الانتخابات الأمريكية؛ خطأ في تقديرات خامنئي أم أنها انتحار قسري؟– حدثت سلسلة من التطورات في الملف النووي للحكومة الإيرانية بعد أن أعلن مجلس شورى الملالي الذي يسيطر عليه خامنئي عن تنفيذ قرار “الخطة الاستراتيجية لرفع العقوبات” دون توقيع روحاني. وفي هذه العملية، التي تُجري تحت مسمى “تقليص الالتزامات بالاتفاق النووي”، أعلنت السلطات الإيرانية في البداية عن بدء إنتاج 20 في المائة من اليورانيوم. ثم وعدوا بإنتاج 90في المائة من اليورانيوم. وهددوا بطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبدأوا في تصنيع معدن اليورانيوم المستخدم في صنع الرؤوس النووية.
وكان على جدول الأعمال إنشاء مجموعة من الأنفاق تحت الأرض وتصميم محطة طاقة أخرى تعمل بالماء الثقيل على غرار محطة أراك وغير ذلك من الإجراءات.
وفي الوقت نفسه، أثار بعض المسؤولين وأعضاء مجلس شورى الملالي قضية الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي.
لماذا لجأ نظام الحكم إلى اتخاذ إجراءات استفزازية؟
من الواضح أن خامنئي وروحاني لم يجرؤا على الإطلاق على اتخاذ مثل هذه الإجراءات خلال عهد ترامب. إذ أن المخاوف من الإجراءات الأمريكية الصارمة حالت دون قيام نظام الحكم في إيران باتخاذ خطوة جادة في انتهاك الالتزامات خلال السنوات الـ 4 الماضية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو السبب وراء قيام خامنئي وروحاني بمثل هذه الإجراءات في تحليلهم للوضع؟ ألم تُخطئ حكومة ولاية الفقيه في حساباتها؟
بذل خامنئي وروحاني، إلى جانب ظريف قصارى جهودهم لتصوير مغادرة ترامب وتولي بايدن السلطة على أنه انتصار ونافذة للنجاة وتدشين للخروج من أزماتهم.
يرجى قراءة المزيد
تعليق حقوق التصويت للحكومة الإيرانية الإرهابیة في الأمم المتحدة
لا شك في أن حكومة ولاية الفقيه تلقت ضربات شديدة ومصيرية خلال الـ 4 سنوات الماضية، حيث أنها فقدت الجزء الرئيسي من قوتها الناجمة عن القوة الإقليمية المتمثلة في الإرهاب وقوتها النووية والصاروخية. كما أنه لا شك في أن جماهير الشعب ترغب في استمرار هذه الضغوط، لأنهم يعتبرونها عاملًا مساعدًا للإطاحة بالديكتاتورية الدينية في إيران.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : هل سيكون الوضع سهلًا بالنسبة لخامنئي بتولي حكومة جديدة في أمريكا؟
هل يعني ذلك رفع العقوبات كما يروجون؟
ألن تتصارع الإدارة الأمريكية الجديدة مع ولاية الفقيه؟
هل أخطأ خامنئي في تحليله في أن هذا المعتوه قد لجأ ألى السلاح النووي؟ فإذا كان قد أخطأ فلماذا يرتكب هو نفس الخطأ؟
حقيقة الانتخابات الأمريكية
إن بايدن هو حارس المصالح الأمريكية ضد ولاية الفقيه، وسوف يستخدم كل نقطة ارتكاز أينما تتاح له الفرصة لكي يحصل على المزيد من التنازلات. فبايدن، على عكس روحاني الذي يزعم أن بايدن يمكنه رفع العقوبات بثلاث توقيعات ؛ إذ أن بايدن يرهن اتخاذ أي قرار بحل التحديات التالية:
1. الرد على المجتمع الأمريكي، وتحديدًا المجتمع المستقطب في الوقت الراهن، حيث أن ما يقرب من 50 في المائة من الشعب الأمريكي يرغبون في بقاء ترامب وسياساته، ولاسيما سياساته في التصدي لنظام الملالي.
