حكم الملالي.. انتشار للمجازر واستشراء للتطرف – خبير أممي لـ«الرياض»: المذبحة بحق الإيرانيين مستمرة منذ اليوم الأول لولاية الفقيه
أثارت وثائق تاريخية كشفت عنها منظمة العفو الدولية، ضجة كبيرة بشأن المذابح الجماعية التي تقودها السلطات الإيرانية، والتكتم الذي استمر لعقود على عمليات الإعدام الجماعية للمعارضين السياسيين للنظام والتي تم تنفيذها في الفترة بين 10 يوليو و16 أغسطس من العام 1988م، بفتوى من الخميني، مرشد النظام الإيراني آنذاك، ومن خلال لجنة ضمت حينها رئيس السلطة القضائية الحالي إبراهيم رئيسي، ومستشاره الحالي مصطفى بور محمدي (والذي كان يشغل منصب وزير العدل في وقت سابق)، وغلام حسين محسني إيجئي، مساعد رئيس السلطة القضائية، إلى جانب مسؤولين بالأمن والاستخبارات ورؤساء السجون.
رفض الملالي للزيارات الحقوقية يؤكد تورطهم في الانتهاكات المحلية والدولية
الوثائق الجديدة التي نشرتها منظمة العفو الدولية تحت عنوان «أسرار ملطخة بالدماء»، كشفت أن المنظمة كانت قد وجهت رسالة في 16 أغسطس 1988، إلى وزير العدل في حكومة موسوي وسفراء النظام الإيراني في مختلف البلدان، تدعو فيها إلى التحرك الفوري لإنهاء «الموجة الجديدة من الإعدامات السياسية في إيران».
وتشير تقارير حقوقية، إلى إعدام أكثر من 5000 شخص في السجون الإيرانية خلال هذه الفترة، بينما تؤكد المعارضة أن عدد السياسيين الذين تم إعدامهم أكبر بكثير مما هو معلن ويقدر بحوالي 30 ألفاً. وقال المرشد الأعلى للنظام، علي خامنئي، في تصريحات سابقة إن من أعدموا «كانوا يستحقون ذلك».
وحول ذلك قال د. طاهر بومدرا، الرئيس السابق لمكتب حقوق الإنسان التابع لبعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق (UNAMI) والخبير القانوني في حوار خاص لـ»الرياض»، «أنه من المتوقع أن تطرح قضية مذبحة السجناء السياسيين الإيرانيين على الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام خاصة بعدما أكدت الناطقة باسم الخارجية الأميركية، مورغان أورتيغا، أن عملية إبادة المقاومة انطلقت فعلياً في 19 يونيو 1988».
وفيما يلي نص الحوار:
يشغل أحد أعضاء لجنة الموت التي تشكلت في عام 1988 منصب رئيس القضاء في نظام الملالي، في الوقت الذي تزايدت فيه أحكام الإعدام ضد السياسيين.. هل هذا يهدد بمذبحة جديدة؟
في الواقع المذبحة التي أمر بها الخميني ضد المعارضة الإيرانية في 1988 لم تتوقف، بل استمرت بدون انقطاع لأنها الوسيلة الوحيدة للحفاظ على استمرار نظام ولاية الفقيه. ومن أبرز صانعي تلك المذبحة مصطفى بورمحمدي (وزير الداخلية من 2005 إلى 2008، ووزير العدل من 2013 إلى 2017)، وإبراهيم رئيسي الذي يشغل حالياً منصب رئيس مجلس القضاء الإيراني، وعلي رضا أواوي وزير العدل منذ 2017، وآخرون متواجدين على كل مستويات الحكم في إيران. لقد تمكنا من تشخيص أكثر من 70 متهماً، ممن ثبث تورطهم بدون أدنى شك في إصدار الأمر أو تنفيذ هذه المذبحة ونشرنا تقريرين مفصلين في أكثر من 500 صفحة قدمناه لأجهزة الأمم المتحدة المعنية وللسلك الدبلوماسي في جنيف.
وقد تزايدت احتجاجات الشعب الإيراني منذ ديسمبر من العام الماضي، مطالبين بمحاربة الفساد وتحسين معاشهم والتوقف عن إنفاق أموالهم على تصدير الثورة الخمينية. وقد أسفر قمع هذه الاحتجاجات عن إعدام أكثر من 1500 شخص حسب رصد منظمة العفو الدولية ومازال هذا الرقم في تصاعد. وما زاد في إثارة مشاعر الغضب الشعبي هو تواجد مثل هؤلاء في هرم السلطة، رغم كونهم مدرجين في القائمة الأوروبية للمطلوبين في جرائم حقوق الإنسان وجرائم الإرهاب والبعض منهم مطلوب في الولايات المتحدة وكندا التي صنفت منظمة الحرس الثوري الإيرانية في قائمة المنظمات الإرهابية.
