الأثنى عشر النووية
فهد ديباجي
إيران حاليا تمر بأسوأ حال لها منذ ثورتها لاسيما بعد أن تصدر الأمير محمد بن سلمان المشهد السياسي إقليمياً ودولياً، بعدها اختفت نبرتها التوسعية وعادت إلى حجمها الطبيعي ويبدو أن الربيع الإيراني قد أقترب موعده ، و إذا حدث ، فمن المؤكد أنه سيخلصنا من الإخوان المفسدين لأن سقوط ملالي إيران يعتبر سقوط لحليفهم الرئيسي في المنطقة ، وسقوطهم هو انتصار لكل الشعوب العربية والإيرانية المكلومة بعدما عاثوا في الأرض فسادا وقتلا ونهبا .
إيران اليوم تقع في شر أعمالها بعدما تسببت في هجرة الملايين وبدل أن تكون إيران من أكبر دول الشرق الأوسط المؤثرة اقتصادياً ونماءً اصبحت متخلفة تسير في عكس التيار ، وساهمت في تعطيل قدرات جيرانها، وسقوطها هو بداية لعهد جديد للمواطن الإيراني والعربي لينعم بمقدرات وطنه ، قواعدها اليوم في سوريا تضرب من الإسرائيليين و لا تستطيع الرد و مشاكلها الداخلية تتسع و تكبر ، واقتصادها في تقهقر و كساد ، و زاد على هذه المشكلات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي ، فالأيام القادمة بالنسبة لنظام الملالي ستكون سوداء لا محالة ، فالمنطقة بحاجة إلى السلام والإستقرار ، والسياسة الإيرانية الإقليمية ألهبت الجبهات بإنتهازيتها وطائفيتها، ومن الطبيعي أن تجد طهران نفسها في مأزق لن تخرج منه بسهولة ، و المنطقة لن تهدأ من دون سقوط نظام الملالي ، فكل المآسي في العراق وسوريا ولبنان واليمن ستنتهي بمجرد نهاية هذا النظام المارق الذي مازال يصدر الفوضى والطائفية في المنطقة ، لهذا نجد أن مقاربة مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي حول السياسة الإيرانية دقيقة، والإستراتيجية الصارمة التي أعلنها نتيجة طبيعية للسلوك الإيراني عبر السنوات، وتوحد الجهود هو الطريق الصحيح لتدرك طهران عبثية أفعالها وتمددها.
عندما تحدث وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عن أقسى عقوبات في التاريخ على إيران من خلال إعلانه الاستراتيجية الأميركية الجديدة للتعامل معها، عقب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي والتي شملت أثنى عشر شرطاً ، من شأنها أن تجعلها بلداً يعيش في تناغم مع محيطها والعالم وسيعم السلام في المنطقة ، لو نفذت فعليا ، وهي تشابه مطالب الدول المقاطعة الأربع لدولة قطر والتي كان الهدف منها منع دعم وتمويل الاٍرهاب
إدارة ترامب عندما أعلنت خطتها و استراتيجيّتها هي بذلك تؤكد للعالم وخاصة الدول الأوربية أن استراتيجيّتها ستحقق مالم يحققه الاتفاق النووي في عهد أوباما ، وهنا يمكن اعتبار خطاب بومبيو بمثابة إعلان حرب ، وهو ما سيدفع الإيرانيين إلى النظر في الأمر بطريقة جادة بعيدة عن روح المكر والمماطلة المعتادة ، لاسيما بعد إعلانها عن سبعة شروط للدول الأوروبية لتنفيذها لكي تواصل طهران الالتزام بالاتفاق النووي .
مكابرة طهران وتهجمها على شروط أمريكا ما هي إلا مكابرة وعناد ككل الطغاة الذين سقطوا قبلهم واحدا تلو الآخر ، فجميع أوراق اللعبة في يد أمريكا وخاصة الاقتصادية التي ستفجر الوضع الداخلي ولهذا لاتستطيع إيران إلا أن ترضخ للمطالب ولن تستطيع التملص منها إذا قررت أمريكا ذلك عمليا ، و ستتأكل قوتها بالمنطقة تدريجيا أما إذا قررت إيران المواجهة المباشرة وهذا مستبعد جدا، لأنه يعتبر بمثابة الحكم على نفسها بالموت لأنها سوف تصنف كمنظمة إرهابية مثل داعش وسوف تنشئ تحالف دولي عسكري ضدها بعد استنفاد جميع العقوبات .
الرئيس الأمريكي إذا قال شيئا فعلَه حقيقة تمثل علامة ونذير شؤم بالنسبة للإيرانيين لذلك سيكون عليهم أن يتعاملوا بحذر مع حقل الألغام المفتوح أمامهم ، ومن المؤكد أن تفكر كثيرا حتى لا تقع في الفخ الذي وقع فيه العراق خاصة وأن السياسة الإيرانية تميزت بالقدرة على المراوغة واللعب على الحبال والتناقض بين ما هو معلن وما هو خفي، بل لأن التجربة العراقية المريرة لا تزال حاضرة في العقل السياسي الإيراني.
لهذا لا أتوقع أن سياسيي طهران سينزلقون إلى منزلق حدوث الحرب وسيرضون بفرض الحصار عليهم ، و هو الخيار الذي يحظى برضا الغرب مما سيدفعهم إلى النظر إلى الأمر برمته بطريقة جادة، وسيدخلون معهم في مفاوضات ماراثونية قبل التوقيع على اتفاق نووي جديد غير الذي مزقه الرئيس ترامب ، وستتصرف بحذر لن يعهده أحد منها في ظل شعورهم بأن هناك مَن لن يتوانى عن ضرب مشروعهم في حالة تهاونهم عن الاستجابة للشروط الأمريكية الأثنى عشر والتي تعتبر نظريا أثنى عشر صاروخ نوويا أطلقت عليهم لن يستطيعوا الافلات منها أو من أثارها ، كما أنها لن تغيب عن بالهم وهم يقومون بتنظيف حقل الألغام قبل أن يغادروا البلدان التي انتهكوا حرمتها واستباحوا سيادتها ، ولن يكرروا ما فعلوه في عهد ترامب ما فعلوه سابقا وسيكون لديهم أوراق كثيرة للتضحية بها وهو أمر ضروري ومطلوب في هذه المرحلة للنجاة وللخروج من عنق الزجاجة وأسهل وأرخص هذه الأوراق طبعا الحوثي .
المصدر: بوابة مصر 11