وقال مصطفى كواكبيان في مقابلة مع قناة “خبر فوري”: “ترامب الذي لم يصوت حصل على 70 مليون صوت”. وهي أصوات مهمه. وهذه هي مشكلة السيد بايدن، أي أنه يجب أن يتحمل استياء ما يقرب من 50 في المائة أو أقل بقليل خلال الـ 4 سنوات القادمة”.
لن يكون من السهل على بايدن تجاوز البرلمان
2. الرد على البرلمانين الأمريكيين ؛ برلمان بأغلبية من الحزبين في مواجهة الحكومة الإيرانية. ولا يجب أن ننسى القانون الأساسي وهو أن تغيير رئاسة الجمهورية لا يعني من حيث المبدأ تغيير التصويت ووجهة نظر البرلمانين في أمريكا. وفي هذا الصدد، قال السيناتور ليبرمان: ” نسعى إلى أن نلفت نظر الأصدقاء الذين سيعملون في إدارة بايدن إلى أن العالم اليوم، 2021، مختلف تمامًا عن عالم 2015، حينما تم إبرام الاتفاق النووي”.
لذلك هناك بالفعل خطأ كبير في العودة إلى اتفاق غير مرغوب فيه، ونحن نُصر على ألا تفعل حكومة بايدن ذلك. وبناءً عليه، نعتقد اعتقادًا راسخًا بأنه يجب على حكومة بايدن أن تجري العديد من المناقشات والمشاورات مع حلفائنا في المنطقة، أي إسرائيل والدول العربية وبالطبع مع حلفائنا في أوروبا قبل اتخاذ أي خطوة تتعلق بإيران. وقال ليندسي غراهام: “يجب القيام بعمل يجعل العودة إلى الاتفاق مع إيران تتطلب موافقة مجلس الشيوخ “.
3. الرد على الحلفاء الإقليميين وحمايتهم من الحكومة الإيرانية. ودائمًا ما يدور الحديث عن ضرورة مشاركة دول المنطقة في الاتفاق النووي اللاحق ووضع وجهات نظرهم بعين الاعتبار. وذكرت صحيفة “واشنطن بوست”: ” يجب على دبلوماسيتنا أن تسعى لتحقيق الاستقرار في المنطقة بأكملها بدءً من لبنان وصولًا إلى اليمن. ولا يجب أن تركز على السعي إلى العودة للملف النووي الإيراني فحسب”. كما كتب موقع “هيل” : ” إن الاتفاق النووي الإيراني سيتحقق بإشراك قوى الشرق الأوسط”.
في إيران ولاية الفقيه، لا سلطة للحكومة
4. يتعامل بايدن في إيران رسميًا مع حكومة لا سلطة لها في مفاوضات الاتفاق النووي. فالكلمة الأولى والأخيرة لخامنئي، وعلى الرغم من أن خامنئي قد صرح مرارًا وتكرارًا أنه يرغب في العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات، بيد أنه غير مستعد على الإطلاق للخضوع إلى المطالب الجديدة للدول المتفاوضة، لأنه يعتبر أن هذا النوع من المفاوضات ما هو إلا استسلام وتدهور لا نهاية له لنظام الملالي حتى تتم الإطاحة به. وكتبت صحيفة “وول ستريت جورنال”: “إن أي تطلع لأمريكا نحو تحقيق تقدم أكبر في العلاقة مع إيران لن يسفر عن نتيجة، نظرًا لأن بايدن يريد تمديد إجراءات الاتفاق النووي المبرم عام 2015، وكبح جماح قدرة إيران الصاروخية، والسيطرة على الممارسات الخطيرة المتمثلة في التدخلات الإرهابية لنظام الملالي في جميع أنحاء المنطقة، وليس لدينا أي فصيل في إيران مستعد للتوقيع على مثل هذا الاتفاق”.
