القليلة الماضية، شهدنا سلسلة من البرامج بثّها تلفزيون الملالي تستهدف مجاهدي خلق بشکل مباشر.
ولم تنحصر الدعاية الشاملة ضد مجاهدي خلق علی داخل إيران فحسب، بل شملت جزءاً من سياسة الاسترضاء الدولية مع الملالي من خلال شيطنة منظمة مجاهدي خلق. ومن الضروري إعادة دراسة التاريخ السياسي لإيران على مدى السنوات الـ 35 الماضية علی حِدة نظراً للنطاق الواسع لهذه الدعاية وضخّها بشکل عمیق متکرّر.
إجابة عامة، نافذة علی أفق جدید
دعونا أولاً نجيب على السؤال الرئيسي للعدد السابق والذي یشکّل العنوان الأساسي لهذا النقاش السياسي والاجتماعي والثقافي والتاريخي المهم: ما هي القضية والمسألة الحقيقية بالضبط؟
یمکننا العثور علی الإجابة العامة من خلال التنقیب والبحث في متاهات ومنعطفات الأربعين سنةً الماضية من تاریخ حكم ولایة الفقیه وجميع الجماعات والعناصر المعارضة له.
بعد اجتیاز المتاهات والمنعطفات والمسارات الملتویة الوعرة المرهقة للسنوات الأربعين الماضية، سنصل إلی لافتة کُتب فیها: «من کنتَ؟ لم تنکسر/ لم تنهار/ بقیت صامداً».
هذه بالطبع، إجابة عامة مستخلصة من عام 1979 إلى عام 2020 وتشكّل استراتيجية الجمهورية الإسلامية ضد منظمة مجاهدي خلق.
لكن الجواب الشامل لا يشمل فقط مثل هذه اللافتة. على الرغم من أنه ومن وجهة نظر حدیثة، فإنّ نضال مجاهدي خلق ضد كامل حكم ولایة الفقیة یُظهر حقيقة أنّ مجاهدي خلق “لم ينكسروا، ولم ينهاروا، وبقوا صامدین”، لكن قد یکون لهذا المجال علامات ونقاط تتطلب أكثر من تلك الإجابة العامة.
إذا كانت الأيديولوجيات والسياسات الناتجة عنها ستؤدي في نهاية المطاف إلى اختيار نوع من المسیر والحياة، فيجب البحث عن الجواب الكامل في نوع ما من الحياة واختيارها.
أولاً، دعونا نلقي نظرة على الصورة العامة للتعریف بخصوم الجمهورية الإسلامية من خلال عدسة دعايتها الخاصة، ثمّ نتتبّع بعد ذلك إجابة السؤال الرئيسي.
نظرة على مصادر التعريف بمجاهدي خلق ومعرفتهم
على الرغم من أننا لا ننوي في هذه المقالات التأریخ، إلا أنه یجب علينا أن ندرك أنّ كل شيء في عالمنا ینبت وینمو وینضج ویثمر وينتج بطريقة ما في سياق التاريخ.
لذلك یجب تذکیر الأجيال الشابة خاصة بعد تاریخ 20 يونيو 1981 وبعد الثورة العقائدية لمجاهدي خلق وعملية الضیاء الخالد في أغسطس 1988، بهذه العبارة الحکیمة القائلة: «یتوجّب علی الأمة التي لا تقرأ التاريخ، أن تكرره».
وقد بذلت الجمهورية الإسلامية قصارى جهدها ودعایتها وإنفاقها على مدار 40 عاماً، لتزویر وتشویه التاريخ الحقيقي لمجاهدي خلق وصلتهم بالمجتمع الإيراني وخاصة الأجيال المتتالية من الشباب، وقلب حقائق ذلك التاریخ وتفریغه من حقیقة الأحداث ومعانیها.
لدرجة أنّ المرجع الرئيسي لمعرفة مجاهدي خلق، کان لسنوات عدیدة هو ما یضخّه الجهاز الدعائي للجمهورية الإسلامية وحلفائها الفكريين والعمليين بشکل هیستیري قبل انتشار شبکات الإنترنت والاتصالات العالمية.
