إيران: احتفالات معيبة بذكرى الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسط عقود من عمليات القتل الجماعية والتستُّر عليها
في خضمِّ احتفالات الجمهورية الإسلامية الإيرانية بذكراها السنوية الرابعة والأربعين، قالت منظمة العفو الدولية إن رفض السلطات الإيرانية الاعتراف بمجازر السجون التي اقتُرفت في عام 1988، ناهيك عن ضمان المساءلة عن تلك المجازر- التي تُعتبر الحدث الأسوأ في عمليات القتل الجماعية السرية التي ارتُكبت منذ قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية – أدَّى إلى إدامة حلقة الجرائم التي تنتهك القانون الدولي وعمليات التستُّر عليها المُعدّة لإخماد أي شكل من أشكال المعارضة السياسية.
وفي بيان عام موسَّع بعنوان: “تورُّط دبلوماسيين إيرانيين سابقين في التستُّر على مجازر السجون في عام 1988“، تُحيي منظمة العفو الدولية ذكرى ضحايا عمليات الاختفاء القسري الجماعية والإعدام خارج نطاق القضاء التي ارتُكبت في الثمانينيات من القرن المنصرم، وتبيّن تفاصيل الدور الخطير الذي لعبه الممثلون الدبلوماسيون للجمهورية الإسلامية الإيرانية في نفي وقوع المجازر، ونشر المعلومات الزائفة، ومعارضة التحقيق الدولي في مواجهة تزايد الأدلة الموثوقة.
وبعد مرور ما يزيد على أربعة عقود، لا يزال المسؤولون الإيرانيون يستخدمون استراتيجيات مشابهة للتستر على الجرائم التي تشكل انتهاكًا للقانون الدولي وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ويستمرون في إضعاف الردود الدولية عليها بينما يحاولون سحق الاحتجاجات المستمرة في شتى أنحاء البلاد. وكانت وفاة مهسا (جينا) أميني في سبتمبر/أيلول 2022، إثر تعرُّضها للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة في الاحتجاز، بحسب تقارير موثوقة، قد أشعلت هذه الاحتجاجات.
وقالت ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “ظلّت السلطات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية تُحكم قبضتها على السلطة طيلة عقود عن طريق ارتكاب الفظائع تلو الفظائع مع الإفلات التام من العقاب. وتستمرّ بشكل ممنهج في إخفاء مصائر وأماكن آلاف المعارضين السياسيين الذين قتلتْهم خارج نطاق القضاء في الثمانينيات من القرن الماضي، ودفنتْهم في قبور مجهولة. كما أنها تُخفي أو تدمر مواقع القبور الجماعية، وتضايق وترهب الناجين والأقرباء الذين يبحثون عن الحقيقة ويناشدون بالعدالة ويطالبون بالتعويض”.
“إن مثل هذه الجرائم ليست من مخلفات الماضي. وتأتي هذه الذكرى وسط موجة مخيفة من سفك الدماء في الاحتجاجات الأخيرة، فضْلًا عن عمليات الإعدام التعسفية وأحكام الإعدام التي تستهدف المحتجين. ويسلط ذلك الضوء على الحاجة إلى تحرك عالمي عاجل من قِبل مختلف بلدان العالم من أجل تقديم المسؤولين الإيرانيين المتورطين في جرائم بموجب القانون الدولي إلى ساحة العدالة في محاكمات عادلة”.
ولطالما دعت منظمة العفو الدولية المجتمع الدولي إلى المبادرة بالتحرك بهدف وضع حد للإفلات من العقاب على الجرائم الماضية والحالية ضد الإنسانية، الناجمة عن مجازر السجون في عام 1988. وفي عام 2021، انضم الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي إلى الدعوة إلى إجراء تحقيق دولي.
التستُّر على مجازر السجون في عام 1988
في الفترة بين عاميْ 1988 و1990، أصدر دبلوماسيون إيرانيون في شتى بلدان العالم ومسؤولون حكوميون في إيران تعليقات متشابهة وأحيانًا متطابقة، نفوا فيها الأنباء المتعلقة بعمليات الإعدام الجماعية التي ارتُكبت في عام 1988 واعتبروها “دعاية من جانب جماعات المعارضة”. وادّعوا أن عمليات القتل كانت قد وقعت في سياق الهجوم المسلح الذي شنَّته منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، وهي جماعة معارضة كانت تتمركز في العراق في ذلك الوقت.
وجمعت منظمة العفو الدولية أدلة تشير إلى ضلوع العديد من الممثلين الدبلوماسيين السابقين والمسؤولين الحكوميين في إيران في عملية التستُّر، ومن بينهم الأشخاص الواردة أسماؤهم أدناه (المنصب السابق بين قوسين): محمد جعفر محلاتي (ممثل إيران الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك)؛ سيروس ناصري (ممثل إيران الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف)؛ محمد علي موسوي (القائم بالأعمال في السفارة الإيرانية في أوتاوا، كندا)؛ محمد مهدي آخوندزاده بسطي (القائم بالأعمال في السفارة الإيرانية في لندن)؛ رييسي نيا (الاسم الأول غير معروف) (السكرتير الأول في السفارة الإيرانية في طوكيو، اليابان)؛ عبد الله نوري (وزير الداخلية)؛ علي أكبر ولايتي (وزير الخارجية)؛ محمد حسين لواساني ومنوشهر متكي (نائبان لوزير الخارجية).
