الإطاحة بنظام الملالي بانتفاضة أخرى
نظرة عامة على المشهد السياسي والاجتماعي الحالي في إيران والتطلعات المستقبلية
قسم الثاني
وضع مقاومة الشعب الإيراني
على الرغم من أن نظام الملالي لم يكتف بقتل الآلاف من الشباب الثوار في ساحة انتفاضة نوفمبر 2019، وارتأى الاستمرار في تعذيب وإعدام معتقلي الانتفاضة وإعدام السجناء هو الحل لخلق جو من الفزع والترويع في المجتمع والحيلولة دون قيام الشعب والمقاومة الإيرانية بتصعيد الانتفاضة إلى مستويات أخرى، بيد أن إجراءاته ضد استعدادات معاقل الانتفاضة في المجتمع الإيراني المشتاط غيظًا لإسقاط نظام الملالي الديكتاتوري تافهة للغاية وهشة، وما يفتح الطريق مقدمًا هو معاقل الانتفاضة ونشاطهم اليومي الدؤوب المبشر بالأمل ضد نظام الملالي؛ والتي تعتبر في الوقت نفسه الدليل المادي والأكثر وضوحًا على الحالة الثورية في المجتمع. مجتمعٌ يُصعِّد فيه إعدام أبطال المجد والاعتزاز بالنفس من أمثال نويد أفكاري ومصطفى صالحي الاحتجاج والمقاومة الشعبية ويرفع الروح القتالية والثورية بين الشباب الإيراني عاليًا إلى عنان السماء، خلافًا لما يتوقع نظام الملالي.
علامات المرتقى الأخير لانتفاضة الشعب
يفكر الشباب الإيراني الآن في توفير السلاح للمضي قدمًا في مهمة الإطاحة بنظام الملالي، وهذا الأمر بث الرعب في قلوب قوات أمن النظام الفاشي. ونشرت الصحف الحكومية خلال الشهر الأخير أخبارًا متوالية عن مصادرة أسلحة في الأهواز وهمدان واصفهان ولرستان وإيلام وفارس وكرج.
وتفيد الإحصاءات المنشورة في وسائل الإعلام الحكومية أن عدد قوات الشرطة يقترب من 250,000 فرد، وأن قائد هذه القوات يطالب بزيادة هذا العدد ليصل إلى نصف مليون فرد. كما يسعى المساعد الأمني لمحافظ طهران إلى زيادة عدد مراكز الشرطة في العاصمة من 86 إلى 200 قسمًا.
هذا وأمر نظام الملالي قواته القمعية بالاستمرار في إطلاق صفارات الإنذار واحدة تلو الأخرى لترويع أبناء الوطن. وبالتزامن مع هذه الجهود اليائسة، أعلن قائد قوات حرس نظام الملالي عن خطة النظام لتفتيش منازل المواطنين منزلًا منزلا بحجة التعرف على المرضى. كما أعلنت السلطة القضائية عن أن أحياء طهران أصبحت غير آمنة وتشكل خطرًا كبيرًا على نظام الملالي. ونتيجة لذلك، تم إنشاء مقر عسكري في طهران للتصدي للشباب، ومقرًا آخر تحت غطاء السيطرة على الأسعار. وتشير هذه الإجراءات وما شابهها إلى أن نظام الملالي لا مخرج له من مأزق الإطاحة.
رؤيتان حول مستقبل إيران
الأمر المذهل في رؤية الملالي تجاه بقاء نظامهم هو أنهم يعقدون الأمل على بعض التطورات مثل الانتخابات الأمريكية. فهم ينتظرون بفارغ الصبر تغييرًا في السياسة الأمريكية ويسعون إلى استغلال الفرصة. غير أنهم لا يدركون أنه من باب المستحيل أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه في الماضي.
لأن الأشخاص الذين تعهدوا بتغيير مجتمعهم قد وصلوا إلى نقطة اللاعودة وهي نقطة الحث على ضرورة التغيير، ويرددون هتاف “واحسرتاه على يومٍ نحمل فيه السلاح ضد بعضنا البعض”. وهذ هو الحل الأخير في الصراع بين الشعب والديكتاتور. فسجل هذا النظام الفاشي أسود وحافل بحالات النهب والسلب والقتل والخرافات والخداع لدرجة أن أبناء الوطن لم يعد لديهم القدرة على تحمل هذا الجبروت.
بيد أننا يمكننا أن ندرك الرؤية الأخرى في رسالة زعيم المقاومة الإيرانية السيد مسعود رجوي، حيث قال: “إن جميع تقديرات واستثمارات خامنئي وروحاني وظريف تدور حول عقد الأمل في الانتخابات الأمريكية ورحيل ترامب. غير أن الوضع الثوري وأزمة الإطاحة التي اجتاحت هزاتها مجلس شورى الملالي مثلما حدث في المرحلة الأخيرة من نظام الشاه، لا أمان له. فالإطاحة الحتمية بالديكتاتورية الدينية سواء بمساعدة ترامب أو بدونها قضاء وقدر وتقع على عاتقنا نحن وشعبنا والثوار في جيش التحرير”.
ويجب أن نتذكر أنه عندما حان الوقت للإطاحة بنظام الشاه، لم يكن لديه القدرة على الصمود أمام انتفاضة الشعب الإيراني وتمت الإطاحة به، على الرغم من أنه لم تكن هناك عقوبات حينذاك فحسب، بل كان يتمتع بالتمويل والدعم الكامل من أمريكا وأوروبا. وذلك لأن الكلمة الأخيرة وتقرير المصير دائمًا ما يكون بيد الشعب والمقاومة المتجذرة في المجتمع وتحظى بدعم الشعب.
المشهد المستقبلي
بمناسبة الذكرى السنوية لانتفاضة نوفمبر 2019، قالت السيدة مريم رجوي في جزء من كلمتها: “لم يعد من الممكن تكرار سياسة الاسترضاء، وقد انتهى وقت الوقوف إلى جانب الملالي. ولم ينس الملالي أنهم تلقوا أقوى الضربات على الساحة الدولية من هذه المقاومة في أوج مرحلة سياسة الاسترضاء، ومن بينها شطب منظمة مجاهدي خلق الإيرانية والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وجيش التحرير من قوائم الإرهاب الأمريكية، وكذلك إخراج مجاهدي خلق من مخالب الجلادين العراقيين المنتمين لنظام الملالي”.
نعم، من المؤكد أن الشعب الإيراني سوف يتمكن هذه المرة تحت قيادة الهيئة الرائدة للانتفاضة من الإطاحة بنظام الملالي الديكتاتوري مثلما تمكن من الإطاحة بنظام الشاه الديكتاتوري خلال رئاسة جيمي كارتر لأمريكا بتشجيع من المنظمات الثورية الرائدة في ذلك الوقت.
وأيًا كانت رئاسة الجمهورية الأمريكية هذه أم تلك، فإن الأمر وتحديد المصير بيد أبناء الوطن والمقاومة الرائدة.
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.