نظـــرة حديثة إلى الإنسان
لمناسبة الذكرى الثالثة والخمسين لتأسيس منظمة مجاهدي خلق الإيرانية
بقلم: هدى مرشدي ـ كاتبة ايرانية
إذا أعدنا النظر في هذه الأيام إلى الوراء ونلقي نظرة فاحصة ومتأملة ومن فوق، سنجد أن تقدم
المجتمع والإنسان بأكمله يتحرك بوتيرة عالية للغاية نحو الاستغلال المبطّن والمعقّد. نوع من الاستثمار
الذي قد لا يُرى للوهلة الأولى، ولكن مع قليل من التفكير سنكتشف عمق كارثة الإنسانية، وفي مقدمة
وذروة هذه الرؤية، نجد النظرة السلعوية تجاه المرأة في المجتمع.
نظرة قصيرة وعابرة
ربما يكون من الأفضل، إلقاء نظرة قصيرة وعابرة على الرؤية القائمة حيال المرأة منذ القدم ولحد الآن.
في المجتمع الأنثوي (المجتمع الأمومي) حيث تتمحور فيه السلطة للإناث، كانت أعلى رتبة دائما
للنساء. على سبيل المثال، خلال الفترة التي كان الرجال منهمكين في الصيد والقتال، طورت النساء
أكثر الأدوات الأساسية وأساليب العمل والتقنيات لتطوير التقدم الاجتماعي. إنهن وصلن من جمع
الغذاء، تدريجيًا إلى زراعة الخضروات والنباتات، ثم الزراعة. من صناعة الفخار والجلود والمنسوجات
المنزلية وغيرها من أعمال اليد، أرسين أسس علم النبات والكيمياء والطب والتخصصات العلمية
الأخرى.
وهكذا، لم تكن النساء العاملات والمزارعين المحترفين الأوائل فحسب، بل أيضاً من خلال العمل المتنوع
الذي كن على عاتقهن، وصلن إلى تربية صلاحياتهن الفكرية والعقلية، وبدأن تعليم المهن وغيرها من
التراث الثقافي للأجيال القادمة.
لكن ما هو سرّ نجاح المرأة في هذه المجالات؟
كان السرّ وراء نجاح المرأة في القيام بأدوار كهذه هو أنها تعاونت معاً والعمل معاً.
عندما نفحص النظريات المختلفة للمجتمع الأمومي، مثل نظرية بريفولت والإنجلز، نرى أن النساء لم
يكنّ فقط ربّات البيت، ولكن أيضا المبتكرات والمبدعات والحارسات الآولى للمنظمات الاجتماعية
للبشرية. أي أن دورهن في الأسرة والمجتمع كان وزنًا ثقيلًا وشاملًا.
في الفترة التالية، دخل النظام الأبوي (البطريركية) المجتمعات وأصبح بارزًا. و وفقا لمبدأ الأبوة، فإن
ملك كل رجل قد ورثه ابنه. تم إبداع هذا المبدأ من قبل الأرستقراطيين. كان هؤلاء الأرستقراطيين دعاة
للنظام الأبوي، الذي شمل معظم الطبقة الغنية والمرفهة من المجتمعات في ذلك الوقت.
في فترة نظام الأب، كانت الممتلكات للأب نفسه. وفي الأسرة، كانت تترك من الأب إلى الابن. وقبل
الزواج، كانت الاناث في الأسرة تحت وصاية والدهن، ثم يتحمل الزوج مسؤولياتها. لذلك، لم تكن قوة
الرجل وهيمنته بسبب أي خصائص بيولوجية أو بدنية أو روحية للرجال والنساء. بل انها نشأت من
مصدر اقتصادي اجتماعي، أي احتكار ملكية الأموال والميراث من خلال العائلة الأبوية!
نظرة إلى قيم المجتمعات في القرن الحاضر
واحدة من أكثر وجهات النظر شيوعًا في المجتمعات الحالية في عصرنا هو أن المرأة هي من النوع
الرديء. وسبب هذا النوع من الرؤية هو العجز وكيفية الرؤية التي شُكلت حيالها. ووفقاً لهذه الرؤية،
يتعين على المرأة البقاء في المنزل لأنها بحاجة إلى رعاية أطفالها و نتيجة لذلك، مكان المرأة في
المنزل.
والشخص الموجود في المنزل هو في الواقع كائن من الدرجة الثانية. على عكس الرجال، الذين
يقودون الاقتصاد والسياسة والحياة الروحية، وبذلك يعتبرون من النوع الأعلى.
وفي هكذا رؤية، تُخصّص جميع الشؤون الحاسمة إلى الرجال. لديهم قوة التوجيه وصنع القرار
والمخاطرة واتخاذ الخطوات في المجالات الصعبة، والمجالات العلمية المثيرة والسياسية والثقافية
والاجتماعية والتاريخية، في حين أن المرأة، كموجود ما وراء الرجال، غالباً ما تلعب الدور «المكمل».
أين جذور هذا التمييز؟
لدراسة جذور هذه الرؤية، نحن بحاجة إلى فهم المفاهيم الأساسية لمثل هذه العقلية.
نحن نواجه مفهومين. جنس واحد والتحيّز الجنسي (الفكرة الذكورية).
الجنس نابع من الخَلق، وهذا يعني أنه رجل والآخر امرأة. مع خصائص فيزيائية مختلفة في كل منهما.
