الحقيقة في فكر المُندثرِ، والمُحتضرِ والمُبتعثِ في إيران
ثمة حقائق قد تغيب عن البعض بحكم عدم الإختصاص والخبرة أو عدم الإطلاع؛ وغياب تلك الحقائق يُوجد فضاءا رحبا لإدعاءات الطغاة والعنصريين ومن تلك الحقائق حقيقة نمطية الفكر الذي حمله، ويحمله أهل السلطة أو الساعين إلى إقتناص السلطة كما فعله السابقون الأسبقون والسابقون ومن خلفهم ومن يسعى اليوم إلى إعادة الكرة وممارسة حقه في القنص ما دامت الفرص مواتية.
بداية دعونا نقول أن الملك لله، وأن من يستخلفهم الله على مُلكٍ (أرض وشعب وحياة) هم حكام أمناء على هذا المُلك لخدمة العباد على حد سواء وليسوا مُلاكاً للبلاد والعباد، ووهب الله العقل لدى البشر ليوزنوا به الأمور ويفرزوا بين الحق والباطل والخطأ والصواب والخير والشر أي أن العقل هو مقياس صلاح الراعي والرعية، والسبيل إلى الرشد والعدل، والعدل أساس المُلك أي من أراد أن تدوم له نعمة التمتع بالسلطة إن كان فيها متاع لهم عليه أن يعدل كي تدوم لهم ولا يدوم إلا الله الحي الذي لا يموت.
وبالعودة إلى عنوان المقال (الحقيقة في فكر المُندثرِ، والمُحتضرِ والمُبتعثْ) والمُندثر هنا هو حكم الشاه وأبيه قبل عام 1979، والمُحتضر هو نظام حكم الملالي الذين هم الإمتداد الحقيقي لرؤية من وضع الشاه خلفا لأبيه بعد خلعه على يد الروس والإنكليز، ويعلم الجميع أن نظام حكم الملالي في إيران قد جاء لكي لا تصل القوى الوطنية الإيرانية إلى سدة الحكم وتضر بمصالح الإمبريالية العالمية تلك المصالح التي تفوق المنطق في أغلب الأحيان وصولا إلى حد الهيمنة العابثة والمُخلة، أما المُبتعث فهو الأمير السابق ابن شاه إيران المخلوع الذي لا يجوز تسميته بولي العهد بل الأمير السابق الذي يريد الغرب من خلال فرضه على الشعب الإيراني أن يبعثوا الحياة في المُحتضر ويبعثوا الحياة في آمالهم أيضا، وكذلك يواجهون مخاوفهم .. نعم يريد الغرب مواجهة مخاوفه المتعلقة بإيران من خلال فرض سياسة اللاخيار على الشعب الإيراني فإما القبول ببقاء الملالي، وإما أن يكون الأمير السابق ابن الشاه المخلوع بديلا للملالي، وهنا لن تكون بقايا المُندثر بديلا للملالي بل شريكا لهم مع كائناتٍ من مسرحية (إصلاحيون) يتوافقون مع بقايا المندثرين وهنا يعملون وفق قاعدة الشر القائلة (نُريهم الموت ليقبلوا بالحمى) وقد تناسوا أن الشعب الإيراني وشعوب المنطقة ترى وباء الطاعون في الطرفين معا، وبهذا الطرح الذي لا يزال ابن الشاه لا يملك شرعية له يعود الحال كما يقول المثل العراقي الدارج (تيتي ..تيتي .. مثل ما رحتي جيتي) وتصبح الثورة الإيرانية المباركة ثورة باغية وتكون كل هذه الإنتفاضات المشروعة باطلة بل وقد يعاقبون الشعب على كل ذلك، ويستمر الدم والقمع والكبت والسلب والنهب والإعدامات وتتعاظم السجون والمعتقلات ومؤسسات الجريمة والقمع،ويستمر دور شرطي المنطقة وتتفاقم وتتصاعد أزمات شعوب ودول المنطقة.
