هروب العقول والخبراء من إيران دور الحديث لسنوات عديدة عن هروب العقول والخبراء من إيران، غير أن سياسة الحكومة الإيرانية لم تكن حائلًا دون حدوث هذه الظاهرة على الإطلاق.
فعندما تعرّض خميني في شهر نوفمبر 1979 لانتقادات واحتجاجات بسبب هروب العقول والخبراء من إيران، أعلن أن مجاهدي خلق هم من يتحدثون باستمرار عن هروب العقول. فعندما يهاجر خريجي الجامعات الذين يتنفسون جميعًا من العلم والحضارة، دعهم يذهبون حيث يشاءوا، إلخ. وهذا مجرد مثال عن حديث ونهج خميني، ولكنه لم يكن الفقيه الأصلي في نظام الملالي.
وبعد عام، وبالتحديد في شهر ديسمبر 1980، أكد خميني على سياسة لامبالاة نظام حكم ولاية الفقيه بهروب العقول والخبراء من إيران، مشيرًا إلى أن السبب الرئيسي في جميع الكوارث التي حلت بالبشرية حتى الآن ينبع من الجامعات. كما أنه أكد في إفادته على أن الجزء الأكبر مما تعرضت له إيران والإسلام من ضربات قاتلة في النصف قرن الأخير كان من الجامعات، إلخ.
فهل يمكن لأي شخص أن يتنبأ بالمستقبل؟
وربما لم يكن آنذاك بوسع سوى قلة ممن تنبأوا بنتيجة أفكار ولاية الفقيه الرثة والقديمة بالنسبة لدولة مثل إيران في المستقبل.
ولكن لم يعد هناك حاجة الآن للتوقع والخبرة الخاصة لإدراك عمق الكارثة التي تسببت فيها ولاية الفقيه في إيران، فالحقيقة واضحة كالشمس أمام أعين كل إيراني. والجدير بالذكر أن إيران تحتل المركز الأول على مستوى العالم من حيث هروب العقول، وأن حوالي 25 في المائة من المتعلمين الإيرانيين يعيشون في البلدان المتقدمة.
تقرير صندوق النقد الدولي
كان صندوق النقد الدولي قد أعلن في تقريره في وقت سابق أن إيران تحتل المركز الأول من حيث هجرة النخب من إجمالي 91 دولة نامية أو متخلفة حول العالم.
والجدير بالذكر أن صندوق النقد الدولي كان قد أشار إلى أن البطالة وانخفاض مستوى دخل الأساتذة والنخب، وأوجه القصور المالي والإداري، ونقص الإمكانيات التميزية – العلمية، وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي من أسباب هجرة الإيرانيين.
اعتراف وسائل الإعلام الحكومية
يفيد تقرير إحدى وسائل الإعلام في الحكومة الإيرانية أن حوالي 70 في المائة ممن حصلوا على المراكز العليا في الامتحان العام للالتحاق بالجامعات ومسابقات الأولمبياد ومنافسات الحصول على الميداليات العلمية سوف يغادرون البلاد، حسبما تشير إحصاءات مجلس شورى الملالي ووزارة التربية والتعليم.
كما اعترفت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية بأن الوضع السائد في البلاد حاليًا أسفر عن التحاق 90 طالبًا في الأولمبياد الإيراني من بين كل 125 طالبًا بالجامعات الأمريكية لمواصلة التعليم، وأن 30 طالبًا فقط من بين كل 96 طالبًا ممن يسافرون خارج البلاد، أي أقل من 30 في المائة منهم، يعودون إلى إيران.
كما أنه من المهم أن نعرف أن الإيرانيين يشكلون الأقلية المهاجرة الأكثر تعليمًا في المجتمع الأمريكي، حسبما تشير الإحصاءات المنشورة في الصحف الأمريكية، حيث يعيش في أمريكا 250,000 مهندسًا وعالمًا فيزيائيًا إيرانيًا، وأكثر من 170,000 إيراني من حملة الشهادات الأكاديمية العليا.
