بايدن يواجه قيود الجمهوريين وشكوك الديمقراطيين في مساعيه للتوصل لاتفاق جديد مع إيران إن محاولات جو بايدن لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع النظام الإيراني وجعله اتفاقًا دبلوماسيًا “أطول وأقوى” يواجه بالفعل شكوكًا عميقة وعقبات محتملة في الكونغرس، من بينها ضغوط من حزب الرئيس.
يعمل صقور الجمهوريين لضمان أن يكون لهم رأي، وربما حق اعتراض فعّال في أي محاولة من إدارة بايدن لإلغاء العقوبات القاسية التي فرضتها إدارة ترمب السابقة على طهران عقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع النظام الإيراني عام 2015.
بينما يعقد مسؤولو إدارة بايدن محادثات مباشرة مع الإيرانيين في فيينا، يناقش الجمهوريون استراتيجيات تصعّب على بايدن العودة للاتفاق النووي مع النظام الإيراني، وسيكون هذا على الأرجح عبر استخدام أدوات تشريعية مرتبطة بالعقوبات التي فرضها ترمب. إن العديد من الجمهوريين مصممون على خنق أي عودة بقيادة بايدن إلى الاتفاق النووي مع النظام الإيراني- لا سيما في ضوء غياب اتفاق شامل يعالج دعم إيران للإرهاب وأفعالها الخبيثة الأخرى.
كما أن مجموعة التحديات المتزايدة التي يواجهها البيت الأبيض بقيادة بايدن فيما يخص صياغة أي اتفاق نووي جديد، تتجاوز الجمهوريين. لأن الديمقراطيين يرغبون في أن يقاوم الرئيس الرغبة في محاولة الحصول على مجموعة تنازلات من طهران، قائلين إن هذا سيدمّر فرص الولايات المتحدة للعودة إلى الاتفاق. لكن زملاء بايدن الديمقراطيين يحذرون أيضًا من تزايد صعوبة عودة إيران للالتزام بشكل تام ببنود الاتفاق النووي مع النظام الإيراني عام 2015، لا سيما بعد التسجيل الصوتي المسرّب مؤخرًا لوزير الخارجية الإيراني “جواد ظريف” الذي يشكو فيه من نفوذ الحرس على جهوده الدبلوماسية مع الغرب بايدن يواجه قيود الجمهوريين وشكوك الديمقراطيين في مساعيه للتوصل لاتفاق جديد مع إيران.
يقول عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي عن ولاية كونيتيكت: “أنا أدعم اتفاقا أطول وأقوى مع إيران، لكن هذا لن يحدث إلا بعد عودتنا إلى الاتفاق النووي مع النظام الإيراني عام 2015”. مضيفا “لو أصرينا على التوصل لاتفاق شامل يشمل دعمهم للجماعات الإرهابية وسجلهم في مجال حقوق الإنسان، وبرامجهم للصواريخ البالستية، فسيكون هذا بمثابة ناقوس الموت للاتفاق النووي”.
احتل تسجيل ظريف الصوتي المسرّب العناوين الرئيسية بعد إشارات ظريف إلى مستشار بايدن لشؤون المناخ ووزير الخارجية الأسبق جون كيري، لكن تصريحات الوزير الإيراني أشارت ايضًا للمشرّعين أن القوى المعتدلة في إيران تتراجع لصالح قوى متشددة أكثر تطرفًا مترددة في الانخراط مع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى. يوحي هذا الاتجاه لبعض الديمقراطيين الكبار أن دفع كل من الولايات المتحدة وإيران للالتزام مجددًا بالاتفاق النووي مع النظام الإيراني عام 2015، سيكون مهمة صعبة للغاية في أفضل الأحوال.
بايدن يواجه قيود الجمهوريين وشكوك الديمقراطيين،يقول “بوب مينينديز” رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ (ديمقراطي يمثل نيوجيرسي) والذي عارض الاتفاق النووي مع النظام الإيراني 2015: “بالتأكيد إن تصريحات ظريف تعقد الصورة على أقل تقدير. يتعين عليك أن تتساءل ما الأمور التي يمكنهم الاتفاق عليها وتنفيذها؟”.
