الأزمات الاقتصادية هي السبب الكامن وراء الاحتجاجات، لكن لماذا يستهدف الشعب الإيراني مسؤولي النظام؟
في الخامس من يونيو/ حزيران، الذكرى السنوية لوفاة مؤسس نظام الملالي روح الله الخميني، أعرب جميع مسؤولي النظام، بداية من المرشد الأعلى علي خامنئي إلى القادة العسكريين في القرى الريفية، عن قلقهم إزاء الاحتجاجات المستمرة في إيران. فقد كشفت تصريحاتهم المنسقة عن خوف النظام من المجتمع المتقلب وتأثير المعارضة الإيرانية على التطورات الداخلية للبلاد.
في أقل من يوم واحد، نظمّ المتقاعدون وأصحاب المعاشات من منظمة الضمان الاجتماعي الإيرانية احتجاجًا على مستوى البلاد للتنديد بمسؤولي النظام. مع ترديد المواطنين لشعارات ضد رئيس النظام إبراهيم رئيسي، أثبتت هذه الاحتجاجات أن خوف الملالي له أساس من الصحة. وقد أشارت التقارير الواردة من إيران إلى سلسلة أخرى من الاحتجاجات في العديد من المدن الإيرانية يوم الثلاثاء 7 يونيو/ حزيران.
وأظهرت مقاطع فيديو من عشرات المدن الإيرانية، من بينها مدينة تبريز، مئات المتظاهرين وهم يرددون شعارات مثل “الموت لرئيسي” و “لا يمكننا الحصول على حقوقنا إلا من خلال النزول إلى الشوارع”.
بعد حرمانهم من معاشاتهم التقاعدية الضئيلة، طالب المتقاعدون الإيرانيون وأصحاب المعاشات بأن تكون رواتبهم متناسبة مع نسب التضخم وارتفاع الأسعار.
حسبما أقرّت صحيفة “شرق” في 6 يونيو / حزيران، أنه” بحسب مركز الإحصاء الإيراني، فإن التضخم يقترب من 38.7 بالمئة، لكن وفقًا للإحصاءات غير الرسمية فإنه يقترب من 50 بالمئة. كما وصلت سلة الكفاف للأسر الإيرانية إلى أكثر من 120.000.000 ريال. وفي الوقت نفسه، بالكاد تغطي المعاشات سوى ثلث نفقات معيشة المتقاعدين. ومع ذلك، فإن الحكومة أرجأت تنفيذ زيادة رواتب ومعاشات ثمانية ملايين متقاعد.”
في حين أن المواطنين بالكاد يستطيعون كسب لقمة عيشهم بسبب الارتفاع الهائل في الأسعار، أزالت حكومة رئيسي “سعر الصرف التفضيلي” المستخدم لاستيراد السلع الأساسية بأسعار أقل، مما تسبب في زيادة أخرى في تكاليف المعيشة.
بالتزامن مع تزايد القمع في مواجهة الاحتجاجات المتزايدة، يقوم رئيسي ووزرائه بالإدلاء بعدد من التصريحات السخيفة، مثل القضاء على الفقر في أسبوعين، والأمر بوقف ارتفاع التكاليف، ودعوة الإيرانيين إلى التقشف! هذه المحاولات اليائسة لقمع المجتمع الإيراني المضطرب أصبح موضع سخرية، حتى من قبل وسائل الإعلام التابعة لنظام الملالي نفسه.
وفي هذا الصدد، كتبت صحيفة مستقل الحكومية في السادس من يونيو/ حزيران “يجب على المسؤولين ترك حياتهم الفخمة أولًا، وبعدها يمكنهم دعوة الناس إلى التقشف الاقتصادي. فلا يمكننا وقف ارتفاع الأسعار عن طريق إصدار الأوامر. كما أن التضخم لا يستجيب لمثل هذه الكلمات ويستمر في الارتفاع. والنظام الحاكم يتحمل كامل المسؤولية عن الوضع الحالي للمواطنين.”
الاحتجاجات اليومية من قبل المواطنين من جميع مناحي الحياة في جميع أنحاء البلاد هي أوسع استعراض لحالة الاستياء وشهادة على المجتمع الإيراني المتقلب. لقد ترك النظام المواطنين في حالة من الفقر المدقع بينما ينعم مسؤولو النظام بحياة البذخ ويبذّرون الثروة الوطنية على الإرهاب. لم يرفض النظام معالجة مظالم الناس فحسب، بل كثفّ من إجراءاته القمعية. وعندما طالب الفلاحون في أصفهان بحقهم في مياه الري، هاجم النظام اعتصامهم وأطلق عليهم النار ببنادق الخرطوش. وحينما نزل أهالي آبادان إلى الشوارع حدادًا على أحبائهم الذين لقوا حتفهم بعد انهيار برج ميتروبول، فتحت قوات أمن النظام النار عليهم. وقد أضافت هذه الإجراءات بالفعل إلى حالة المجتمع المتفجرة، كما ظهر في الاحتجاجات الأخيرة.
منذ انتفاضة نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، بالكاد يمكن للمرء أن يجد احتجاجا “اجتماعيًا” لا يتضمن شعارات مناهضة للنظام. يتعين على المواطنين تحمل العديد من المصاعب الاقتصادية وإجراء مظاهرات للمطالبة بحقوقهم، ولكن في أقل من بضع ساعات، بدأوا في الهتاف ضد كبار مسؤولي النظام.
تشير هذه الحقيقة إلى نقطة تحول في الحركات الاجتماعية الإيرانية. بمعنى آخر، لم يعد المواطنون يعتبرون مشاكلهم الاقتصادية أو افتقارهم للحرية قضايا منعزلة يسببها الأفراد. فهم يرون النظام برمته وراء الأزمات وحالة البؤس التي يعيشونها ويستهدفون قلب المشكلة.
وقد تسبب هذا في ضجة كبيرة في النظام، مما دفع المسؤولين ووسائل الإعلام الحكومية إلى التحذير من “عواقب” هذه الاحتجاجات وكيف يتأثرون بالمعارضة الإيرانية أو “عدو” النظام.
وقد صرّح وزير المخابرات إسماعيل خطيب في 5 يونيو / حزيران، حسبما نقله موقع “انتخاب” الحكومي، “يعتمد العدو (منظمة مجاهدي خلق الإيرانية) بالدرجة الأولى على الاحتجاجات والوضع الاجتماعي الراهن، فهدفهم الرئيس هو تنظيم وتوسيع هذه الاحتجاجات. العدو يحاول استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتشويه صورة الجمهورية الإسلامية. من سوء الحظ، فإن إعلام العدو ليس مزعجًا فحسب، بل له تأثير دائم على شبابنا.”
وكتبت صحيفة “شرق” الحكومية في 6 يونيو/ حزيران “إذا فشلت الحكومة في تلبية مطالب المتقاعدين، فسيكون هناك المزيد من الاحتجاجات، ويلعب العدو دوره، وعلينا أن ندفع ثمناً باهظاً”.
والسؤال هنا: هل يمكن لنظام الملالي الحاكم في إيران تجنب دفع هذا الثمن الباهظ؟