قلاع الرعب.. السجل الوحشي لسفارات إيران في أوروبا (2-1)
أوكار جواسيس بوجه دبلوماسي
افتقر النظام الثيوقراطي الذي وصل إلى السلطة في إيران العام 1979 إلى القدرات التاريخية
والسياسية والاجتماعية لتلبية احتياجات الجالية الإيرانية، وحافظ على قبضته على السلطة بالقمع
الداخلي ونشر التطرف والإرهاب في الخارج.
وعلى الرغم من أن الإرهاب كان في جدول أعمال النظام منذ بدايته، إلاّ أن هزيمته في الحرب مع
العراق العام 1988 منحته مكانة أعلى في النظام الحكومي وأُضفي عليه الطابع المؤسسي ليمثل أداة
لفن الحكم وأُدرج ضمن مسؤوليات مؤسسات معينة.
ولم يكن الإرهاب أداة لقمع المعارضة واستمرار النظام في الحكم فحسب، بل كان وسيلة لإملاء
وتعزيز سياستها الخارجية على الصعيد الدولي.تفجير في ألمانيا.. واغتيال في البانيا.. وتصفية في النمسا
دعم الإرهابيين
لقد أكّدت عدة محاكم أوروبية وقرارات قضائية أن جميع الأعمال الإرهابية التي يقوم بها النظام تصدر
من المجلس الأعلى للأمن القومي، وهو أعلى جهاز أمني وطني في النظام ويرأسه الرئيس، ويوافق
على جميع هذه الأوامر المرشد الأعلى للنظام.
وتوفّر السفارات الملاذ الآمن لأجهزة الاستخبارات والإرهابيين، وبالتالي فإنّها تلعب دوراً خاصاً في
تنظيم وتنفيذ الأعمال الإرهابية، وينطبق هذا بشكل خاص على السفارات الأوروبية.
وتقوم وزارة المخابرات التابعة للنظام بإنشاء مراكز الاستخبارات في السفارات بشكل منهجي
لاستخدامها للحصانة الدبلوماسية وتوفير جوازات السفر الدبلوماسية للإرهابيين، فضلاً عن الطرود
الدبلوماسية لنقل الأسلحة والمعدات والأموال النقدية للإرهابيين.
واستخدم وكلاء وزارة الاستخبارات والأمن، في السنوات التالية، قوة القدس، الغطاء الدبلوماسي
والحصانة عند انتشارهم في سفارات النظام، وهناك قاموا بدور القيادة والاستخبارات واللوجستيات
وقدموا الدعم المالي للعمليات الإرهابية.
تفجيرات أوروبا
وبعد عشرات العمليات الإرهابية في الدول الأوروبية على مدى عشرين عاماً، وبعد اغتيال العديد من
شخصيات المعارضة، مثلت محاكمة ميكونوس في 1997 نقطة تحول، فقد أدانت اغتيال أربعة من
قادة جماعات المعارضة الكردية في مطعم ميكونوس في برلين العام 1992، وحكمت المحكمة
الفدرالية أنّ الإرهاب مُدبّر من قبل لجنة العمليات الخاصة” السرية في طهران التي ضم أعضاؤها
علي خامنئي، زعيم النظام، وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس آنذاك، وعلي أكبر ولايتي، وزير
الخارجية آنذاك.
وفي وقت لاحق وخلال اجتماع الشؤون العامة في لوكسمبورغ، قرّر الاتحاد الأوروبي أن يضمن عدم
منح تأشيرات للإيرانيين الضالعين في مهام استخباراتية وأمنية، واستبعاد موظفي الاستخبارات الإيرانية
من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لذلك قام النشطاء الإيرانيون بإنشاء خلايا نائمة وأبقوا على
مراكز الاستخبارات في سفارات النظام، وواصلوا نشاطهم التجسّسي ضدّ المعارضة والدول الغربية،
وظلّوا على استعداد لتنفيذ مؤامراتهم الإرهابية متى وحيثما كان ذلك ضروريًا.وتبين التقارير السنوية
المقدمة من دوائر الاستخبارات الألمانية والهولندية بعد العام 1997 استمرار هذه الأنشطة.
نشر الإرهاب
وفي أعقاب هذا التغيير، استمرت الأنشطة واتّسع نطاق العمليات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط
ولا سيما في العراق، من 2008، وأطلق النظام أنشطته الإرهابية في الدول الآسيوية والإفريقية، بما
في ذلك تركيا وجورجيا والهند وماليزيا وتايلاند وكينيا.
وفي 2011، أعلنت وزارة العدل الأميركية أن الحرس الثوري الإيراني خطط لاغتيال عادل الجبير،
بالمتفجرات. واتّهمت الوزارة منصور ارباب سيار وقائد كبير بقوة القدس التابعة لفيلق الحرس الثوري.
واعترف ارباب سيار بأنه مذنب، وحكم عليه بالسجن لمدّة 25 عاماً.
ودخل الإرهاب الذي ترعاه الدولة الايرانية مرحلة جديدة في أوربا وهو يسير في اتجاه تصاعدي منذ
2015 بأكثر من 10 عمليات إرهابية في أوروبا وآسيا.