إن مثل هذه الجرائم ليست من مخلفات الماضي. وتأتي هذه الذكرى وسط موجة مخيفة من سفك الدماء في الاحتجاجات الأخيرة، فضْلًا عن عمليات الإعدام التعسفية وأحكام الإعدام التي تستهدف المحتجين.
ديانا الطحاوي، منظمة العفو الدولية
وبصفته الممثل الدائم لإيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك في ذلك الوقت، لعب محمد جعفر محلاتي دورًا فعالًا بشكل خاص في محاولات لتقويض مصداقية التقارير التي قدمها المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في جمهورية إيران الإسلامية ومنظمة العفو الدولية بهدف إضعاف استجابة الأمم المتحدة. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 1988، نفى محلاتي الأنباء الواردة بشأن عمليات الإعدام الجماعية في اجتماع مع المقرر الخاص للأمم المتحدة، وادَّعى كذبًا أن “العديد من عمليات القتل وقعت في الحقيقة في ساحة المعركة”.
وفي ديسمبر/كانون الأول 1988، وَصفَ قرار الأمم المتحدة، الذي أعرب عن القلق بشأن عمليات الإعدام التي وقعت بين يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول، بأنه “غير مُنصف”، وقال إن “منظمة إرهابية مقرّها العراق” كانت المصدر الرئيسي “للمعلومات الكاذبة”. وفي الأسابيع التي سبقت اعتماد القرار، حاول محمد جعفر محلاتي “إسقاط” القرار أو “تخفيف لهجته”، وتوقف تعاون إيران مع الأمم المتحدة على حذف الإشارات النقدية لانتهاكات إيران الممنهجة لحقوق الإنسان، ومنها عمليات الإعدام الجماعية، ومارسَ ضغوطًا من أجل اعتماد “نص أخفّ لهجة يقتصر على الترحيب بقرار طهران المتعلق بالتعاون مع لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان”.
وفي 28 فبراير/شباط 1989، أرسل محمد جعفر محلاتي إلى منظمة العفو الدولية رسالة نفى فيها مرة أخرى “وجود أي شكل من أشكال الإعدامات السياسية”، ووصف الضحايا بأنهم “أفراد اعترفوا بألسنتهم بقتل 40,000 إيراني في هجوم شَنُّوه على إيران”.
التستُّر على عمليات قتل المحتجين في عام 2022
يلجأ المسؤولون الإيرانيون الحاليون إلى أساليب مُشابهة لتشويه صورة المحتجين والمعارضين من الجيل الجديد بوصفهم بأنهم “مثيرو شغب”، ويُنكرون ضلوعهم في مئات عمليات القتل غير القانونية، ويرفضون الدعوات إلى إجراء تحقيقات دولية وفرض المساءلة.
وفي الفترة التي سبقت عقد جلسة خاصة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 بشأن الحملة القمعية المميتة التي نفذتْها إيران، قام مسؤولون إيرانيون في جنيف بتوزيع تقارير مطوَّلة وضعتْ المسؤولية عن عمليات قتل المحتجين على عاتق “إرهابيين مأجورين”، أو نسبتها إلى عمليات “انتحار” أو “حوادث”، أو شكَّكت في وفاة بعض الضحايا.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، دعا الممثل الدائم الحالي لإيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك أمير سعيد إيرواني الدول إلى الامتناع عن دعم عقد اجتماع غير رسمي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن حملة القمع الإيرانية المميتة ضد المحتجين، التي وصفها بأنها “حملة تضليل خبيثة”. وقد تجاهل إيرواني كمًّا كبيرًا من الأدلة على قتل مئات المحتجين والمارَّة، ومن بينهم أطفال، على أيدي قوات الأمن الإيرانية بصورة غير قانونية، وادَّعى أن “الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي معترف به ومكفول في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأن الحكومة تدعم تمتُّع شعبنا بهذا الحق على الدوام”.
وقالت ديانا الطحاوي إن “الحكومة الإيرانية وممثليها الدبلوماسيين حول العالم يستمرّون منذ عقود في تنظيم حملات منسقة لنفي وقوع عمليات القتل، ونشر معلومات كاذبة تهدف إلى تضليل المجتمع الدولي وحرمان المتضررين والمجتمع ككل من الحق في الكشف عن الحقيقة. وقد آن الأوان لأن يكشف الدبلوماسيون الإيرانيون عن طبيعة ومصدر التعليمات التي تلقَّوها من العاصمة، وأن يتوقفوا عن الإسهام في ستار السرية الذي يلفُّ مجازر السجون في عام 1988، والذي كرَّس الإفلات من العقاب وأدى إلى تفاقم معاناة الناجين والأقرباء”.
المصدر: موقع منظمة العفو الدولیة