أمير إيران السابق بين الآمال والمحظور
أمير إيران السابق رضا محمد رضا بهلوي المقيم في أميركا هو وعائلته وترك أباه يعيش في مصر وعاشوا هم في أميركا منعمين بالمليارات من موارد الشعب الإيراني المنهوبة التي يسخرونها لإدامة حياة بازخة ماجنة لهم، وإن يحتفظ هذا الأمير بلقب أمير سابق لنفسه فذلك أمر لا ريب فيه، وأما تسمية نفسه بولي العهد فهو أمر فيه عبثية واضحة، فلقب ولي العهد يكون لمن كانت السلطة لا تزال لأبيه ولا زال الشعب يعترف بشرعية حكم أبيه وهذا بالطبع غير موجود، وذلك العالم الذي تنعم بخيرات الشعب الإيراني بفضل أبيه قد تبرأ منهم عند أول مفترق طرق ولم يأوي أبيه وجاء بالملالي سلاطين اليوم خلفاء لأبيه وبنهجه وهم أيضا أي الملالي لا شرعية لهم فقد لفظهم الشعب وأسقط شرعيتهم بشتى الصور والتعابير لكن المهادنون لا يريدون بديلا وطنيا وبالتالي يُبقون على الملالي غير آبهين لا بقيم ولا قوانين ولا مانع لديهم من أن يتحالف تُرابٌ في كفن مع محتضر علهم بالتفاعلات الخبيثة ينتجون شيئا، ولن ينتجوا سوى الوهم ذلك لأن نتاج الوهم لن يكون سوى الوهم الذي يمثل لدى الغرب في الوقت الحاضر وسيلة لكسب الوقت ريثما يجدون أو يخلقون من العدم بدائل، ولا عجب في أن تتحالف فلول سلاطين الأمس المندثرة مع سلاطين اليوم المجرمة المُحتضرة فالمرء على دين خليله حتى وإن إختلف معه من منطلق لعل وعسى.
أمير إيران السابق رضا بن الشاه محمد رضا بهلوي والذي كان من المقرر أن يكون وليٌ عهدٍ لأبيه على ما اعتبرها أبيه وجده ضيعة عائلية، وكذلك تركة مجد تاريخي لهم، وقد شكك الشعب الإيراني في إنتمائهم إلى ذلك المجد، والبسبب هو أن الشاه وأسرته ليسوا ورثة ذلك التاريخ الـ 2500 عام الذي إحتفل به الشاه بشكل اسطوري على إفتراض أنه إمتداد لذلك التاريخ والحقيقة غير ذلك فمن ينتمي لهكذا تاريخ لا يجعله أدنى من الغرب ولا يبيعه لهم ويجعل الدولة تاريخا وشعبا ومقدرات تحت تصرفهم مقابل أن يبقى العرش والملك الطارِئَين عليه له ولأسرته.
التاريخ والتراث والأرض والموارد هي تَرِكة متداولة ملك الدولة، وورثة الدولة هم أبناء الشعب جيلا بعد جيل ينتمون إليها ويحمونها، والسلطة من هذا الشعب هي المؤتمنة على تلك التركة وذلك الميراث (الأرض – التاريخ – التراث – الموارد – الكرامة) فلا يجوز لمن ليس من هذا الشعب أو لا ينتمي لهذه الدولة وتاريخها أن يحكمها، وبالتالي فإن مسعى الشاه أو أي حاكم أن يحصر ملكية الشعب والدولة بكل تفاصيلها في نفسه كوريث شرعي لكل ذلك طغيان وسلب وهما خطيئة لا تغتفر، وذلك التاريخ الذي احتفل به الشاه لينسبه لنفسه أو يضع نفسه واجهة له هو تاريخ صنعته الأجيال المتتالية من أبناء هذا الشعب وحفظه الحكماء الأمناء وأهانه الطغاة وفرطوا فيه وتلك خيانة وطنية رد عليها الشعب بثورة عارمة تسلقها الملالي الطفيليون الذين كانوا عونا لكل طاغية ومنهم الشاه الذي كانوا يلقبونه بولي النعم كل ولم تكن كلتا الحقبتين حقبة الشاه الذي قال لشعبه ” من لا يعجبه الحال فليغادر إيران إلى الأبد” وسبحان من له الدوام الحي القيوم الذي لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم مالك المُلك؛ أخرجها منها منكسرا إلى الأبد حتى قبره بقي خارجها، وتلك رسالة العزيز الحكيم لمن يريد أن يتأمل في أمر الله فقد كان على الشاه محمد رضا بهلوي أن يدرك أن الملك لله وما كان له أن يطرد العباد من ملك الله على رأي في شرعية وإن لم يكن رأيا مشروعا فهو أمرٌ فيه نظر.
ولأنهما نفس المدرسة والمنهج (الشاه والملالي) الأول قال من يخالف مصيره السجن والإعدام ومن لا يعجبه فليغادر إلى الأبد، أما الثاني فقال من يخالف له الموت والفناء والسجن إن رحمناه ومن لم تطاله مخالبنا وأنيابنا وهرب فقد نجى، ولأنه لابد لهذه المدرسة وهذا المنهج أن يستمرا فلا مانع لدى السامري الصغير (ولي الفقيه) وفرقه وزبانيته أن يتحالفوا مع تعويذة الموتى التي ينفقون عليها أيضا أملا منهم في أن تُعيد هذه التعويذة الحياة لجسدهم البالي المُحتضر كما لا مانع لديهم من التحالف مع إبليس وقومه طلبا للنجاة.
