الحُكم الصادر بحق دبلوماسي إيراني في بلجيكا يمكن أن يغير محاكمات الإرهاب في أوربا للأبد- إن الحُكم الصادر بحق دبلوماسي إيراني في محكمة بلجيكية بسبب ارتكابه عملاً إرهابيًا في أوربا، سيكون له تداعيات طويلة المدى فيما يتعلق بطريقة التحقيق في الجرائم المرتبطة بالإرهاب والبت فيها في محاكم أوربية. تتعلق هذه المحاكمة بمحاولة تفجير تجمّع جماهيري عقدته منظمة مجاهدي خلق الإيرانية كان يحضره عشرات آلاف الأشخاص في منطقة “فيلبينت” بالقرب من باريس في فرنسا في الثلاثين من يونيو 2018. حُكم على الدبلوماسي المعني بالسجن لعشرين عامًا. يسمح نظام العدالة الجنائية البلجيكي بإجراء دعاوى جنائية ومدنية في الوقت ذاته، ويوضح الحُكم النهائي الأحكام والأضرار المستحقة. إن أهمية هذه الإجراءات القضائية والحُكم الصادر، تكمن في أنها ستغير للأبد الطريقة التي يُحاكم ويحقق بها القانون الأوروبي وأعضاء الاتحاد الأوروبي في القضايا الإرهابية.
حقائق هذه القضية
كان الجاني المتهم، الدبلوماسي الإيراني ـ الإرهابي أسد الله أسدي، دبلوماسيًا يعمل في سفارة إيران في فيينا عاصمة النمسا. أعتُقل أسدي في ألمانيا في الأول من يوليو عام 2018 بتهم التخطيط لارتكاب هجوم إرهابي، بالتعاون مع متآمرين أثنين معه: أمير سعدوني ونسيمه نعامي- وهما زوجان لديهما جنسية بلجيكية وإيرانية مزدوجة. جرى إيقاف سيارتهما التي تحمل رطلا من مادة TATP المتفجرة، بينما كانا في طريقهما من بلجيكا إلى فرنسا. كان المتهم الرابع “مهرداد عارفاني” متواطئًا مع أسدي وكانت مهمته توجيه الزوجين في تجمّع منطقة “فيلبينت” الجماهيري.
أكّدت الاستخبارات الفرنسية والبلجيكية أن الزوجين وأسدي-اللذين يعرفان بعضهما منذ عام 2015 على الأقل- عملاء لإيران، بالرغم من تظاهرهما بأنهما أعضاء في المعارضة. نقل أسدي المتفجرات من دون اكتشافها على متن رحلة جوية من طهران إلى فيينا قبل أن يقود سيارة مستأجرة إلى لوكسمبورغ، حيث استلم هناك الزوجان المتفجرات. إن الحضور الكبير في هذا التجمّع الجماهيري في “فيلبينت” فضلا عن وجود شخصيات سياسة مؤثرة للغاية فيه- من بينهم المحامي رودي جولياني وعضو الكونغرس الأمريكي الأسبق “ نيوب جينجريتش”
“ورئيس الوزراء الكندي السابق “ستيفن هاربر” والمرشحة الرئاسية الكولومبية السابقة ” إنجريد بيتنكور”- يعني أن تداعيات نجاح ذلك التفجير كانت ستكون خطيرة.
الحُكم الصادر بحق دبلوماسي إيراني في بلجيكا ومسألة الحصانة الدبلوماسية
جادل أسدي عبر محاميه أنه بوصفه دبلوماسيًا يعمل في النمسا، فإن حصانته تمتد إلى خارج حدود النمسا. وبهذا، زعم أسدي أنه لا يمكن اتهامه بجريمة، وعلى هذا الأساس، طعن في شرعية الإجراءات القانونية، ورفض الظهور في المحكمة لجلسات الاستماع في نوفمبر وديسمبر 2020. دعمت طهران موقف أسدي في وقت المحاكمة، مضيفة أن إيران لن تقبل الحُكم الصادر. أصرّ فريق الدفاع على الزعم أن الاعتقال كان غير قانوني، لكن المادة رقم 31 في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، لا تمدّ نطاق الحصانة لخارج الدولة التي تستقبل عضو البعثة. إن اعتقال أسدي في ألمانيا أثناء قضائه عطلة مع عائلته ومحاكمته في بلجيكا بالتعاون مع السلطات في فرنسا، يعني أن حصانة أسدي لا يمكن أن تمتد إلى خارج حدود النمسا. أخذت المحكمة في الحسبان حججًا عديدة تم طرحها، من بينها معطيات النمسا بشأن فهمها للحصانة الممنوحة لأسدي داخل حدودها بموجب اتفاقية النمسا للعلاقات الدبلوماسية. أظهرت معلومات استخباراتية حصلت عليها الاستخبارات البلجيكية وجرى الكشف عنها أثناء المحاكمة أن المتفجرات تم نقلها من إيران إلى النمسا بواسطة حقائب مغطاة بحصانة دبلوماسية، ما دفع المحكمة للتنويه بأنه بالرغم من أن الحصانة الدبلوماسية جرى استغلالها لتسهيل نقل المتفجرات، إلا أنها قُدمت أيضًا كأساس لرفض هذه القضية.