وكانت المؤامرة الإرهابية الأخيرة والأكثر أهمية في أوروبا هي تفجير المؤتمر العام للمقاومة الإيرانية
في باريس في يونيو الماضي، الذي أحبطته دوائر المخابرات الأوروبية.
تفجير اجتماع باريس
ومثلت سفارة النظام في فيينا، واحدة من المراكز الإرهابية الرئيسية في أوروبا، فقد مثلت مركز
استقطاب لوكلاء وزارة الاستخبارات والأمن في أوروبا.
وفي يونيو الماضي، ألقت الشرطة البلجيكية القبض على زوجين بلجيكيين من أصل إيراني في ضواحي
بروكسل بحوزتهما 500 غرام من المتفجرات من طراز tatp في حقيبة مستحضرات تجميل نسائية
لاستهداف التجمع الإيراني الكبير في باريس، الذي عُقد بحضور مئات الشخصيات الأميركية والأوروبية
والشرق أوسطية.
وفي يوليو، ألقت السلطات الألمانية القبض رئيس قسم الاستخبارات في سفارة النظام في فيينا أسد
الله أسدي، الذي كان مسؤولاً عن العملية، ووفقاً لما جاء في إشعار المدعي العام الاتحادي الألماني،
فقد سلّم أسدي شخصياً القنبلة للزوجين في لوكسمبورغ.
مركز الجواسيس
إنّ الوجود الهائل لعملاء النظام الإيراني في النمسا مسألة معروفة جيداً على الصعيد الدولي وبعض
هؤلاء الجواسيس إيرانيون وبعضهم من مواطني بلدان أخرى.
وقدّرت مكتبة أبحاث الكونجرس الأمريكي عدد جواسيس طهران في النمسا بحوالي 100 شخص.
ولسفارة إيران في فيينا تاريخ طويل مع الإرهاب، ففي العام 1989، قُتل الأمين العام للحزب
الديمقراطي الكردستاني في إيران، عبدالرحمن قاسملو، مع اثنين آخرين من الأكراد خلال مناقشات مع
نظام الملالي في فيينا.
وقد قام بهذا الاغتيال قسم الاستخبارات التابع للحرس الثوري الإيراني بقيادة محمد جعفر صحرارودي،
قائد مخابرات العمليات الإقليمية التابعة للحرس الثوري الإيراني، وأصبح فصيل “رمضان” في الحرس
الثوري الإيراني قوة القدس.
ووفقاً لبعض التقارير، أُحضر المُسلّحون إلى مكان الاجتماع وموقع الاغتيال على متن سيارة السفارة
الإيرانية في فيينا التي كانت مسؤولة عن توفير اللوجستيات لهذه العملية.
مجاهدو خلق
وفي أعقاب الهجمات الصاروخية والمذابح التي تعرّض لها أعضاء منظمة مجاهدي خلق(PMOI) على
أيدي عملاء النظام الإيراني في العراق العام 2013، وبعد أن بدأت الحكومة الألبانية باستقبالهم في
العامنفسه، أرسلت وزارة الاستخبارات والأمن عملاءها الاستخباراتيين إلى سفارة النظام في ألبانيا،
ونظراًلكون ألبانيا بلداً صغيراً جداً، فلم يكن للسفارة الإيرانية أكثر من اثنين أو ثلاثة دبلوماسيين سواء
خلال عهد الشاه أو الجمهورية الإسلامية، لكن بعد أن أقام هناك أعضاء من منظمة مجاهدي
خلق(PMOI)، أصبحت سفارة الملالي في ألبانيا واحدة من أهم السفارات الإيرانية في أوروبا.
وقد أقام عميل وزارة الاستخبارات والأمن فريدون زندي علي عبادي أول محطة استخبارات في سفارة
النظام في ألبانيا وكان رئيساً للمحطة من أوائل 2014 إلى 2017، وكانت مهمته الرئيسة جمع
المعلومات عن أعضاء منظمة مجاهدي خلق(MEK) وتحديد مكان وجودهم في ألبانيا.
وفي 2016، أصبح النائب الدولي لوزارة الاستخبارات والأمن، غلا محسين محمدنيا، سفيراً للنظام في
ألبانيا، وأصبحت السفارة تخضع بصورة متزايدة لسيطرة وكلاء وزارة الاستخبارات والأمن.
وفي 2017، أصبح مصطفى رودكي، الذي كان مسؤولاً عن مركز الاستخبارات في سفارة النظام في
النمسا، رئيساً لمركز الاستخبارات في ألبانيا لتعزيز عمليات التجسس والأنشطة الإرهابية ضد منظمة
مجاهدي خلق في هذا البلد.
وأحبطت الأجهزة الأمنية في ألبانيا مؤامرة إرهابية خططت لها وزارة الاستخبارات والأمن ومحطة
المخابرات التابعة للنظام في ألبانيا ضد منظمة مجاهدي خلق(MEK) عشية الاحتفال بالسنة الإيرانية الجديدة
في مارس الماضي.
