الوقت قد حان لكي تلغي بروكسل معاهدة تبادل السجناء مع نظام الملالي
على الرغم من الغضب الدولي بشأن معاهدة طهران وبروكسل، رفضت بلجيكا التراجع عن قرارها الخاطئ. وبحسب ما ورد تم التفاوض على المعاهدة المعنية في مارس / آذار، لكن لم يتم الكشف عن وجودها علناً حتى نهاية يونيو / حزيران. كانت السرية دليلًا على رد الفعل العنيف الذي كان متوقعًا ضد معاهدة تهدف بوضوح إلى تسهيل الإفراج عن دبلوماسي إيراني إرهابي كان مسؤولا تقريبًا عن أسوأ هجوم إرهابي حديث على الأراضي الأوروبية.
في عام 2018، كان أسد الله أسدي يشغل منصب المستشار الثالث في سفارة نظام الملالي في فيينا عندما قام بتهريب أكثر من 500 جرام من مادة TATP شديدة الانفجار ومفجر إلى أوروبا على متن رحلة تجارية. ثم قاد القنبلة الإيرانية الصنع إلى لوكسمبورغ في سيارة مستأجرة وسلمها لاثنين من المتآمرين، إلى جانب تعليمات حول كيفية استخدامها ومكان وضعها. كان الهدف المقصود من المؤامرة هو التجمع الدولي للمغتربين الإيرانيين، وكذلك المشرّعين الغربيين وخبراء السياسة الخارجية، والذي نظمّه المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بالقرب من العاصمة باريس.
لحسن الحظ، تم إحباط المؤامرة وتمت مصادرة المتفجرات قبل أن يتمكن عملاء أسدي من العبور من بلجيكا إلى فرنسا. ثم تم تفجير القنبلة جزئياً، وعلى الرغم من إنشاء محيط آمن، إلا أن ضابط شرطة بلجيكي لا يزال مصابًا في مكان الحادث. تم تحديد تفاصيل القوة التدميرية للقنبلة في وقت لاحق عندما تم تقديم أسدي للمحاكمة، وأشار الخبراء إلى أنه كانت هناك احتمالية مؤكدة لحدوث انفجار في مكان الهدف لقتل المئات، بما في ذلك بعض الوجهاء الغربيين الذين كانوا يجلسون بالقرب من موقع التفجير المخطط له.
كما أثبتت المحاكمة بوضوح أن أسدي لم يتصرف بمبادرة منه أو كونه من العملاء المارقين. حيث تعود جذور خطته إلى النظام، وتحديداً في مجلس الأمن القومي الأعلى، وهو الكيان الذي تتضمن قراراته بشكل روتيني مدخلات من كل من رئيس النظام ومرشده الأعلى. أكدّت هذه الحقائق على أهمية محاسبة أسدي على أفعاله، لكنها أثارت أيضًا دعوات لبلجيكا وحكومات غربية أخرى لمتابعة المساءلة على مستوى أعلى. لكن هذه الدعوات إلى العمل لم يتم الالتفات إليها أبدًا، وبدأ هذا التقاعس في تشجيع النظام.
لطالما كانت الإستراتيجية الغربية للتعامل مع نظام الملالي هي “الاسترضاء”، بناءً على الافتراض الخاطئ بأنه لا يوجد شيء يمكن كسبه من خلال مواجهة النظام مباشرة لأنه لا يوجد بديل قابل للتطبيق لديكتاتورية الملالي. هذا الخطأ معترف به من قبل صانعي السياسة الذين كانوا حاضرين في تجمع المجلس الوطني للمقاومة لعام 2018، وقد انتقدوا بشدة حكوماتهم لكونها غير حازمة بشكل كافٍ في التعامل مع نظام الملالي.
ينبغي الإشادة بالقضاء البلجيكي لمتابعته قضيته ضد أسد الله أسدي وإصداره في نهاية المطاف أقصى عقوبة بالسجن لمدة 20 عامًا في فبراير/ شباط 2021. في ذلك الوقت، كان من المفهوم أن قضيته يمكن أن تمهد الطريق لملاحقة مساءلة مماثلة من عملاء آخرين لنظام الملالي، لا سيما في ضوء حقيقة وجود قضية منظورة آنذاك في السويد ضد أحد أتباع نظام الملالي، والمتهم ليس بالإرهاب في الخارج، بل بارتكاب جرائم ضد الإنسانية داخل إيران.