الحُكم الصادر بحق دبلوماسي إيراني في بلجيكا:السياق الأوسع لمكافحة الإرهاب
بحسب محامي المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية-وهو تحالف سياسي معارض للنظام الإيراني كان يستضيف التجمّع الجماهيري- فإن هناك متهمًا خامسًا كان يجب تسميته في الشكوى: الجمهورية الإسلامية الإيرانية. مع هذا، فإنه لا يوجد تشريع مناظر يسمح بإجراء محاكمة فيدرالية في بلجيكا لمحاكمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية نفسها بتهمة رعاية الإرهاب. هذه ليست المرة الأولى التي ارتكبت فيها الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو حاولت أن ترتكب أعمالا إرهابية على أراضٍ أوربية عبر قنوات دبلوماسية. مع هذا، فإن هذه المحاولة الهجومية تمثل تطورًا جديدًا، إذ أن الهجمات السابقة التي نفذتها إيران كانت تستهدف عادة معارضين فقط، بينما امتدّ هذا الهجوم ليستهدف أيضًا سياسيين أجانب.
إن هذا المخطط الطموح الذي جرى إحباطه في “فيلبينت” في يونيو 2018، يوسّع الفهم المتعلق بالقدرات والأعمال العدائية التي يمكن أن تقوم بها إيران على أراض أجنبية. إن قرار إيران بسحق المعارضة الموجودة خارج حدودها، يمثل تحديًا للتفويض الممنوح لجهاز مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوربي. وهذا بالمقابل، يشمل مركز الاستخبارات والعمليات التابع للاتحاد الأوربي والتعاون القضائي العابر للحدود الوطنية متمثلا في وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال العدالة الجنائية.
إن عملية اعتقال مثل هذه-بمشاركة ألمانيا وبلجيكا وفرنسا ولوكسمبورغ- تظهر أن نقل مواد متفجرة داخل الحدود والتواصل بين عملاء أجانب، سيؤدي لمحاكمة الجناة في الاتحاد الأوربي. في نفس الوقت الذي كان من المقرر أن يقع فيه هذا الهجوم، كان رئيس النظام الإيراني حسن روحاني يزور أوروبا، ويُقال إنه كان غاضبًا للغاية بسبب هذه الاعتقالات، والتي كشفت نشاطًا إجراميًا يتم ارتكابه لحساب إيران، بينما كان الاتحاد الأوربي يعمل كعازل بين الولايات المتحدة وإيران فيما يخص الاتفاق النووي مع النظام الإيراني، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في مايو 2018.
وبالنظر لفشل هذا الهجوم، فإنه يمكن القول إن حُكم السجن لمدة عشرين عامًا الذي تلقاه أسدي وأحكام السجن البالغة خمسة عشر وسبعة عشرة وثمانية عشرة سنة للمتواطئين معه، هي مهمة بالنظر إلى هذه الجريمة غير التامة.