لن تكون إيران الأولوية الأولى
5. في المرحلة التي تكون فيها الحكومة الإيرانية ضعيفة للغاية، يجب على بايدن الحصول على أقصي قدر من التنازلات. وفي غير هذه الحالة، فإنه سيضطر إلى دفع نفقات باهظة من جيبه ومن جيوب بلاده، ومن حيث المبدأ لا داعي لذلك. بمعنى أن عودة بايدن إلى الاتفاق النووي مع إيران دون الحصول على التنازلات المقررة، سيكلفه الأمر الغالي والنفيس. ونظرًا لأن ترامب كان يتحرك وفقًا لرغبات الشعب الأمريكي والبرلمانيين الأمريكينن كانت مهمته سهلة وأداؤه مقبولًا، ولكن بايدن يجب أن يعوم ضد التيار. وكتبت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (واشنطن): “إن الاندفاع للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران سيجعل بايدن يواجه جدلًا مثيرًا للانقسام في بداية رئاسته للجمهورية”. وكتبت صحيفة “واشنطن فري بيكن” في 18 ديسمبر 2020 : لا يوجد أي سبب لكي يكافئ بايدن إيران، حيث أن تخفيف العقوبات عام 2015 لم يسفر عن أي استقرار في المنطقة، ولن يكون هناك استقرار أيضًا في الوقت الراهن. ولا يسعى بايدن باستخدام نقطة ارتكاز العقوبات التي وضعها له ترامب إلى رهن استئناف المفاوضات ببرنامج الصواريخ الإيرانية والإرهاب فحسب، بل يرهنه بحقوق الإنسان أيضًا. والجدير بالذكر أن الاستقرار لن يتحقق في الشرق الأوسط بانضمام أمريكا مجددًا للاتفاق النووي. إذ أن الاستقرار لن يتحقق في الشرق الأوسط إلا عندما يقضي الشعب الإيراني على الثورة الإسلامية”.
سوء تقدير أم انتحار؟
6. إن بايدن سيواجه صراعات خاصة به، خاصة في السنة الأولى من حكمه. والعودة إلى المفاوضات الحافلة بالتوتر مع حكومة لا تنوي على إرض الواقع تقديم أي تنازلات؛ من غير الممكن أن تكون من أولويات بايدن. وكتبت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: ” لا يفوتنا أن نشير إلى أن الأزمة المضنية المتعلقة ببرنامج إيران النووي ؛ لا يمكن أن تكون على أجندة بايدن في وقت هو مشغول فيه بالتحديات المروعة الحالية التي يواجهها الشعب الأمريكي بدءًا من الكوارث الناجمة عن تفشي فيروس كوفيد -19 وصولًا إلى اللامساواة العرقية وتغير المناخ والتنافس مع الصين”.
7. إن بايدن لا يمكنه أن يكون بعد 4 سنوات سواء بالنسبة لأمريكا أو أوروبا أو الصين أو روسيا وعلى وجه الخصوص الحكومة الإيرانية مثل أوباما سواء شاء أم أبى، فهو ليس مساعدًا لأوباما.
الاستنتاج
في ضوء ما سبق، يجب التأكيد على أن خطوات خامنئي المتسرعة للانسحاب من الاتفاق النووي وتحويل إيران إلى بلد نووي هي إما نتيجة لسوء تقدير غبي أو نتيجة للإكراه.
وإذا اتخذ خامنئي هذه الخطوات بدافع تصوره الخاطئ بأن بايدن جاء للسلطة لمنحهم امتيازات، فإن هذه الخطوات سوف تجعل مساره أكثر صعوبة حتى في المفاوضات المحتملة. والجدير بالذكر أن التخصيب بنسبة 20 في المائة والانسحاب المحتمل من معاهدة حظر الانتشار النووي NPT واحتمال طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيجبر حلفائه الأوروبيين على اتخاذ موقف أكثر صرامة من ناحية، وسيغلق طريق المفاوضات المحتملة في وجه بايدن، من ناحية أخرى.
وحتى إذا كان هناك إجبار، فإنه ناجم عن الاختناق الاقتصادي والانتفاضة المحتملة، وفي هذه الحالة حريٌ بنا القول إن هذا الهروب سيكون هروبًا من حفرة إلى بئر ليزداد الطين بلة، وهذا هو الانتحار القسري.