وأضاف مينينديز إن تصريحات وزير الخارجية الإيراني تثير تساؤلات “بشأن ما إذا كان هذا يبدو منطقيًا من ناحية ما يمكن الالتزام به” وتابع قائلا “هذه جميعها عوامل يجب أخذها في الاعتبار”.
يعي فريق بايدن تمامًا صعوبة استئناف التعاون مع إيران بعد سحب ترمب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع النظام الإيراني عام 2015، وفرضه عقوبات قاسية جديدة ضد النظام في طهران، وهو نهج أُطلق عليه “الضغوط القصوى”. صرّح “جاك سوليفان” مستشار بايدن للأمن القومي يوم الأحد “ماتزال هناك مسافة كبيرة يجب قطعها لسدّ الفجوات المتبقية، وهذه الفجوات تتعلق بنوع العقوبات التي ستلغيها الولايات المتحدة ودول أخرى” مقابل التزام إيران بالقيود على برنامجها النووي.
وذكر “سوليفان” في مقابلة على محطة “آي بي سي” في برنامج “هذا الأسبوع”: سيواصل دبلوماسيونا خلال الأسابيع المقبلة محاولة تحقيق عودة طبيعية للاتفاق النووي مع النظام الإيراني، على أساس فكرة التزام مقابل التزام”.
إن العودة إلى الاتفاق النووي مع النظام الإيراني ستتطلب بالتأكيد أن ترفع إدارة بايدن بعضًا من عقوبات عهد ترمب والتي ستتطلب موافقة من الكونغرس، من بينها موافقة ديمقراطيين مثل مينينديز، الذي أدّت معارضته لجعل الاتفاق النووي مع النظام الإيراني عام 2015 عملية مؤلمة سياسيًا في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وفي هذه المرة، اللاعبين السياسيين الفاعلين ذاتهم، سيكونون متحمسين لمراجعة الكونغرس لأي اتفاق.
وأضاف مينينديز “السؤال هو ماذا يعني اتفاق أطول وأقوى؟” مستشهدًا بالعبارة التي صاغها وزير الخارجية أنتوني بلينكن أثناء جلسة استماع لتأكيد تعيينه في منصبه في مطلع هذا العام، عندما أشار إلى خطط الإدارة تجاه الاتفاق في المستقبل. “لو حصلنا على معاملة بالمثل من الإيرانيين فيما يخص الأمور التي تهمّنا، فلابد أن يكون هناك تخفيف للعقوبات. لكن السؤال الحقيقي ما هو المقابل لتخفيف العقوبات، وما العقوبات التي تريد تخفيفها؟”.
إن أولوية بايدن الأولى هو دفع الولايات المتحدة وإيران للعودة إلى الاتفاق النووي مع النظام الإيراني عام 2015، والذي عالج حصرًا برنامج إيران النووي. لكن مساعدي بايدن يتطلعون للتوصل لاتفاق أوسع نطاقا يمكن أن يعالج أنشطة إيران الخبيثة غير النووية في المنطقة، من بينها دعمها لوكلاء إرهابيين وبرنامجها للصواريخ الباليستية.
لكن، في غضون هذا، يدق حلفاء بايدن في الكونغرس ناقوس الخطر بشأن أهمية العودة للالتزام بالاتفاق النووي مع النظام الإيراني عام 2015، حتى لو كان هذا يعني عدم التوصل لاتفاق بشأن مصادر التوتر الأخرى بين واشنطن وطهران.
بايدن يواجه قيود الجمهوريين وشكوك الديمقراطيين،تقول السيناتورة في مجلس الشيوخ “جين شاهين” (ديمقراطية عن ولاية نيو هامبشير): “بقدر انزعاجي مما يفعلونه من دعم للإرهاب في عموم الشرق الأوسط، وتعطيل طرق النقل وغيرها من الأمور، إلا إنني أظن أن التركيز ينبغي أن يكون على منعهم من الحصول على سلاح نووي”.
بالرغم من عدم استعداد إيران لإجراء مقابلة مباشرة مع المسؤولين الأمريكيين في فيينا، إلا أن هناك إشارات إيجابية مبكرة بشأن استعداد النظام لعقد صفقة، من بينها انخراطه الأخير مع عدوته القديمة السعودية بشأن قضايا مهمة لإدارة بايدن، مثل وقف إطلاق النار في اليمن.