طالبت جميع الأطراف المدنية-ضيوف المؤتمر والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية نفسه- بتعويضات بقيمة يورو واحد، كجائزة تعويض رمزية. يهدف هذا الطلب لإظهار حقيقة أنه بالرغم من أنه لا أحد تضرر جسديًا، إلا أن حقيقة وجود مخطط خطير لارتكاب عملية قتل جماعية تظل أمرًا لا يمكن إنكاره كان مدعومًا بعمل استخباراتي، ويشمل هذا استخبارات في مجال الاتصالات، وهو ما يوضح وجود قدرة حقيقية على مهاجمة مكان كبير مثل مدينة “فيلبينت”. يأمر الحُكم الصادر أيضا بإيداع 200 يورو في الصندوق البلجيكي للضحايا وعمال الاستجابة الأولى، وهو ما يمثل مجددًا اعترافًا بالضغط على الموارد الناجمة عن جهود منع الأعمال الإرهابية ومواجهتها.
إن هيكل هذه الصناديق الأوربية المذكورة يختلف من دولة إلى أخرى في الاتحاد الأوربي، وهو يعتبر تجسيدًا لتزايد أعداد الهجمات على القارة الأوربية منذ مطلع عام 2015. نتيجة لهذا، تم تجريد المتهمين الآخرين في القضية-نعامي وسعدوني وعارفاني- من جنسيتهم البلجيكية بحجة أن التخطيط لعمل إرهابي هو جريمة خطيرة بما يكفي لكي تستحق الإدانة. لكن هذا لن يؤدي بالضرورة لحرمانهم من حقهم في الإقامة. بينما تجد بلجيكا نفسها أيضًا في خضم محاكمة إرهاب أخرى- الخاصة بتفجيرات عام 2016 في المطار ومترو الأنفاق في بروكسل والتي تبناها تنظيم داعش- فإن العديد من المحامين المتخصصين في الإرهاب باتوا يتناولون مسألة تمويل الإرهاب ودعم الإرهاب ليس فقط من منظور جماعة مسلحة غير تابعة للدولة، ولكن من منظور مؤسساتي ورسمي أكثر- والمقصود هنا الإرهاب الذي ترعاه الدولة. إن الحُكم الصادر يحدد نطاق الاتهام: أسدي والمتواطئون معه كانوا عملاء حكوميين، لكن الحُكم لم يستجب لطلب الادعاء بإعلان وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية منظمة إرهابية. مُستشهدة بالهجوم على مطعم “ميكونوس” في برلين عام 1992، وجدت المحكمة أن القضية تفتقد إلى النظم الأساسية الضرورية لمحاكمة أسدي بوصفه فردًا يعمل تحت غطاء حكومي. إن كان مفهومًا سياسيًا ان أسدي كان وكيلا لطهران، إلا أن القانون الجنائي لا يسمح بإصدار تهمة مماثلة. هناك رابط مهم بين استخدام الحصانة الدبلوماسية لهدف ارتكاب عمل إرهابي، لكنه ليس مباشرًا تماما. نحن في العام 2021، لكن ليس هناك تشريع في أي دولة من الدول السبعة وعشرين العضوة في الاتحاد الأوربي، يسمح بمقاضاة دولة على عمل إرهابي أو طلب تعويض مالي لضحايا، بالرغم من المصلحة المهمة التي سيتضمنها هذا، بالإضافة إلى التجانس الذي سيقدمه هذا التشريع فيما يخص مبادرات الأمم المتحدة لوقف تدفق المعدات والأموال واللجوء لمقاتلين أجانب، وذلك عبر محاسبة الدول. في هذا الحُكم، نوّهت المحكمة علانية أن إيران لم تتنصل من أفعال المتهمين، ما يعني ضمنيًا تحميل الدولة الإيرانية المسؤولية. إن التداعيات الناتجة عن هذا يجب أن تؤدي لتغيير في السياسات. طعن أسدي والمتواطئون معه في الإدانة الصادرة بحقهم في الثامن من مارس. في الخامس من مايو، ظهر أسدي أمام محكمة الاستئناف، وقد حُرم من إمكانية تبرئته أو حتى الحصول على إفراج مبكر. وقد رُفضت مجددًا حجة الحصانة الدبلوماسية. دعمت المحكمة أيضًا حجة أن الهجوم الفاشل يمثل إرهابًا برعاية الدولة، وهو قرار يعتقد محامي المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، أنه يخلق سابقة لمحاكمات مستقبلية مماثلة في الاتحاد الأوربي. سيقضي أسدي، الذي قضى بالفعل ثلاثة سنوات ونصف في السجن، الفترة المتبقية من سجنه في بلجيكا. وسيتم الاستماع لطعن المتهمين الآخرين معه في يونيو المقبل.