إيران..المتر المربع الواحد من المنزل يعادل أجر العامل لسنة کاملة
ارتفاع أسعار المساكن بشكل جنوني
بعد العديد من النزاعات والنقاشات والحروب النفسیة، أخيراً في 9 أبريل 2020، وافق المجلس الأعلى للعمل على الحد الأدنى للأجور والمزايا للعمال دون حضور ممثلي العمال. وبعد شهرين، قررت وزارة العمل زيادة الأجور إلى 26٪، وسط احتجاجات قطاعات كبيرة من الطبقة العاملة وتراجع نظام الملالي بشکل جزئي. وفي نهاية المطاف، بلغ دخل العمال المتزوجين الذين لديهم طفل واحد مليونين وسبعمائة وثمانية عشر ألف تومان.
يبلغ متوسط سعر متر واحد من الوحدة السکنیة في طهران 27 مليون تومان
نشر البنك المركزي تقريراً عن تطورات سوق الإسكان بالعاصمة طهران في شهر نوفمبر من العام الجاري. وجاء في التقرير: «بلغ متوسط سعر البيع والشراء للمتر المربع الواحد للوحدة السكنية المتداولة من خلال الوكالات العقارية في طهران 271.9 مليون ريال، مما یظهر زیادة بنسبة 1.8 و118.2 في المائة علی التوالي مقارنة بالشهر السابق والشهر نفسه من العام الماضي» (صحیفة کسب و کار، 26 نوفمبر 2020).
عند التمّعن في هذین الخبرین معاً، يمكن للمرء أن يخمن إمكانية شراء المنازل من جانب العمال وغيرها من القطاعات الفقيرة في المجتمع، هذا إذا لم يكونوا من بين ملايين العمال والكادحين العاطلين عن العمل. وحتی في حال حصولهم علی راتب ضئیل فسيتعين عليهم إنفاقه علی العدید من احتیاجاتهم ومشاکلهم المستعصیة، منها تكلفة معالجة فیروس كورونا، والذي ینتظر نظام الملالي بفارغ الصبر تسجيل أحدث الوفيات الناجمة عنه.
القوة الشرائیة للعمال تعادل شراء متر واحد من المنزل في السنة
في أغسطس من هذا العام وخلال حرب العصابات ومهاجمة حکومة روحاني، كشف عضو في اللجنة التابعة لمجلس شوری النظام أنه: «إذا وفر عامل كل راتبه على مدار السنة ولم یصرف منه شیئاً، يمكنه شراء متر واحد من المنزل في السنة. أين هم المستضعفون من القرارات الحكومیة؟!» (صحیفة ألفبا الأکترونیة، 22 أغسطس 2020).
تجدر الإشارة إلی أن متوسط سعر المتر المربع للوحدة السكنية في ذلك الوقت، کان یعادل 23 مليون تومان وفقاً للبنك المركزي.
شراء متر واحد من الوحدة السکنیة براتب سنة کاملة
وبعد شهر، ارتفع سعر المنزل مرة أخرى لیبلغ 24 مليون و200 ألف تومان للمتر المربع، أي أن سعر المتر المربع من المساکن في سبتمبر 2020 مقارنة بشهر سبتمبر 2019 قد ارتفع بنحو 91 بالمائة. السؤال هو مع هذه الزيادة الهائلة في الأسعار، كم سنة يجب أن ینتظر العامل لشراء منزل لنفسه؟!
موقع تجارت نیوز الحکومي، 30 سبتمبر 2020
بحساب بسيط، يمكننا القول إنه إذا كان الحد الأدنى لأجور العمال حوالي 2 مليون و700 ألف تومان وإجمالي حقوق العمال لمدة عام یعادل 31 مليون و200 ألف تومان، فإن العامل يمكنه فقط شراء متر واحد و20 سم من المنزل بافتراض أنه ادخر راتبه السنوي بالكامل!
لذلك، وبافتراض بقاء أسعار المساكن والحد الأدنى للأجور كما هي، يجب على العامل توفير 46 عاماً من أجره بالكامل حتى يتمكن من شراء منزل بمساحة 60 متراً بسعر حوالي مليار و452 مليون تومان.