في غضون هذا، يستعين الجمهوريون بقانون صادر عام 2015 يُسمى “قانون مراجعة الاتفاق النووي مع إيران” للمساعدة على منع أي جهد للعودة إلى الاتفاق النووي الموقع في ذلك العام. مُرر ذلك القانون لمنح الكونغرس فرصة لإبداء رأي في الاتفاق النهائي، وقد يكون محوريًا هذه المرة عبر تمكين المشرّعين رسميًا من رفض جهود رفع عقوبات إدارة ترمب.
إن الجمهوريين، الذين عارضوا جميعهم الاتفاق النووي مع النظام الإيراني عام 2015 الذي توصل إليه أوباما، لا يضيعون الوقت في مهاجمة محادثات بايدن ووصفها بأنها بلا فائدة وربما تكون خطيرة.
يقول ليندسي غراهام عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية في مقابلة قصيرة “لم يفعل الإيرانيون أي شيء لكي ندخل معهم في محادثات غير مباشرة أو مباشرة. سلوكهم لم يتغير. سوف يُنظر إلى هذا باعتباره استرضاء لهم” مضيفًا “هذا يعزز رواية أن الغرب ضعيف… انا أرى أن هذه المفاوضات مزعزعة لاستقرار المنطقة”.
أثناء أول مائة يوم له في السلطة، أُجبر بايدن على مواجهة سلوك إيراني عدواني متزايد في جبهات منفصلة عن برنامجها النووي. أمر الرئيس بتنفيذ ضربات جوية على أصول مدعومة من إيران في سوريا في فبراير ردًا على هجمات على قوات أمريكية في المنطقة. يتمسك الجمهورين بالقول إن عقوبات ترمب على النظام الإيراني، منحت الولايات المتحدة نفوذا استثنائيًا، وإن لم تكن إيران مستعدة لتقديم تنازلات بشأن دعمها لوكلاء إرهابيين في المنطقة، فلا ينبغي للولايات المتحدة العودة إلى الاتفاق النووي مع النظام الإيراني عام 2015.
في مقابلة وجيزة، صرّح “ماركو روبيو” عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية فلوريدا، ونائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ: “من المستحيل في هذه المرحلة الفصل بين البرنامج النووي وجميع الأنشطة الأخرى الشنيعة التي تقوم بها إيران”.
تعمل مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين على تنفيذ ما هو أبعد من قانون مراجعة الاتفاق النووي الصادر عام 2015، إذ كشف هؤلاء مؤخرًا عن تشريع يهدف لمنع بايدن من العودة للانضمام إلى الاتفاق النووي. سيضمن القانون أن يأخذ أي اتفاق جديد صفة المعاهدة، وهو ما يتطلب بالتالي موافقة الكونغرس. كما قدمت مجموعة من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين قانونا مماثلا يفرض المزيد من العقوبات على النظام الإيراني، ويضع مزيدًا من العراقيل أمام فريق بايدن في المفاوضات الراهنة.
وقال “روبيو”: “إن لم يحوّلوه إلى معاهدة، فسيكون مجرد اتفاق سياسي ليس أفضل من الإدارة الحالية” وأضاف “يمكن أن يتغيّر من طرف أي إدارة مقبلة”.
يؤكد حلفاء بايدن أن الغموض الراهن المحيط بأي عودة للاتفاق النووي ليس مشكلة الرئيس، زاعمين أن ترمب جعل مهمة بايدن مستحيلة عندما لم يكتفِ بالانسحاب من الاتفاق النووي مع النظام الإيراني 2015، لكنه فرض عقوبات جديدة غير مرتبطة ببرنامج إيران النووي. أثناء محادثات هذا الربيع في فيينا، طلبت إيران رفع جميع تلك العقوبات الأمريكية.
يقول “تيم كين” عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي عن ولاية فرجينيا “الضرر الذي تسبب به نهج إدارة ترمب سيعقد الأمر أكثر” مضيفا “لكن الحل الأفضل يظل هو محاولة دفع الإيرانيين للالتزام بالاتفاق النووي، ثم نركّز بعدها جهودنا على الأنشطة غير النووية”.