البعض من الأجيال الحديثة لا يعرف شيئا عن التاريخ ولا يريد أن يقرأ التاريخ وفي نفس الوقت يريد حلولا ومستقبلا من فراغ ؛ حلولا عائمة في الهواء لا جذور لها ولا ثوابت وبالتالين يصبحون أرجوحة بيد العابثين والمتآمرين وتخيب آمالهم ويبتلعهم الإحباط ذلك لأنهم كانوا غير مدركين بأن المستقبل يقوم على تاريخ بين ماضٍ وعبر وحاضر يعتبر ومستقبلٍ راسخٍ مرتكز، ويريد أعدائهم عزلهم عن تاريخهم وهويتهم ليصبحوا هشيما عائما على السطح تذروه الرياح أينما هبت واتجهت ذهبت بهم وهم بلا جذور فلا وجهة ولا بوصلة خاصة بهم، وأكثر البشر حصانة ومِنعةً اليوم هم أولئك الذين يعرفون التاريخ جيدا وينتمون إليه ويعتبرون ويرتكزون على تفاصيله، وأما من لا يعرف التاريخ ولا يتخذ منه العبر ومنهم الأمير الإيراني السابق ومن تبعه ومن عول عليه فمصيرهم الفشل عاجلا أم آجلا خاصة في ظل ظروف الثورة الإيرانية الجارية والتي تنادي في أحد شعاراتها بـ (الموت للظالم المستبد سواء كان الشاه أو الملالي) وقد يتساءل البعض بأن قد مات فما يذكرونه والجواب هو أن الشعب لا يزال سائرا بثورة فبراير 1979 ليحقق أهدافها ويرى أن الملالي إمتدادا للشاه وأن كليهما وجهان لعملة واحدة وهي الدكتاتورية التي على وجهها الملالي وعلى ظهرها الشاه وحقبته، وتلك رسالة من الشعب يعلن فيها رفضه للدكتاتورية أياً كان مصدرها ويقوم هذا الرفض على فهمٍ دقيقٍ ومعرفة كاملة بالتاريخ وما جرى فيه، وهنا ترون بأن التاريخ لا يرحم وأن من يتناسى التاريخ إما جاهلا نُشفقُ عليه أو محتالا يرمي شباكه في وسط يُخيل له بأنه وسط عميان وسيكون هو الرابح في هذا الوسط ، ولا يمكننا أو لا يمكنني أن أصف ذلك بوصفٍ أقل من عبثي طفيلي إضافةٍ إلى وصفه بالمحتال.
يقول التاريخ ولست أنا أن سجون وجرائم نظام الشاه لا تزال شاخصة حية أمام العيون وبعض الضحايا لا يزالون أحياءا يُرزقون وأبناء وأحفاد البعض الآخر موجود في إيران وفي المنفى بجوار ابن الشاه الأمير السابق الذي يسعى إلى الحصول على دعم مختلف من داخل البلاد على حد قوله ما معناه (إنه إذا تقرر أن نُجري مفاوضات دولية غدا نيابة عن مواطنينا فإنه من الضروري أن نُظِهر بأن ذلك يتم بناءا على دعم وتمثيل من طرف السجناء السياسيين والنشطاء المدنيين والتيارات الفكرية والسياسية في داخل البلاد) وحديثه هذا كان في مقابلة تلفزيونية بلندن مع قناة إسمها بالفارسية “من وتو” أي “أنا وأنت”، يريد صاحب العظمة توكيلا من الشعب ليسترد الوطن لمن أعدمهم وطردهم أبوه من الوطن، يريد توكيلات ممن سجنهم ابوه وممن تأسسوا فكريا وسياسيا على رفض طغيان أبوه، والعجب العجاب هو قوله ونطقه بكلمة مواطنينا ولا نعلم أي مواطنين يقصد؛ هل يقصد بمواطنينا بقايا المنتفعين من حقبة أبيه مع من سيحشدهم النظام له أم يقصد بها عامة الشعب الإيراني الذي لا يعرفه هو ولا ينتمي إليه ولم يعيد إليه الأموال المنهوبة التي في حوزته وحوزة واجهاتهم وحاشيتهم.
سألت بعض أصدقائي السياسيين الإيرانيين المناضلين المتنورين عن رأي الشعب الإيراني وليس الفئات الملتفة على مصالحها حول رفاة الشاه والملالي فقالوا إنها لعبة ساحر ولن يُفلح الساحر حيث أتى وعاجلا أم آجلا سينتصر الشعب ولا توجد تيارات سياسية إيرانية حقيقية في أوساط جميع مكونات الشعب الإيراني تؤمن اليوم بإحياء ميت في إيران أو إعادة الحياة لمحتضر فيما يتعلق بمستقبل إيران وشعبها.
وبالتالي فإن أمير إيران السابق يبدو كم وقع بين آماله التي زينوا له بأنها ممكنة التحقيق من جهة والمحظور عليه من جهة أخرى.. ويا قوم أليس فيكم رجل رشيد.. لكن السامري الأعظم لا زال يغزل خيوطه لكن المسكين يغزل سرابا.. قُضِيَ الأمر.
د.محمد الموسوي / كاتب عراقي