في مايو / أيار، أنهت المحكمة السويدية تلك القضية بإصدار حكم بالسجن المؤبد على مسؤول السجن السابق حميد نوري لدوره في مذبحة 30000 سجين سياسي خلال صيف عام 1988. نوري هو أول شخص يواجه تبعات قانونية في أي مكان في العالم لعمليات القتل هذه، والتي استهدفت في الأساس أعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية. كانت إدانته أيضًا خطوة في الاتجاه الصحيح، وإن كانت مؤقتة، لكنها تأتي في وقت احتلّ فيه مشارك آخر رفيع المستوى في المذبحة منصب رئيس النظام.
كان تعيين إبراهيم رئيسي في ذلك المنصب في يونيو/ حزيران 2021 بمثابة تذكير مذهل بإفلات نظام الملالي من العقاب وآثار الاسترضاء الغربي. تمثل إدانة نوري تحديًا صغيرًا ولكن ذو مغزى لهذا الإفلات من العقاب، ولكن آثاره طويلة المدى أصبحت الآن موضع تساؤل بموجب معاهدة “نقل الأشخاص المحكوم عليهم”. على الرغم من أن المعاهدة نفسها لا علاقة لها بالسجناء في السويد، إلا أنها تثير تساؤلات حول ما إذا كان الإفراج المحتمل عن أسدي قد يكون جزءًا من نمط يشمل معتقلين إيرانيين آخرين مشابهين.
إذا تم إطلاق سراح أسدي، فمن المرجّح أن يكون مقابل عامل إغاثة بلجيكي كان نظام الملالي قد اختطفه كرهينة قبل محادثات المعاهدة مع بروكسل. لن يكون هذا هو التبادل الأول من نوعه، لكنه سيكون من بين أكثر عمليات التبادل غير المتوازنة، نظرًا لخطورة جريمة أسدي وحقيقة أن نظيره المفترض، أوليفييه فانديكاستيل، تم اعتقاله بتهم ملفقة بالتجسس، ثم تم احتجازه بشكل غير معتاد في ظروف قاسية مع عدم توفر الرعاية الطبية.
إذا كانت حالة أخذ الرهائن هذه تؤمّن إطلاق سراح إرهابي إيراني مُدان، فسيكون لدى نظام الملالي سبب كافٍ للافتراض أن حصانة النظام من العقاب لا تزال قائمة، وأنها تمتد حتى إلى عملاء استخبارات النظام الذين يعملون على تسهيل الهجمات على المعارضين والنشطاء في أوروبا و أمريكا الشمالية. لا يمكن أن يكون هناك شك في أن مسؤولي النظام سيبذلون جهودًا جادة لتأمين الإفراج عن حميد نوري بوسائل مماثلة، مما يؤدي إلى مزيد من التراجع عن حركة المطالبة بالعدالة التي حققت تقدمًا ثمينًا في السنوات الـ 34 منذ وقوع مذبحة عام 1988.
في الواقع، كان نظام الملالي يحاول بالفعل ممارسة الضغط على السويد من خلال تهديد حياة مواطن سويدي آخر متهم زوراً، وهو أحمد رضا جلالى. ستزداد حدة هذه التهديدات وما شابهها فقط إذا مضت الحكومة البلجيكية في إرسال رسالة مفادها أن مثل هذه الإجراءات من المرجّح أن تؤتي ثمارها. علاوة على ذلك، إذا استمرت هذه المكاسب، فستترك القوى الغربية خالية إلى الأدوات اللازمة لتثبيط وعرقلة التهديدات الإرهابية وغيرها من الأنشطة الخبيثة من قبل نظام الملالي.
بعد كل شيء، إذا كان الملالي ينظرون بالفعل إلى الإرهاب على أنه يخدم مصلحتهم الذاتية، فلماذا يترددون في إعطاء أوامر بشنّ المزيد من الهجمات إلى عملاء مثل أسد الله أسدي، مدركين أن القوى الغربية لن تحاسب نظام الملالي ولن تطالب حتى الإرهابي نفسه بقضاء عقوبته، كل مايتطلبه الأمر هو أن يأخذ النظام مواطنًا غربيًا آخر كرهينة؟
يجب على الحكومة البلجيكية أن تفهم ما ستخاطر به بإطلاق سراح أسدي. حتى إذا لم تحذو أي دول أوروبية أخرى حذوها في معاهدة تبادل الأسرى، فسيكون المسرح ممهدًا لنظام الملالي لاستخدام بلجيكا كمحور لاستهداف الدول المجاورة كما استهدف فرنسا في عام 2018.