إيران.. في محاصرة وحش الغلاء, يسمع الناس صوت تهشّم عظامهم
استمر الغلاء في الارتفاع دون ضوضاء وسط الصخب الإعلامي الذي رافق الانتخابات الأمريكية تلاه اغتيال عالم نووي إیراني شهیر.
یحاصر وحش الغلاء وعفریت وباء کورونا حیاة أبناء الوطن من الجانبین، ویسمع أبناء الوطن المضطهدون صوت تکسیر عظامهم في کل لحظة.
وقد اعترفت وسائل الإعلام الحكومية في 28 نوفمبر 2020، بأن استهلاك الدجاج تراجع مؤخراً بنسبة 70 في المائة. ولذلك توجه الناس إلى شراء أرجل الدجاج وما یمسی بمجموعة الأحشاء المکونة من القوانص والقلب والكبد والأمعاء.
في هذا الصدد، اعترف مهدي يوسف خاني، رئيس نقابة تجار الدواجن والأسماك بأن: «استهلاك القوانص والقلب والكبد وأرجل الدجاج ازداد بما لا یقل عن ثلاثة أضعاف نتیجةً لارتفاع أسعار الدجاج في العشرين يوماً الماضية».
هذا وقد اجتاح تسونامي الغلاء المدمر الآن، أهم الأصناف الغذائية والاحتياجات الملحة لأبناء الوطن. وبینما تتشدق حكومة روحاني بالحیلولة دون ارتفاع الأسعار، واصل الغلاء ارتفاعه الحاد.
وکان خامنئي قد أشار في التصریحات التي أدلی بها مؤخراً، إلی أزمة معيشة الناس وأزمة وباء کورونا قائلاً إن: «سبل عیش الناس شحیحة حقاً».
السؤال هو، لماذا لا یتم کبح جماح الغلاء علی الإطلاق، بل نجد أن الأسعار في ارتفاع مستمر، في حین أن کلاً من خامنئي وروحاني یتحدثان عن ضرورة التصدي للغلاء؟
مظاهر الغلاء الجامح
للإجابة علی السؤال أعلاء، دعونا بدایةً نلقي نظرة علی بعض الحقائق فیما یتعلق بالغلاء وأبعاده:
أفادت وکالة تسنیم الحکومیة للأنباء في 22 نوفمبر 2020، أنه «بموجب قرار مجموعة عمل تنظيم السوق، ارتفع سعر الحلیب الخام و10 أنواع من منتجات الألبان والزبدة و4 سلع من مجموعة الزیوت و4 سلع من مجموعة مدخلات الثروة الحيوانية اعتباراً من 21 نوفمبر 2020».
ونقلت القناة الثانیة لتلفزیون النظام في 22 نوفمبر 2020، عن المتحدث باسم اتحاد منتجات الألبان قوله: «لدينا زيادة بنسبة 50٪ في سعر الحليب الخام».
وذکرت وكالة أنباء تسنيم في 22 نوفمبر 2020، أن: «الزیت أصبح شحيحاً في الأسواق في الأسابيع الماضیة، ووصل سعر الزيت الجامد للمستهلك من 43000 تومان إلی 200000 تومان.
وعلی الرغم من أن المسؤولین الموقرین کانوا في الوقت نفسه قد قطعوا وعوداً للناس بعدم رفع أسعار الزیت لأنه موجود بوفرة في الأسواق وبأنه سیتم في القریب العاجل توزیع الزیت الجامد في جمیع المتاجر، بید أنه بعد مرور أسبوعین علی هذه الوعود لم یشهد الناس توزیعاً للزیت الجامد فحسب، بل علی العکس من ذلك، صدموا بخبر رفع الحکومة لأسعار الزیت بنسبة 13 في المائة».
ومن المؤکد أن هذه هي الأسعار المرتفعة التي تم الإعلان عنها رسمياً، ولکن هناك ارتفاع سري للأسعار ناتج عن حاجة نظام الملالي ومخاوفه.