موقع “اقتصاد آنلاين”
كتب موقع “اقتصاد آنلاين” في يناير 2018 : ” أن90 في المائة من الخريجين الإيرانيين لا يعودون من أمريكا إلى إيران، وأن 75 في المائة ممن تخرجوا من إيران لديهم وظائف دائمة ورسمية، بيد أنهم هاجروا من إيران”.
ومن ناحية أخرى، في حين أن إحصاءات الجامعات الكندية منذ عام 2012 فصاعدا تفيد بأن هناك قفزة في التحاق الطلاب الإيرانيين المتزايد بهذه الجامعات تصل إلى 240 في المائة مقارنة بعام 1985، نجد أن وسائل الإعلام الاسترالية تتحدث في الوقت نفسه عن زيادة عدد الطلاب الإيرانيين في السنوات القليلة الماضية بمقدار 5 أضعاف.
والجدير بالذكر أن سياسات الحكومة الإيرانية شكلت ضغطًا شديدًا في هذا الصدد على النخب والخبراء الإيرانيين لدرجة أن هذه النخب تفضل العيش في بوركينا فاسو عن البقاء في إيران في ظل حكم ولاية الفقيه. وكتبت صحيفة “رسالت” في 23 أبريل 2019: ” إن النخب الإيرانية المهاجرة هاجروا حتى إلى بوركينا فاسو”.
وفي حين أن هذا الإحصاء يشير إلى أن عدد سكان إيران قد تضاعف بمقدار مرتين مقارنة بعام 1978، أي بعد تولي حكومة ولاية الفقيه السلطة، إلا أن عدد المهاجرين الإيرانيين وصل إلى ما يقرب من 7,000,000 شخصًا، أي ما يعادل 140 ضعفًا.
التكاليف الفلكية المفروضة
إن هروب العقول والخبراء من إيران يحمّل البلاد تكاليف فلكية، فبموجب الإحصاء الذي أعلنته وسائل الإعلام الحكومية في إيران نجد أن ما يتراوح بين 150,000 إلى 180,000 من المتعلمين يغادرون إيران سنويًا أملًا في البحث عن حياة أفضل وإيجاد فرص عمل أفضل.
ويعني هذا الرقم أن ما يتراوح بين 400 إلى 500 فردًا من النخبة يغادرون إيران يوميًا، وأن هذه الهجرة تكبد الحكومة الإيرانية خسائر سنوية تقدر بـ 150 مليار دولار. وأعلن وزير العلوم والتكنولوجيا آنذاك، رضا فرجي دانا في يوليو 2017 أن: “إعداد الفرد الواحد من النخبة يكلفنا مليون دولار، وبهذا فإننا نساعد البلدان الأخرى بمبلغ قدره 150 مليار دولار سنويًا جراء هجرة 150,000 فردًا من أصحاب العقول من البلاد سنويًا”.
بيد أن هذه ليست التكلفة المباشرة الوحيدة التي يتم إنفاقها على إعداد هؤلاء المتعلمين والخبراء، فإذا أخذنا في الاعتبار التكاليف غير المباشرة لهروب العقول والخبراء من إيران، فإن رقم الخسارة من هذا المنظور سيكون فلكيًا.
وفيما يتعلق بهذا الرقم، قال أحمد خرم، رئيس هيئة المنظومة الهندسية للإعمار بمحافظة طهران في 21 يونيو 2018، في مقابلة مع وكالة “إيسنا” للأنباء : ” يُهدر سنويًا مبلغ قدره 150 مليار دولار جراء هروب العقول من البلاد”.
الأرقام المنطقية
إن الأرقام المنطقية التي أعلن عنها مسؤولو نظام الملالي تجعل المستشهد المطلع ليس في حاجة إلى البحث. حيث أن تغيير الوضع الذي يبدو أنه مرهون بتغيير الحكومة، هو الواجب الوحيد للعنصر المسؤول الواعي في المجتمع الإيراني الحالي لإنهاء هذا الوضع المتردي.