وفي إبريل الماضي، أشار رئيس الوزراء أدي راما إلى التهديد الذي تشكله هجمات النظام الإرهابية قائلاً
إن الحكومة الألبانية والدول الأوروبية الأخرى اتخذوا إجراءات ضد المؤامرات الإرهابية.
وفي يوليو من العام الحالي، أعلنت وزارة الخارجية الأميريكية أن السلطات الألبانية اعتقلت عميلين
إيرانيين بتهم الإرهاب في 22 مارس.
ووفقاً لما ذكره مسؤولو الشرطة البلجيكية، فإنّ الشرطة وأجهزة الاستخبارات الألبانية من بين البلدان
المشاركة في العملية المشتركة للقبض على أسد الله أسدي وإحباط المؤامرة الإرهابية ضد تجمع
المعارضة الإيرانية في باريس.
ألمانيا تعاني
وفي ألمانيا تضطلع السفارة الإيرانية في برلين بمهمة غاية في الأهمية بالنسبة لأجهزة الاستخبارات،
فقبل الإعلان عن حكم ميكونوس في 1997، تم تنسيق جميع الأنشطة التجسسية والإرهابية لمركز
وزارة الاستخبارات والأمن في أوروبا من سفارة النظام التي كانت في ذلك الوقت تقع في بون.
ووفقاً للتقرير السنوي للمكتب الاتحادي لهيئة حماية الدستور في ألمانيا، فإنّ المهمة الرئيسة لسفارة
النظام هي أنشطة التجسس ضدّ عناصر المعارضة لا سيما المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية
ومنظمة مجاهدي خلق(MEK).
وينص التقرير الذي نُشر في العام 1999 على أن منظمة مجاهدي خلق (MEK) والمجلس الوطني للمقاومة (NCRI)
الإيرانية هما في صميم مؤامرات جهاز المخابرات الإيراني.
ويقول تقرير آخر لمكتب حماية الدستور في شمال الراين وستفاليا: أنشطة إيران الاستخباراتية في
شمال الراين وستفاليا كما هو الشأن في سائر ألمانيا، تصدر أساساً من وزارة الاستخبارات والأمن وهي
دائرة الاستخبارات المدنية المحلية والأجنبية لجمهورية إيران الإسلامية.
وتتابع وزارة الاستخبارات والأمن عمل قوى المعارضة الناشطة في المنفى، وخاصة منظمة مجاهدي
خلق وذراعها السياسي المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الممثلة بقوة في شمال الراين وستفاليا.
وتحاول وزارة الاستخبارات والأمن متابعة تحركات المعارضة في المنفى بالتسلل وتشويه سمعتها بالدعاية الموجّهة.
وقد نفذت هذه السفارة العديد من الأعمال الإرهابية، ومنها اغتيل الأمين العام للحزب الديمقراطي لكردستان الإيرانية، صادق شرفكندي، مع ثلاثة أعضاء آخرين من فريقه في برلين.
وكانت المحكمة الفدرالية في برلين قد أعلنت أن السلطات العليا في طهران أصدرت مرسوماً يأمر بالاغتيال.
وفي كان للدبلوماسيين الإيرانيين خطه لاغتيال مريم رجوي خلال تجمّع كبير للإيرانيين في دورتموند. وقال مسؤولون أميركيون أن ألمانيا طردت اثنين من عملاء المخابرات الإيرانية من أراضيها بسبب أدلة على تخطيطهما لعمليات يمكن أن تكون قاتلة.
وفي وقت لاحق، تحدث علي أصولي إلى أحد أعضاء وزارة الاستخبارات في طهران وقال إن لديهم مؤامرة إرهابية خطيرة في دورتموند.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن وكالات المخابرات الأميركية والألمانية استنتجت أن إيران استخدمت سفارتها في بون كمقر غير رسمي لأجهزة المخابرات الإيرانية في أوروبا وكقاعدة لمراقبة 100 ألف مواطن إيراني في ألمانيا وشراء معدات عسكرية مفيدة.
وفي 2016، أعلن المدّعي العام الألماني أن رجلاً يدعى ميثم بناهي قد اُلقي عليه القبض بتهمة التجسس ضد مجاهدي خلق. وكان بناهي قد تلقى مبالغ مالية من وزارة الاستخبارات والأمن في 30 مناسبة على الأقل من مسؤول رفيع المستوى في الوزارة. وحكم عليه بالسجن لمدة سنتين وأربعة أشهر.
وفي 7 يوليو 2016، أعلن مكتب المدعي العام الألماني اعتقال مواطن باكستاني بتهمة التجسس
لصالح إيران.
وفي يناير الماضي، قامت القوات الخاصة الألمانية بمداهمة 10 أهداف يزعم أنها تخص عملاء تابعين
لقوة القدس في ولايات بادن فورتمبيرغ وشمال الراين وستفاليا وبافاريا وبرلين
أسد الله أسدي ترأس خلية خططت لتفجير مؤتمر المعارضة الإيرانية بباريس
المصدر: الرياض – خاص