المنزل، حاجة لا غنى عنها
الآن دعونا نلقي نظرة على صعوبة توفير الحد الأدنى من السلع والمواد الغذائية التي يحتاجها عامة الناس في هذه الأیام. في غضون ذلك قد يكون السؤال عن أسعار المنازل، أو بالأحرى المآوي، أمراً کمالیاً وغير مجدٍ. لکن، كيف يمكن للمرء أن لا يفكر في مكان لإیواء نفسه وأسرته؟
إن الأبحاث العلمية في قياس أولويات الاحتیاجات البشرية وتلبية كل منها تشیر إلی أن “إمكانية الاستبدال” لكل من هذه الاحتیاجات الضروریة مؤشر مقبول للقياس. علی سبیل المثال، يمكن استبدال المواد الغذائية ببدائل معادلة أو ببدائل أرخص وذات جودة أقل، مثلاً يمكن استبدال اللحوم بالأغذیة النباتية. کما يمكن الاکتفاء بإصلاح وتجدید الملابس بدلاً من شراء ملابس جدیدة ذات جودة عالیة. لكن لا یمکن تجاهل توفير مأوى للأسرة إلا إذا رجع المرء إلی تجربة الناس في العصور القديمة واستقر تحت خيمة في الصحراء!
الوسطاء والمضاربون یستحوذون على حصة بناء المساكن
لنرى الآن ما يفعله نظام الملالي برؤوس أموال الناس ومدخراتهم في البنوك بشعبها العدیدة، من خلال إبرام صفقات ضخمة ومصادرة وحجز المليارات من تلك الأموال في مؤسسات وبنوك النهب والسرقة.
إن التقارير الضبابیة الواردة عن نوع الأنشطة التي تقوم بها بنوك نظام الملالي تظهر انحرافاً كاملاً عن المسار الذي یعتبر من وظائف وواجبات البنوك قانوناً وحتى عرفاً.
في سیاق قضیة المساکن مثلاً، يمكن للبنوك توفير تكاليف بناء المساكن في شكل تقدیم تسهيلات مناسبة، بينما نجد أن مثل هذه التسهيلات قد غيرت اتجاهها في سبیل خدمة السماسرة والوسطاء والمعاملات خارج واجبات البنوك.
تشير الإحصاءات إلى أن «حصة قطاع الإسكان في تسهيلات الإقراض المصرفي قد انخفضت من 17٪ عام 2011 إلى 7٪ عام 2019، وأن 3٪ فقط منها مخصصة لبناء المساكن. بینما أنفقت البنوك، وهي تتجاهل هذه الحصة، معظم تسهيلاتها على تقديم قروض سريعة السداد لقطاع الاقتصاد غير المنتج» (وکالة فارس للأنباء، 27 نوفمبر 2020).
البنوك تقدم تسهیلات لعقود المضاربة (الکمبیالات)
بسبب التغيير في شكل وطبيعة الأنشطة الاقتصادية في نظام الملالي والتحرك نحو زيادة الأنشطة غير المنتجة، يميل النظام المصرفي في إيران إلى دفع تسهيلات قصيرة الأمد، وبالتالي فإن التسهيلات السكنية لا تناسب حسابات المصارف بسبب فترة سدادها الطويلة!
يتم تخصيص تسهيلات الإقراض المصرفي بشكل عام لتسهیلات العائد السريع، والتي تستخدم بشكل أساسي في القطاعات غير المنتجة والمربحة في نفس الوقت، مثل التجارة واستيراد السلع الكمالية وشراء وبيع الأراضي إلخ.
في هذا الصدد ، قال الخبير الاقتصادي حسين راغفر، بخصوص تأثير طريقة تقديم البنوك للتسهيلات: «في الوضع الحالي، یتم تخصیص معظم التسهيلات المصرفية لأنشطة العائد السريع والمضاربة والتجارة، مما یمهد الأرضية لزيادة التضخم» (موقع عیار أونلاین، 28 نوفمبر 2020).
دعونا نسمع ما قاله نائب رئيس مجلس شوری الملالي، عن الوضع المؤسف لشراء المنازل: «لدينا حالياً 2.5 مليون منزل فخم في جميع أنحاء البلاد، في حين أن البعض لیس لدیهم مأوى وغير قادرين علی شراء تلك المنازل. مبلغ 150 مليون تومان لشراء كل متر مربع من المنزل في طهران لا یعقل. الحكومة أهدرت ست سنوات من عمرها على الإسكان» (موقع جهان نیوز، 26 نوفمبر 2020).
یجب قضاء أي حاجة من قائمة الاحتیاجات الأکثر ضرورة؟
دعونا نعود من جدید إلى قائمة الأولويات التي تشغل رب الأسرة في کل لحظة لتوفير أكثرها ضرورةً وإلحاحاً. هل علی رب الأسرة أن یفكر في توفير لقمة خبز أو شراء جهاز تابلت للتعلم لطفله حتى لا ينتحر؟ هل علیه أن یبحث عن علاج وأدویة كورونا أو أن یجرب کل الأعمال للعثور على وظيفة؟
ألا ینبغي لرب الأسرة أن يکون لدیه مأوی یأویه هو وعائلته لیلاً حتی یتمکن من قضاء تلك الأولویات وغیرها العشرات؟ لکن…