الارتفاع السري للأسعار
نظام الملالي في حاجة ماسة لرفع أسعار السلع الأساسية من أجل تغطية العجز الفلكي في ميزانيته من ناحیة، بید أنه شدید القلق من رد الفعل الاجتماعي من ناحية أخرى، خشیةً من تکرار أحداث رفع أسعار البنزین.
ولذلك یتبنی نظام الملالي أسلوب رفع الأسعار بطریقة احتیالیة ودون الإعلان عنه رسمياً. والجدیر بالذکر أن النظام تبنی هذا الأسلوب لسنوات عديدة في رفع أسعار المياه والكهرباء والغاز والهواتف، وفي الآونة الأخیرة یستخدم هذا الأسلوب في رفع أسعار الخبز أیضاً. إذ أنه وفقاً لسيناريو متكرر، یجبر المخابز علی شراء الدقیق من السوق السوداء بسعر مضاعف بمقدار 3 مرات من خلال تقلیص حصتهم من الدقیق الحکومي لفترة ما، وبهذه الطریقة یرتفع سعر الخبز دون الإعلان عنه رسمیاً.
هکذا يمهد نظام الملالي الأرضیة وعندما يضیق الناس ذرعاً، فإنه يتدخل ويرفع السعر رسمياً بنسبة 20 أو 30 بالمائة أو أكثر.
لماذا لا تتخذ الحكومة أیة إجراءات؟
لذلك ينظر خامنئي إلی كورونا والغلاء علی أنهما أزمتان خطیرتان تهددان کیانه.
السؤال الذي یطرح نفسه هو، إذا كان الغلاء خطيراً جداً على خامنئي ونظامه إلی هذه الدرجة، فلماذا لا یبادر باتخاذ أي إجراء جاد لكبح جماح الغلاء وترکه یتفاقم بسرعة مطردة؟
عندما يتم تصدير المنتجات الزراعیة إلى المافيات الحکومیة لتغطية نقص العملة، وترتفع أسعار المساكن المملوکة من حیث المبدأ للبنوك الحکومیة بنسبة 600 في المائة، یصبح من الواضح أن جمیع تصریحات خامنئي وغیره من قادة النظام الفاشي ليست سوی خدعة تجسد الخیانة الوطنیة والدینیة. وهذا هو السبب في أن مقر تنظيم السوق، الذي كان من المفترض أن يتحكم في الأسعار، يرفع فجأة أسعار 20 صنفاً من المواد الأساسیة لمعیشة أبناء الوطن في یوم واحد.
خامنئي نفسه قد صرح في خطابه منذ ثلاثة أسابيع بأنه: «لا یوجد أي تبریر لارتفاع الأسعار».
ليست هناك رغبة في كبح جماح الغلاء
الحقيقة أن الحكومة لا تستطیع ولا ترید حل مشاكل الشعب. أولويتها ليست توفير احتياجات الناس ولا الحد من النفقات والتكاليف التي تثقل عاتق أبناء الوطن المضطهدین.
لا یدرك قادة النظام وعملائه مشاكل الناس على الإطلاق، إنما هم جالسون في قصور فارهة، لا یشغلهم فیها سوی كيفية نهب ثروات البلاد وأصول الشعب. وحتى لو تحدثوا عن خفض الأسعار، فهذا فقط لمنع الغضب العام والانتفاضة.
إذن عندما نقول إن الناس يسمعون صوت تكسیر عظامهم، فإننا لا ننطق عن الهوی بل هي حقيقة واقعة. لكن صوت تهشم عظام أبناء الوطن تحت وطأة الغلاء والفقر والبطالة سيؤدي بالتأكيد إلى تحطم رکائز الدیکتاتوریة الفاشیة. هذا هو الأفق المستقبلي لمصير إيران، حیث تستقلع الانتفاضة المرتقبة بنیان ولاية الفقيه الواهي من أسسه.