نهضة المرأة بالثورة الإيرانية ثقافة لها جذور
سطور من نور للمرأة والشباب الإيراني في مسيرة هذه الثورة الملحمية الممتدة من عمق مائة عام في تاريخ الدولة الإيرانية المعاصرة إلى مستوى من النضج والرشد والأصالةِ مُتصلٌ ومُتراكمٌ حتى هذه الأيام
تلتفت أنظار العالم كله اليوم نحو دور وقيادة المرأة للثورة الإيرانية الجارية والمحتدة من أكثر من 52 يوما على التوالي وبوتيرة حماسية وثبات منقطعي النظير على الرغم من بطش أجهزة النظام القمعية الدموية بالشعب، ولم يأتي هذا الدور الذي أوجع النظام وأفقده صوابه من فراغ بل كان نتاجا متراكما لمئة عام من النهضة المتواصلة ما دفع بالنظام الفاشي في إيران باستخدام أقصى درجات العنف الدامي المفرط ضد النساء والفتيات بالدرجة الأولى وقد تجلى ذلك في استشهاد عشرات النساء والفتيات بشكل مفجع، ولا زال سلوك نظام الملالي تجاه النساء يعبر عن مدى كراهية هذا النظام للمرأة التي ربت وعلمت أبنائه واحتوت مشاكل المجتمع في ظل الأزمات العظام أزمة تلو أزمة.
صنف الدكتور بهروز بويان أحد أساتذة الجامعات في طهران الثورة نشأتها ونموها وتواصلها ونضجها وما وصلت إليه وفقا للأحداث التاريخية المتعاقبة قائلا أن الثورة الآن في المرحلة الأخيرة من 100عام من تاريخ النضال الإيراني من أجل الحرية ذلك التاريخ الذي تجدد قبل حوالي 40 عاما على يد منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية، واليوم يمر هذا التاريخ بمرحلته النهائية بشكل شامل مكتمل النضوج، ويقول لقد أكدت المقاومة الإيرانية لسنوات عديدة على وجود شرخٍ خطيرٍ بين المجتمع الإيراني ونظام الملالي على الصعيد الوطني وبجميع أنحاء إيران وهو ما جعل إيران عرضة لثورة ديمقراطية كبيرة، وقد برز ذلك بوضوح على وجه التحديد منذ الانتفاضة الوطنية عام 2017 عندما استهدف الشعب النظام برمته من خلال شعاراتهم التي لم تستثني أيً من عصابات السلطة ممن أسموهم خداعا بالإصلاحيين أو العصابة الأخرى الأصولية المتطرفة حين وصفهم الشعب على أنهما عصابتين من نفس المنشأ تتقاسمان الأدوار من أجل البقاء في السلطة لكن سياسة الإسترضاء التي اتبعها الغرب بذلت جهدا هادفا ومتواصلا لتجاهل هذه الحقيقة أي حقيقة الدولة الثورية للمجتمع الإيراني، واستمرت تلك السياسة في التركيز على التعامل مع نظام الملالي وتقديم الدعم والإسناد له، وقد أظهرت انتفاضة عام 2019 التي قُتِل فيها أكثر من 1500 شخص مرة أخرى الواقع الثوري للمجتمع الإيراني بشكل أكثر وضوح، وعلى الرغم من كم التنوير الهائل الذي قامت به المقاومة الإيرانية بهذا الصدد إلا أن سياسة الإسترضاء ما زالت تعتبر أن نهج اللامبالاة هو خيارها الأفضل.
اليوم وقد أجبرت الثورة الديمقراطية الإيرانية 2022 العالم على سماع صوتها وأصدائها على الرغم من سعيه للإستمرار في سياسة التغاضي ودعم نظام الملالي للبقاء في السلطة كنظام أزمات يخدم مصالحهم والدليل على ذلك أن رعاة سياسة المهادنة والإسترضاء لم يتخذوا حتى الآن قرارا جادا بالوقوف إلى جانب الشعب والمقاومة الإيرانيين.
إن دور المرأة الإيرانية في بناء المجتمع الإيراني وصياغة نهضته دورا رياديا عميقا أزليا وواضحا لامعا كالضياء مهما تم التعتيم عليه يبقى هو الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها فالملمون بتاريخ المجتمع الإيراني يدركون ذلك، ولمن لا يعرف فالمرأة الإيرانية كانت حاضرة في الثورة الدستورية المعروفة بـ (المشروطة) والمرأة الإيرانية هي من فرضت على كافة السلطات الرجعية حقوق المرأة الكاملة في الوجود والتعليم وكافة مناحي الحياة، والمرأة الإيرانية هي من تحمل تبعات ونكبات الحروب فباتت أُماً وأُختاً وجدةً معيلة صابرة، ومعلمةً ومدرسةً لا تعلم وتدرس فحسب وإنما تتحمل تبعات الأضرار الاجتماعية للحروب والطغيان والقمع والعوز، ومن الصفحات المشرقة في تاريخ المرأة الإيرانية اليوم هو أن تعداد السجينات السياسيات والنساء اللائي أُعدمن لأسباب سياسية يفوق عددهن في كبريات الدول بالعالم وقد تكون المرأة الإيرانية في مراتب الصدارة بهذا الشأن إذ يعبر عدد السجينات والمعدومات سياسيا عن وجود نهضة فكرية واجتماعية ثورية قادرة على قلب الواقع المُعاش رأسا على عقب نحو الأفضل وهو ما يحدث في الثورة الإيرانية الجارية.
خلاصة القول إن الثورة الإيرانية التي تقوم بها المرأة الإيرانية إلى جانب الشباب ثورة قامت من عمق التاريخ وقسوة التجربة وضرورة وحتمية التغيير الذي لا مناص عنه، وقد سجلت أحدث هذه الثورة صورة بطولية وأخلاقية رائعة تُضاف إلى رصيد المناضلين والثوار في عالمنا الحر.
وإن غدا لناظره قريب