خلفیات وكواليس شعار فتح القدس عبر كربلاء؛ الرواية غير الحكومية للحرب الإيرانية العراقية- تعتبر الحرب العراقية الإيرانية أطول حرب في التاريخ المعاصر من بين كل الحروب التي دارت في العالم بين الدول المتنازعة، وهي الحرب الأكثر دموية وتكلفة في التاريخ المعاصر دون احتساب الحربين العالميتين الأولی والثانیة.
السؤال هو لماذا استغرقت هذه الحرب وقتاً طویلاً امتد إلی ثماني سنوات؟ ألم يكن من الممكن إنهاء الحرب قبل ذلك الوقت؟
تحاول هذه السلسلة من المقالات الإجابة على السؤال أعلاه، لكن ليس وفقاً لروایة المنفذين الحكومیین للحرب في النظام الحاكم.
منذ أربعين عاماً والدعاية الحكومية تصف الحرب العراقیة الإیرانیة علی أنها “دفاع مقدس“، ليس بسبب الدفاع عن الوطن، ولكن بسبب الدفاع عما سماه خميني بالإسلام!
الیوم لم یعد خافیاً علی أحد بأن خميني عندما کان یتحدث عن الإسلام فإنه كان يقصد بالتحدید نظام ولاية الفقيه، الذي لا یمت للإسلام بصلة، بل إنه یعارضه کلیاً.
ولكن هل من قبيل المصادفة أن خميني لم يذكر كلمة واحدة عن “الوطن” و”إيران”؟
رأي خميني في الوطن
يقول خميني في كتابه “كشف الأسرار” الذي کتبه في عام 1944: «هذه الأسوار التي أقيمت حول العالم وأطلق عليها اسم بلد ووطن، إنما أوجدتها عقول البشر المحدودة! العالم هو وطن جمیع الجماعات البشریة».
بمثل هذا التصريح يتضح تماماً أن خميني لا یقبل ولا يعترف بالحدود الجغرافية الفاصلة بین الدول.
لكن لماذا نعت خميني الحرب بـ “المقدسة”؟ الجواب هو أن خمیني استخدم هذه التسمية دون غیرها حتی لا يجرؤ أحد على معارضة الحرب، وإذا تجرأ أحد على فعل ذلك، فسيتم وصفه بأنه “عميل أجنبي” و”معاد للدين” و”الطابور الخامس للعدو”، مما یوجب القبض عليه وإعدامه. تحت ظل تسمیة “الحرب المقدسة”، تمکن خمیني من قتل خصومه ومنتقديه.
أي دولة بدأت الحرب؟
من بدأ الحرب ومن مهد لها بغض النظر عن کیفیة بدایتها؟ لماذا لم تنته الحرب في السنة الأولى واستمرت لسبع سنوات أخرى في حین کان من الممکن أن تنتهي -إن لم يكن في الأيام الأولى علی اندلاعها- في يونيو 1982، عندما أعلن العراق انسحابه إلى ما وراء الحدود الدولية وفعل ذلك بالفعل؟
عقب انسحاب العراق من الحدود الإيرانیة في يونيو 1982، دخل خميني الأراضي العراقية هذه المرة. وقد نقل محسن رضائي قائد قوات الحرس آنذاك عن خميني قوله: «يجب أن تستمر الحرب حتى سقوط صدام». کما نقل الحرسي باقري عن خميني قوله: «استمروا في الحرب حتى إزالة الفتنة من العالم».
بالتزامن مع تحرير مدینة خرمشهر، ومع الأزمة الفلسطينية في بيروت، طلبت الحكومة العراقية آنذاك وقف إطلاق النار، بل وأعلنت عن استعدادها لدفع تعويضات الحرب. وضع هذا الاقتراح خميني تحت ضغط سياسي كبير وأمام مفترق طرق. لأنه إذا لم یقبل وقف إطلاق النار ودخل الأراضي العراقیة وغض الطرف عن حصار الفلسطينین في بيروت، فإن مخططاته واستثماراته علی مرّ السنین لركوب موجة الدفاع عن “القدس” وقيادة العالم الإسلامي ستتبدد وتذهب مهب الریح.
وفي حال وافق علی وقف إطلاق النار، فلن يعود بإمكانه قمع مطالب الناس داخل إیران بحجة “الحرب المقدسة”، وسيتعين عليه انتظار الانتفاضات المتتالية للشعب. والمعروف في ذلك الوقت أن المطلب الأعلى للشعب کان یتمثل في حرية ممارسة النشاط السياسي والقضاء علی عصابات القمع وأصحاب العصي والهراوات في جميع أنحاء البلاد. إذ تعرضت الأحزاب السياسية في البلاد لضغط وقمع شدیدین، كما تعرضت الحرية المكتسبة نتيجة الثورة المناهضة للشاه للتهديد من قبل الحكم المتخلف للملالي.
ما الحيلة التي استخدمها خميني للخروج من هذا الضغط؟
بدایة أرسل خميني قوة صغيرة بقيادة أحمد متوسلیان إلى سوريا لإسكات بعض عناصر الحرس المطالبة بإنهاء الحرب مع العراق والذهاب إلى لبنان، لكن معظمهم عادوا إلى إيران بعد أسبوع.
وفیما یتعلق باقتراح الحکومة العراقیة لوقف إطلاق النار، لجأ خمیني إلی حیلة تتمثل في إثارة قضية عملية مشتركة على الأراضي العراقية لإرسال قوات إلى لبنان تحت شعار “فتح القدس عبر كربلاء”. بمعنى آخر، بهذه الحيلة، لم يرسل خميني أیة قوة لمساعدة الفلسطينيين، کما أنه لم یقبل وقف إطلاق النار.
بهذه الحيلة، حيد خمیني الضغط النفسي الناتج عن الحملات الإسرائيلية المتتالیة على الفلسطينيين، وواصل الحرب مع العراق لأكثر من 6 سنوات أخری. وفقاً للإحصاءات الرسمية، ترتبط معظم الخسائر والأضرار التي لحقت البلاد جراء الحرب بهذه الفترة.