تأکیداً لهذه الحقیقة الساطعة، یکفي أن نذکر مثالاً واضحاً وإن بدا غريباً للوهلة الأولی. ففي أوائل الألفیة، جاء شابّ من إيران إلى مقرّ أشرف في العراق للانضمام إلى مجاهدي خلق وسکان المقرّ. وأوضح سبب مجيئه قائلاً: «في إيران، أدركت أنّ هناك منافقين يقاتلون الملالي. وقد جئت للانضمام إلی المنافقين». سُئل: «المنافقون أم المجاهدون؟» أجاب: «جئت لأكون مع المنافقين!».
من خلال هذا المثال البسیط یتّضح عمق دعاية الجمهورية الإسلامية وأبعادها الواسعة لدرجة أنّ الاسم الأصلي لمنظمة مجاهدي خلق غير معروف وغير مألوف لشابّ انضمّ فعلیاً إليهم!
مجال أبعد، رؤیة للمستقبل
نحن بحاجة إلى العثور على إجابة للسؤال الرئيسي المطروح في سياق أبعد من مجرد المنافسة.
العنوان المباشر لهذا السياق السياسي والتاريخي هو أنه مع اغتصاب خميني للسلطة، وصف مجاهدو خلق “الحرية” علی أنها القضية الإيرانية الرئیسیة، ونظّموا وفعّلوا جمیع أنشطتهم وأعمالهم النظرية والسياسية والترویجية ورؤاهم المستقبلیة حول هذا الخط وهذه السياسة.
وقد اختاروا وأصروا على هذا الخط والسياسة بناءً علی الاحتياجات التاريخية لإيران منذ الثورة الدستوریة فصاعداً. وقوف مجاهدي خلق علی جذور تخلّف إیران وکافة مصائبها، وتنظيمهم للفكر والعمل والقوی من أجل اقتلاع تك الجذور، کانا یعارضان الاعتراف بمبدأ ولاية الفقيه اعتراضاً کلیاً.
وللدهشة أدّی هذا الفكر والخط والعمل لمجاهدي خلق إلى تعزیز مکانتهم بين جيل الشباب المتعطش للحرية وتغلغلهم المتزايد في نفوسهم.
بعد أقلّ من سبعة أو ثمانية أشهر من انتصار الانتفاضة المناهضة للملكية، أصبح مجاهدو خلق منافسي خمیني في التوازن السياسي الإيراني. ومع ذلك، دفعوا ثمناً سیاسیاً واجتماعیاً باهظاً من أجل المداراة السیاسیة مع خمیني وإرضائه لخوض منافسة سلمية وديمقراطية على صعید حرية التعبیر والکتابة والتجمّع.
بعد التذکیر بهذه الإحداثيات، دعونا الآن نرى ما هو أساس الدعاية السامة الحالية للجمهورية الإسلامية ضد مجاهدي خلق.
منذ عام 1979 فصاعداً، قام خميني -بقيادة بهشتي وحزبه الجمهوري الإسلامي- بحشد البلطجیة من أصحاب العصي والهراوات والسکاکین لقتل مجاهدي خلق والمجموعات السياسية الأخرى، بما في ذلك النساء والفتيات. وكانت جماعات البلطجیة تمتاز بأنها لم تكن مسؤولة أمام أي شخص، کما لم تکن أي جهة رسمية أو سلطة حكومية مسؤولة عنها.
استنتاج:
1. لم یخضع مجاهدو خلق لمبدأ ولایة الفقیه ولم یعترفوا به بتاتاً حتی في ذروة قوة خمیني الدينية والسياسية وارتسام صورته في القمر کما ادّعی أنصاره!
2. أدرك خميني أنه لا يملك القدرة التاريخية على تلبیة الحریة باعتبارها ضرورة ملحّة. كما أنه انتقد ولام نفسه في صيف 1979 بأنه کان علیه إقامة حبل المشنقة وقمع الصحافة منذ البداية. لذلك، اعتبر تأکید مجاهدي خلق وإصرارهم على مبدأ الحرية فضلاً عن دعمهم التنظيمي القوي للتقدّم بالنضال من أجل الحرية، التهديد الرئيسي لمستقبله.
لهذا السبب ومنذ عام 1979، رسم خطاً أحمر حول مجاهدي خلق من بين جميع القوى والشخصيات السياسية المناهضة لولاية الفقيه، لتركيز انتباه وفكر ونشاط مؤیدیه على مجاهدي خلق.