الفكر يجسد القواسم المشتركة بين الثلاثة
العنصرية أولى القواسم المشتركة في الفكر بين (المُندثرِ، والمُحتضرِ والمُبتعثْ) العنصرية العرقية والدينية والطائفية والأمثلة كثيرة، العنصرية حتى في الأسماء إذ كانت سلطة الشاه القمعية هي من يحدد أسماء البشر وألقابهم فيحرمونهم من أسمائهم وفق تراثهم وهويتهم ويسجلونهم بأسماءٍ أخرى وهكذا فعل الملالي وفاعلون، وهكذا سيفعل ابن الشاه لو سمح له الشعب الإيراني بالعودة ومشاركة الملالي في نعيم المال العام المسلوب والسلطة الطاغوتية، حيث لا يزال ابن الشاه ومن لف لفه يحملون نفس الفكر والنمطية حيث لم تسلم الشهيدة المغدورة (مهسا / جينا أميني) من شرهم وهم في منفاهم وهي في ذمة الله عندما حاولوا منع متظاهرين أكراد من قوم جينا من استخدام إسمها “جينا” بحسب هويتها الأم، وكم أحترمت الكاتب والمحلل السياسي الإيراني الأستاذ عبدالرحمن كوركي عندما كان يستخدم الإسمين معا (جينا / مهسا أميني) إنصافا وعدلا في حقها بإسمها المغتصب قبل إغتصاب روحها، وزيادة في الوضوح بنفس الوقت إلى من يسمونها مهسا ليعلموا أن اسمها في الأساس جينا وأعترف أنني كنت أجهل ذلك، ولم تسلم حتى هذه المظلومة المغدورة البريئة من فكر مدرسة الإجرام للثلاثة مندثرٌ ومحتضرٌ ومنبعثٌ.. وهذا هو الذي يريد استعادة الوطن للشعب الإيراني والحقيقة استعادة التاج لنفسه وليس الوطن فكثيرا من تلك الفئات لا تنتمي لأوطانها إلا بالمنافع، ومن القواسم المشتركة بينهم أيضا شرعنة الطغيان والدكتاتورية والإجرام وإباحة كل الوسائل والأساليب لديهم، وكما يُقال الولد على سر أبيه.
من البلاهة أن يأتي من كان أبيه ونظامه جلادا للشعب ليقول يجب أن نحصل على توكيلات من الشعب .. من السجناء والتيارات الوطنية لنفاوض العالم على إسترجاع الوطن، أما الحقيقة فهي مغايرة تماما فهو يريد أن يقول للعالم إن حدث وحصل على توكيلات هذه شرعيتي وأنا الأحق بملك أجداده والمُلك والحُكم لله وكان القاجاريون مؤتمنون عليه وجاء أجداده فسلبوه من القاجار بمساعدة الروس، أما التيارات التي قد تعطي توكيلات للشاه هي تيارات قد يدفع بها الملالي إلى ذلك بقصد النجاة من السقوط ومحاكم الشعب التي تنتظرهم .. أما السجناء فلا يوجد سجين عاقل يعطي جلاديه توكيلا عنه ليستعيد له الوطن ويبقى هو وأجياله من بعده مسلوبي الحرية والإرادة.
لغة وثقافة البراري هذه والإدعاء والباطل والبلاهة هذه التي نمت عليها الدكتاتورية بحقبتيها في إيران وتريد قوى الممهادنة والإسترضاء أن تمدد العمل بها من خلال دعم فرضية بقاء الملالي أو ترسيم ابن الشاه طاغوتاً جديداً كفرضيتين لا ثالث لهما مع استبعاد أي خيارٍ للشعب على افتراض أن الشعب خاضع لا إرادة له، وأن القوى الوطنية الإيرانية التي لا تزال سياط الشاه والملالي محفورة على جلودهم ورائحة السجون لا زالت سارية في دمائهم الحية ولا زالت جدران ودهاليز السجون شاخصة شاهدة على قبح تاريخهم .. لا زال بعض المناضلين الإيرانيين أبناء الحقبتين أحياءا يُرزقون، أما أبناء وأحفاد ضحايا الدكتاتورية والطغيان فمنهم من هم شهداء الآن ومنهم أحياء يُرزقون.
ثوابت الوجود هي الأرض والتاريخ والشعب جيلا بعد جيل، أما الحكومات فهي كالمستخدم الذي تنتهي فترة إستخدامه ويأتي غيرها لتُستخدم أيضا وينتهي دورها.. ما الشعب فهو المؤتمن الحقيقي على وطنه وتاريخه وموروثه وهو صاحب الإرادة والحق المطلق في تحديد مصيره ومستقبله، وهذا ما سيكون في إيران سينتصر الشعب وستسقط كل المؤامرات وسينال كل ذي حقه بإذن الله.. وتلك الأيام نداولها بين الناس.
د. محمد الموسوي
المصدر: الیوم الثامن