إيران .. انتفاضة شعب واسترضاء للديكتاتور!
الجزء 1-2
بقلم عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
نحن لا نتحدث عن دكتاتورية شاه إيران التي كانت ديكتاتورية تعتمد على الغرب وألقى بها الناس في مزبلة التاريخ إلى الأبد، وإنما نحن نتحدث عن الديكتاتورية الدينية الحاكمة لإيران التي لا تعتمد على قوة أجنبية أيضا، لكن مغيثون غربيون غير مجهولين كانوا يسعون دائما من أجل بقائه! ويبدو الأمر غريبا بعض الشيء لكنه صحيح. لماذا؟
الإجابة المختصرة على هذا السؤال هي “التربح” بالطبع، ولأنه إذا وقعت إيران في أيدي الشعب فسيكون الوضع مختلفا، والحديث ليس حديثا حول النفط ورأس المال المادي فقط في هذا البلد، إنما هو حديثٌ أوسع مما كان قائما حتى الآن وعندما يصل إلى مستوى الكمال سيأخذ العالم إلى الذروة معه!
ضحايا رئيسيون لسياسة الإسترضاء مع الديكتاتور!
تدرك الأنظمة الدكتاتورية أولا وقبل كل شيء بأن “الحرية” هي عامل تقدم وازدهار مجتمعِ أو شعب أرض ما، ولذلك يمنعون “الحرية” منذ فجر بزوغها من أجل استعباد المجتمع والناس، وكانت لدى النظام الديكتاتوري الديني الحاكم في إيران حيلاً أخرى لهذا الغرض ولازال، والطريقة التي تلبس بها تصدير الرجعية والأزمات والحرب خارج الحدود إلى قمع حريات المجتمع والشرعية الوطنية والدينية طريقة تم استخدامها مرات ومرات في فترة الـ 44 سنة من حكم ولاية الفقيه من الترويج للحرب في الشرق الأوسط أو الحرب النفسية في أماكن بعيدة، إلى شيطنة المعارضين بشعارات مختلفة لكنها ذات هدف واحد!
وهنا لا نتحدث عن الديكتاتورية الحاكمة لإيران، ذلك لأن طبيعة النظام الدكتاتوري هي الإقصاء وسفك دماء الآخرين، وإذا كان على غير ذلك فسيكون أمره مريبا! لكننا نتحدث عوضا عن ذلك عن السياسة التي تم ويتم تبنيها فيما مع هذا النظام الديكتاتوري، السياسة المسماة بـ “الاسترضاء ” والمهادنة وهي سياسة ضارة للغاية ومقززة!
أسوأ جانب من جوانب المهادنة مع نظام ديكتاتور هو تأثيره على الحيز الجغرافي وعلى وجه التحديد على أهل الأرض التي يحكمها الديكتاتور، وهذا هو السبب في أن الجانب الأول وربما الأهم في أضرار المهادنة مع الديكتاتور هو أن يتم منح الديكتاتور “الوقت” اللازم للبقاء على قيد الحياة!
ليس من قبيل الصدفة أنه في إيران وتحت سلطة حكم الملالي أن كان أول ضحايا سياسة الاسترضاء مع الديكتاتورية الدينية الحاكمة هما الشعب والمقاومة الإيرانية، ذلك لأن”الاسترضاء” كان العامل المساعد للديكتاتور على الدوام في معادلة التوازن بين الديكتاتور والشعب!
الدور المدمر للإسترضاء مع الديكتاتور!
هناك إجماع عالمي في وجهات النظر على حقيقة أن سياسة الاسترضاء قد لعبت دورا خطيرا في بقاء واستمرارية الديكتاتورية الدينية، ولو لم تكن سياسة “الاسترضاء مع ديكتاتورية ولاية الفقيه” لكان الوضع في إيران والمنطقة والعالم مختلفا الآن، لم يجد الإرهاب (خاصة إرهاب الدولة) مكانا له في المجتمع البشري المعاصر بشكله الحالي، ولن يعاني المجتمع الدولي من انعدام الأمن والاستقرار بشكله الحالي، ذلك لأنه لن يتبقى أثرا للوحش المسمى “بولاية الفقيه” في إيران، ومن هذا المنطلق يُقال أن أصحاب سياسة الإسترضاء مع الديكتاتورية الدينية كانوا شركاء في كل جرائم ديكتاتورية ولايت الفقيه في إيران وخارج إيران!
بعض آثار الإسترضاء والمهادنة مع الديكتاتورية الحاكمة لإيران!