عندئذ تحوّلت آلة دعاية خميني إلی استهداف مجاهدي خلق، وأصبح عناصر الحرس قناصي مجاهدي خلق، وبات المدعي العام آنذاك، “لاجوردي”، منجلاً في يد خميني یحصد به سجناء المنظمة.
تذکیر بالدعاية الحالية ضد مجاهدي خلق: في السنوات الأخيرة، رُوّج على نطاق واسع بأنّ مجاهدي خلق يقاتلون الملالي من أجل الحصول على السلطة والزعامة! لكن الواقع التاريخي وقوى العقل والحكمة يشهدون على ما يلي:
ألف- کان من شأن مکانة مجاهدي خلق القتالیة والاجتماعیة والسیاسیة أن تنصّبهم في أعلی المناصب وفوق جمیع الملالي البارزین ومن قدموا مع خمیني من باریس، وبتأیید من خميني نفسه. فأي طلب للسلطة یقف في وجه إمبراطورية ولاية الفقيه ویرفضها منذ بدایة الأمر ویتکبّد أفدح الخسائر والأضرار في سبیل ذلك؟
ب- ما هي تلك السلطة المرجوة التي تقف وراء لائحة الاتهامات ومجالات الأسر والتعذيب والاغتیال والقتل الجماعي والتشرّد والهجرة والاتهام المتواصل غیر المنقطع طیلة 39 سنة؟
ج- وإذا كانت هذه السلطة المرجوة لها فوائد ومزايا لمجاهدي خلق، فلماذا لا يتکبّد مدّعوها مقدار ذرة من تكالیفها وتبعاتها للحصول عليها بسرعة أکبر وبالتالي یخلّصوا أنفسهم والشعب الإیراني من الملالي؟
وقد قال مسعود رجوي ، قائد المقاومة الإیرانیة، مراراً وتكراراً: «أتمنى لو كانت هناك واحدة أو أكثر من القوى والجماعات السياسية الأخرى على استعداد لدفع ثمن الوقوف في وجه خميني حتى لا يتحمّل مجاهدو خلق کل هذا الضغط لوحدهم».
في نهاية هذا الجزء، يجب الإشارة إلى مبدأ مهم من حيث الإجابة على السؤال الرئيسي، یدلّ على خط واستراتيجية متّبعة منذ عام 1979.
ففي نفس العام، عندما واجه خميني الرفض المطلق لولایة الفقیه من قبل مجاهدي خلق وإصرارهم الشدید على حرية الكلام والكتابة والتجمّع، رأى في خط فكر المجاهدين وإرادتهم العملية جرأة تختلف اختلافاً واضحاً عن الآخرین.
ساهمت هذه الجرأة إلی جانب ثبات مجاهدي خلق على مبدأ حکم الشوری والسيادة الشعبية وتأكيدهم المستمر على أولوية الحرية، في زیادة شعبیة المجاهدين بين جيل الشباب والمجتمع الإيراني برمته أسبوعاً تلو الآخر وشهراً بعد شهر محققین جماهیریة باهرة لم یحققها سواهم.
هذا الاختلاف الواضح كان من شأنه أن يتحدى ویصیب مستقبل السلطة المطلقة لخميني ومنظومة الملالي التقليدية باضطرابات فکریة وسیاسیة في حال استمرت أنشطة المجاهدین في المناسبات السلمیة والديمقراطية.
لذلك، وفي ظل هيمنة الولي الفقيه، بدأت الدعاية الدينية ضد مجاهدي خلق لتشويه صورتهم بإطلاق عناوين ضدهم مثل «المنافقین والانتقائيین» منذ عام 1979، لتبدأ بعد ذلك حملة إبادتهم الفعلیة منذ أوائل عام 1980.
السؤال الرئیسي الذي یطرح نفسه هو: هل كانت مشکلة خميني والملالي من بعده هي النظرة الشمولیة للمجاهدين أم قرارهم السياسي في ترسيم الحدود مع ولاية الفقيه وما ينتج عنه من مواقف سياسية؟
هل خميني وورثته متفقون مع جميع الجماعات السياسية في إيران وبلدان العالم بترسيم الرؤية الشمولیة والعقيدة؟
هل الأولویة للمواقف الأيديولوجية أم للمواقف والبرامج السياسية لدی الجماعات السیاسیة مع الدول وكذلك الدول مع بعضها البعض؟
یحتاج هذا السؤال الرئيسي إلى إجابات تکمیلیة أخری.