الانتخابات اللبنانية مكاسب نحو النصر
حققت القوى الوطنية اللبنانية وتيار السابع عشر من تشرين مكاسب نوعية كبيرة في الإنتخابات النيابية اللبنانية وأوقعت من خلال تلك المكاسب خسائر فادحة بحلف إيران سوريا والإقطاع السياسي! فهل تنتصر القوى الوطنية والتشرينية في معركتها السياسية مع الإقطاع السياسي، وماذا يتعين على تلك القوى لإكمال لمسيرة النهضة والإصلاح السياسي والإداري والإقتصادي في لبنان.. وهل ستتحلى تلك القوى بالمسؤولية وتضحي من أجل أن تتمكن من إكمال مسيرتها والإحتفاظ بمكاسبها محولة إياها إلى نصر دائم.. هذا ما ستثبته الأيام والمرحلة المقبلة؟
غرق لبنان البلد الجميل بموقعه ومناخه وطباع أهله في مستنقع الإقطاع السياسي والصراعات والنمطية الطائفية والطبقية لفترة طويلة من الزمن، وبعد أن خرج من آتون الحرب الأهلية التي أتت عليه وهجرت خيرة أبنائه ورؤوس أمواله حتى عاد وانكفأ في مستنقع الإقطاع السياسي المخزي الذي أباد إقتصاده وعطل مؤسساته وجوع شعبه وقضى على عملته وأضر ببيئته وسمعته كبلد متحضر، ولم تكن محنة الشعب اللبناني وليدة التو واللحظة فهي عميقة عمق الأجيال المتلاشية والمتلاحقة وقد إعتاد عليها اللبنانيون واستسلموا لها كمرض مستعصي يصعب علاجه، وطاب ذلك للإقطاعيين السياسيين وتجار الأزمات حتى ترسخ لديهم إعتقاد ملكيتهم لكراسيهم ومناصبهم وإمتيازاتهم كنجوم أمراء لطوائفهم وفئاتهم التي لا ينتمون إليها وتخرج الجماهير لتحيي النجوم كفريضة تمثيل وخلاص لابد منه بين كل حين وآخر ولا تقبض تلك الجماهير من نجومها سوى الشعارات والفرص والحياة موزعة على أولي الحظوة من المعاونين وحملة الأسرار والمتملقين وشركاء الجرائم، واستسلم الشعب للكد والكفاح من أجل المعيشة بعد يأسه من الإصلاح.
الضارة النافعة
ويبدو أن كافة ما مر به الشعب اللبناني من مصائب وكوارث لم يكن كافيا للقيام على الإقطاعية السياسية وقلب الطاولة بما عليها وتحطيمها على رؤوسهم حتى جاءت كارثة تفجير مرفأ بيروت وما لها من تبعات قاسية وهي الضارة النافعة التي أيقظت الشعب اللبناني من غفلته وتغافله عن الإقطاعية السياسية المهلكة للبلاد والعباد فكانت كارثة المرفأ هي المحرك الاساسي الثابت لنهضة الحراك التشريني في لبنان لحراك الذي قاده جيل الشباب اللبناني منذ عام 2019 ليثمر اليوم عن مكاسب كبيرة ونوعية لتيار 17 تشرين وهو حراك مدني مستقل ورافض لكافة الأحزاب المتواجدة على الساحة اللبنانية الذي وُلِدَ من رحم معاناة الشعب اللبناني وحاز اليوم على حوالي 14 مقعدا من مقاعد البرلمان اللبناني في أول مشاركة لهذا التيار بالإنتخابات النيابية والعملية السياسية اللبنانية.
وفق المنطق السياسي يعد فوز القوى التشرينية وحزب القوات اللبنانية والقوى الوطنية الأخرى مكسبا ولا يعد نصرا وتكمن الحكمة هنا في كيفية تحويل المكسب إلى نصر دائم يبدأ من الإصطفاف في السلطة التشريعية ووصولا إلى ضمان سلامة وتنفيذ القرارات على أرض الواقع وانتهاءا بتثبيت العملية السياسية في لبنان وإعادة لبنان سيداً آمناً مستقلاً متعافياً وشامخاً إلى سابق عهده، ومتحررا من لغة وثقافة الإنتماءات الضيقة ليحل محلها لغة المواطن المستظل بخيمة المواطنة الرحبة.
ولأجل تحويل مكاسب هذه القوى الوطنية الفائزة إلى نصر حقيقي يؤدي إلى خلاص وإنقاذ الشعب هناك عدة أمور لابد منها وهي على النحو الآتي:
1. أن تدرك هذه القوى بأنها ولبنان جزءا لا يتجزأ من أزمة إقليمية أساسها نظام الملالي وأذرعه بالمنطقة، لابد أن يتكاتف الجميع من أجل مكافحة هذه الأزمة والتخلص منها وذلك بالتعاون مع الشعوب والدول المتضررة من هذه الأزمة فبقاء القوى ذات الإنتماءات الخارجية على حالها مع من تواليه أمر يهدد هذه المكاسب بالزوال.
2. أن تدرك هذه القوى بأن نظام الملالي الذي يهيمن على العملية السياسية في لبنان من خلال حزب الله وشركائه هو أساس نكبة لبنان وشعوب ودول المنطقة كإيران والعراق وسوريا واليمن، وها هو الشعب العراقي شريككم التشريني منتفضا، وها هو الشعب الإيراني ينهض بثورة عارمة في جميع أرجاء إيران من أجل القضاء على نظام الملالي وقطع ماء الحياة عن أذرعه بالشرق الأوسط وهذا يتطلب من كافة شعوب المنطقة وقواها السياسية الحرة أن تتضامن فيما بينها وتؤازر على الأقل الشعب الإيراني في ثورته المشتعلة على الرغم من القمع الوحشي الشديد الذي يتعرض له في ظل تعتيم إعلامي إقليمي ودولي وانقطاع الإنترنت في أغلب المناطق الثائرة.
3. أن تدرك هذه القوى بأن التضحية والتضامن والتكاتف فيما بينها أمر لا خيار فيه ولا مناص عنه من أجل تشكيل شرعية نيابية تقطع الطريق على النظام الإيراني وأعوانه ومشاريعه ومخططاته في لبنان، وتكون بنية أساسية للنصر والإزدهار في لبنان.
4. أن تدرك هذه القوى بأن خدمة الشعب والوطن هي الوسيلة الوحيدة لضمان استمرارية النصر والتقدم لهذه القوى السياسية الحديثة العهد والمخضرمة.
5. أن تدرك هذه القوى بأن مواجهة الخصوم يبدأ ببنية فكرية وطنية نقية موجهة نحو محو واستئصال كافة أشكال الفكر العنصري والفكر المتطرف سواء كان على المستوى الديني أو العرقي، وعليه يجب محاربة كافة قوى الإرهاب والتطرف.
ختاما هنيئا لـ لبنان الشامخ وشعبه وقواه الوطنية بهذا النصر وهذا التحول الإجتماعي والسياسي الكبير في مواجهة نمطية العمالة الفجة والإقطاعية السياسية والفساد السياسي والإداري والإقتصادي الذي ضرب لبنان وقضى على بنيته التحتية وأسسه التنموية.. وعشتم وعاش لبنان سالما موحدا كريما منعما.
وإلى غدٍ أفضل