عندما ننظر إلى تاريخ السنوات الـ 44 الماضية لإيران نجد أن سجل “الإسترضاء مع الديكتاتور” كان مؤلما بشكل غريب، وقد عانى وتدمى منه الشعب الإيراني كثيرا لأنه بالتوازي مع الجرائم وحملات النهب التي قامت بها الديكتاتورية الحاكمة بحق الشعب الإيراني في كل مناحي الحياة والمعيشة عملت أيادٍ أخرى من أجل مصالح الديكتاتور لجعل جراح الشعب الإيراني العميقة أكثر عمقا الجراح وزيادة آلامه.
في ظل سياسة الإسترضاء القائمة مع الديكتاتورية الحاكمة لإيران تم إسكات أصوات الناس المطالبين بحقوقهم، وقمع الانتفاضات الشعبية، وتم إعدام العشرات ومئات الآلاف من الإيرانيين أو تعذيبهم وإصابتهم وتشريدهم، وهم من الأرواح التي يمكن أن تخدم الشعب وتعمل على ازدهار المجتمع وتساعد المجتمع الإيراني في طريق التقدم والتعايش في المجتمع الدولي.
في ضوء سياسة الاسترضاء المشؤومة مع الديكتاتور الديني الحاكم لإيران سنحت “الفرص للمضي بالطريق قُدما” أمام “التراجعات التاريخية” ولم تهدد ديكتاتورية المرجعية الدينية باسم الإسلام والمسلمين إيران والمجتمع الإسلامي فحسب بل هددت العالم كله والمجتمع الدولي، وستختطف هذه الدكتاتورية مصير العالم كرهينة بيدها من خلال تسليحها وتجهيزها بـ “القنبلة النووية” الطريق الذي ، بدلاً من “دكتاتورية ولاية الفقيه” ، أغلقت المقاومة ضدها!
لكن المقاومة التي عقدت العزم على أن تكون حاملة لـ لواء الحرية والازدهار والعزة والإشراق في إيران، وأختارت أن تكون منادية وحاملة لراية السلام والتعايش والأمن خارج إيران كانت عازمة وحازمة في معركتها مع دكتاتورية ولاية الفقيه وبدفع المزيد من الكلفة والتضحيات الجسام واجهت العدو متجهة نحو “الحرية والسلام والأمن والاستقرار في المنطقة” ولم تستسلم لوحش دكتاتورية ولاية الفقيه فحسب بل نهضت أكثر عزما وتصميما على تحرير شعبها، المقاومة التي فضحت المشاريع التوسعية الخطيرة لدكتاتورية ولاية الفقيه وخاصة المشاريع النووية ليدرك العالم ويطلع على مثل هذا المصير الأليم!
إذا كانت سياسة الاسترضاء مع الدكتاتور تُعقد المعادلات دائما لصالح الدكتاتور وتجعل من مسار الحركة صخريا وبطيئا، ولكن في العصر الجديد عصر الاتصالات السريعة والإلكترونية كان نطاقها أوسع وأبعد بكثير من الحيز الجغرافي و النطاق السياسي، وساحة المعركة مع الدكتاتور هي أوسع بكثير من العصر الكلاسيكي، وهذا هو السبب في أن حرب الشعب ضد الدكتاتور على أرض ما يكون الجيش وجبهة الشعب أقوى بكثير من ذي قبل وقدرة الهدم تتجاوز بكثير قدرة الدكتاتور وتيار “الإسترضاء مع الدكتاتور”.
يدرك الشعب الإيراني حقيقة أنه في خضم الإنتفاضة من أجل الإطاحة بدكتاتورية ولاية الفقيه وفي عهد الانتقال من سلطة الدكتاتور إلى الحكم الوطني الشعبي والديمقراطي، ولم يأتي عبثا أو من فراغ ما يملئ المشهد في إيران من شعارات وإدعاءات وتحليلات وتفسيرات وقلق ومخاوف وبدائل أصيلة وبدائل مزيفة وقيادات حقيقية أصيلة وقيادات مصطنعة، واحتراب ودمى مصطنعة وألوان وأصوات وصور وقضايا التي تبدو مثيرة للاهتمام ومقبولة وآسرة و… حتى تيار “الاسترضاء مع الدكتاتور” يدفع بمسار المياه لصالح الدكتاتورية الغارقة بالوحل ليثني الشعب عن الوصول إلى الهدف، ويفرض ما يريد على الشعب الإيراني ويمنع مرة أخرى الشعب من الوصول إلى التحرر و الهدف الذي نهض من أجله.
نهاية الجزء الأول
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.