لكن التحيز الجنسي (الفكرة الذكورية) صنعه التاريخ.
التحيّز الجنسي خلقته الطبقات الاجتماعية، والاضطهاد، والاستغلال.
لقد حاولت القوى الرجعية والانتهازية دائما الخلط بين هاتين المقولتين. هؤلاء سعوا لترسيخ هذه
النظرية بأن الرؤية السلعوية ودونية المرأة، ناجمة عن طبيعتها! وفي المقابل، يعتقدون أن اعطاء
الأهمية للرجال وأدواراً سلطوية لهم، يأتي بسبب طبيعتهم.
في حين أن وجهة النظر الأنثروبولوجية الواقعية، التي تضع الأساس على مساواة البشر، تقول العكس.
في هذا الرأي، الرجال والنساء مختلفون في الخَلق، ولكن من حيث النظر اليهما لا اختلاف بينهما. كما
جاء في القرآن الكريم، فإن الناس متساوون عند الله وفرقهم في مقدار فضيلتهم. (ان أكرمكم عند الله
أتقيكم).
لذا، على من يريد قلب هذه الرؤية رأسا على عقب، أن يعلم أن هناك فرقًا كبيرًا بين الجنس والتحيز
الجنسي (الفكرة الذكورية). هناك اختلاف بيولوجي ولا شك في ذلك. لكن الاختلاف الأيديولوجي
والأنثروبولوجي، لا؛ إطلاقا.
في منظمة ثــورية
في حركة ثورية تتعهد بإسقاط ديكتاتور عصرها، فإن أهم قضية لها هي معرفة العدو الرئيسي في
مجمله. أي، في الخطوة الأولى، يجب معرفة العدو، ثم خوض النضال بكامله ضده، سواء في الأشكال
أو في المحتوى. أي أنه يجب أن يتم محاربة النظام بكامل هيكله وأفكاره وعقليته، وليس مجرد رفع
السلاح والدخول إلى ساحة النضال. من أجل محاربة أكثر الأنظمة دجلًا في عصرنا، أي خميني وبكامل
أيديولوجيته، يجب عليه أولا التعرف عليه ثم البحث عن السلاح ضده بكامل أبعاده.
في منظمة مجاهدي خلق الإيرانيــة ( MEK )
لدى منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، التي راحت تمر عليها بعد أيام الذكرى الثالثة والخمسين من
تأسيسها، خبرة طويلة في هذا المجال. المنظمة بدأت نضالها الرسمي في عام 1965، وبعد الثورة
المناهضة للشاه في عام 1979، خاضت المنظمة مرحلة جديدة إثر خطف هذه الثورة من قبل أكثر
الدكتاتوريات دجلا في عصرنا هذا.
بدأت المنظمة، في عام 1984، دراسة استنتاجية، أدت في النهاية إلى تحول كبير في المنظمة.
وتوصلت المنظمة في نهاية المطاف أن دور المرأة لا ينطبق مع قدراتها وتحملها المسؤوليات. كانت
المنظمة تعتقد أن هذه نتيجة عشوائية ومن آثار الفكرة الذكورية التي تبلورت على هذا الشكل. وكانت
المنظمة تعتقد أنه ونظرا الى أن السمة الرئيسية والبارزة للجمهورية الاسلامية وعقلية الخمينية
«مقارعة النساء»، فعليهم أن يكونوا في النقيض من ذلك ويجب أن لا يكون لديهم أي شيء مشترك
معه. و توصلوا إلى استنتاج مفاده أن النساء يجب أن يفتحن الطريق في قيادة الحركة.
تمكنت «معركة الفكر» من الحفاظ على كيان المنظمة والحركة لحد اليوم وفي أعلى مستوياتها. من
بين مراقبي المشهد الإيراني، هناك العديد من المفكرين والمتتبعين يبحثون عن سبب بقاء مجاهدي
خلق وحركة المقاومة الإيرانية في أعقاب أكثر العواصف والخطوب التي مرت في عصرنا. إذا كنت
تسألهم، فهم يفسرون سر البقاء في هكذا تغيير في الفكر والتحول من التمييز إلى التحرر والمساواة.
وهذا هو أكبر وأثمن هدية منهم للمواطنين المضطهدين في بلادهم.
تغييــر الـــرؤية
تنوي مجاهدي خلق التغيير في مجمل الفكر والأيديولوجية والنظرة إلى الهوية الحقيقية للمرأة.
هذه النظرة لا علاقة لها بكونك رجلاً أو امرأة، بل هي نابعة من العلاقات والثقافة التي تتجسد جميعها
حول الملكية. أي في جانب يعتبر الاستغلال حقًا طبيعيًا، وفي جانب آخر فإن كونك مُستَغَلًا هو العقلية
المسيطرة.
يجب القضاء على هذه النظرة والعلاقات الاستغلالية، كل شخص حرّ يملك نفسه وفكره الحر.
أي يجب أن يتحول القلب والعقل لكي تحتله القيم الإنسانية.
وهكذا يختار مجاهدو خلق، رجالًا ونساءً على حد سواء، وعلى وعي تام ودفع الثمن وبذل الغالي
والنفيس، طريقهم ويعقدون العزم لإسقاط نظام الملالي الدكتاتوري والمتخلف في مجملها، وسوف
يصقلون سلاحهم الفكري من أجل مستقبل مشرق.