لا تزال مجزرة 1988 واحدة من أحلك البقع في التاريخ الحديث، فلماذا لا تزال دون عقاب؟
منذ البداية طالبت المقاومة الإيرانية ومنظمات حقوق الإنسان بمحاسبة مرتكبي هذه الجريمة الكبرى، وكذلك الكشف عن جميع تفاصيل المجزرة بما فيها المقابر الجماعية، كما طالبت بمتابعة ومحامة الجناة مع جبر الضرر الذي ألحق بأسر الضحايا، وهذا حق معترف به دولياً.
إن السبب الرئيسي والسر في إفلات الجناة من العقاب حتى اليوم يعود إلى سياسة المساومة وغض الطرف، التي تمارسها بعض الدول لمصالح تجارية للحصول على نصيبها من السوق الإيرانية، غير أن الوضع بدأ يتغير في الآونة الأخيرة، حيث بدأت هذه الدول تدرك مخاطر التراخي في مواجهة نظام وجوده مرتبط بممارسة الإرهاب وتصديره للدول المجاورة.
متى نرى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة متحدين لمراجعة سجل حقوق الإنسان للنظام الإيراني، للضغط على الحكومة الإيرانية، للكف عن سياستها التي امتدت للخارج ومازالت تنخر في دول عربية؟
الدول المتضررة من السياسة العدوانية لنظام الملالي، متحدة ومصممة على التصدى لها، غير أن البعض الآخر من الدول العظمى لها مصالح استراتيجية إضافة للحرب الباردة الجديدة القائمة بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ومجالس الأمم المتحدة المتخصصة. ورغم هذه التحديات، فقد وقعت تطورات ملحوظة على مستوى الأمانة العامة وهيئات مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إذ بدأت التقارير تصدر عن المقررين المستقلين تطالب بزيارات ميدانية لإيران لرصد انتهاكات حقوق الإنسان في هذا البلد. والموقف العنيد لحكومة الملالي في رفض مثل هذه الزيارات منذ 1989 يدل على مدى تورطهم في ارتكاب المذابح وانتهاكات حقوق شعبهم وشعوب المنطقة كلها. ونتيجة هذه المواقف فقد أصبحت إيران معزولة دولياً، وانهار اقتصادها وقد تفطن الشعب الإيراني بظهور فيروس كورونا أن حكامه ينفقون أموال الدولة على تسليح وكلائهم في لبنان واليمن وسورية والعراق بدل من إنفاقها على الوقاية والعلاج من هذا الوباء، وهذا ما سيعجل من سقوط هذا النظام.
ما مصير النظام الإيراني الذي لا يأبه بأي معاهدات دولية أو اتفاقات، وله سجل طويل من الجرائم على مستوى العالم لاسيما ملف تمويل الإرهاب؟
لقد حول الملالي في إيران دولتهم إلى دولة مارقة؛ لا تحترم قوانينها الداخلية ولا العهود الدولية، أي دولة تلجأ إلى المراوغة وسياسة التستر تفقد المصداقية مع شعبها ومع المجتمع الدولي، ومصير هذا النظام يرسمه الشعب الإيراني وتضحيات المقاومة التي تمكنت من تحريك وحدات مقاومة داخل الأراضي الإيرانية.
ولكن الشعب الإيراني بحاجة إلى الدعم والمؤازرة من المجتمع الدولي حتى يتمكن من تحريك الآلة القضائية الدولية ضد مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية. فمنذ 2016 أعلنت مريم رجوي، رئيسة مجلس المقاومة الايرانية، برنامجاً للتحضير لمتابعة وتقصي حركات المتهمين بارتكاب مجازر 1988 والجرائم المستمرة، من إعدامات نتيجة محاكمات جائرة وتعذيب للسجناء السياسيين وهتك الأعراض في السجون وغيرها من المعاملات المشينة.
هل تتوقع أن يبقى النظام في السلطة أكثر من ذلك؟
الواقع أن النظام الإيراني أصبح على حافة الهاوية، إذ بدأت الانشقاقات تبرز على مستوى الحكومة والبرلمان وأصبح الحكام يتصارعون مع بعضهم البعض ويوجِّهون تهم الفساد لبعضهم البعض على الملأ، في الوقت الذي زاد الشعب تضامناً مع المقاومة وزاد تحدياً لحكامه