الشرعية والنقيض في منحى السياسات الغربية؛ ومؤتمر ميونيخ نموذجا
لا يختلف إثنان على ماهية وأسس الشرعية والنقيض، فالأولى مكتسبات وحقوق لها جذور وأصول وثوابت وقيم ولكل حق صاحب حق ينتمي إليه ويحميه ويداعي به، والنقيض حالة من النفي أو الإدعاء أو التسلق أو الفرض والإفتراض سطحية قشرية كنبات شتاء لا جذر له ولا ثباتٍ طفى في الربيع وطرده الصيف قبل أن يطلع عليه الخريف.
تتعامل بعض الدول وبعض الأنظمة مع بعض القضايا العالمية بمنهجين الأول منهج الدبلوماسية وضرورة الحوار وإظهار الإهتمام خاصة إذا تعلق الأمر بقضية لا تعنيها بالدرجة الأولى على سبيل المثال كالقضية الفلسطينية التي أُطيل أمدها عمدا تسويفا واستهلاكا لتتحول مع الزمن إلى قصة سردية لقضية مشروعة كانت في يوم من الأيام أرضا مغتَصَبةً وهبتها جهة مُغتصِبة باتت جزءا أساسيا ورئيسيا مما يًسمى بالشرعية الدولية وممثلا للقيم والعدل وتتقادم الأيام والسنين ولم ينصفوا ولم يعتذروا عما فعلوه ويسددوا ما عليهم .. وبقيت قضية فلسطين قضية أرض مسلوبة منهوبة مدنسة وشعباً مشتتا وحقوقاً مسلوبةً، ويصبح المحتل صاحب الأرض وهو من يحدد سقف المطالب ويرسم الوقائع بالبلطجة والإجرام والوقاحة، وتبقى القضية موضوعة على أرفف الكبار في علبة فضفاضة مزخرفة بالشعارات، أما قضية الدكتاتورية الإيرانية دكتاتورية الشاه في زمانه فتبقى دكتاتورية حميدة محمودة ذلك لأنها تلبي المصالح وتصنع الأزمات وتبتز العرب والدول المجاورة ويمكن من خلالها التمدد يمنة ويسارا في جميع الدول المحيطة بها بشتى الأشكال ولشتى الأغراض أما مساحتها وكذلك موقعها فيتوائمان كثيرا مع الكثير من التوجهات، وأما الشرعية الدولية نفسها واقيم والقوانين نفسها التي أقرتها تلك الشرعية فقد كتبها من لا يؤمن بها وسار بها من سار للمناورة تارة وللجد تارة أخرى إن لزِم الأمر في قضية تخص البشرية المصنفة على أنها من الدرجة الأولى ولم تستيقظ من غفوتها أمام الإعدامات والإعتقالات التعسفية والنفي واضطهاد القليات الدينية والعرقية وقمع الحريات تحت سلطة دكتاتورية الشاه الذي ما إن أسقطه الشعب في ثورة شباط 1979 حتى جيئ بالملالي بديلا عنه وبنفس المهمة التي وإن تطلبت مجازر إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وقضايا قمع للحريات وممارسة العنصرية والإستبداد وانتهاكات حقوق الإنسان فلا ريب ستدخل القوانين والقيم والأعراف الدولية في غفوة مرة أخرى وإن استيقظت.. استيقظت كسولة متعثرة ومترددة، وإن كان الحدث أكبر منها شُرِعت السيوف وفُتِحت صحائف القوانين وحضرت اللغة تتراقص وتتغنى بـ قال وسوف.. ويجب.. ولابد.. والقرار غير مُلزم.. والمحكمة هي من يجب أن يقر ذلك.. ونعرب عن قلقنا، ومخاوفنا مشروعة .. والمفاوضات جارية والكاميرات تسجل والأقلام تسطر ووسائل الإعلام تصدح حدث جديد مثير يومين وتنطفئ نيرانهم الباردة.. وهكذا كان المنحى الغربي فيما يتعلق بكلا الحقبتين حقبتي الشاه والملالي، أما في قضية القضايا التي على شكل قضية أوكرانيا فيختلف الأمر وتختلف القياسات والتوجهات وتتسارع الخطى على الأرض وتقوم الدنيا وتقعد ويكون المصاب جللا والحدث عظيما كارثيا.
الإنتفاضة الإيرانية 2022
من يقرأ التاريخ جيدا يجد أن إنتفاضة الشعب الإيراني لم تتوقف منذ ثورة شباط/ فبراير 1979 المسلوبة إذ حلت دكتاتورية الملالي محل دكتاتورية الشاه وتستمر المهمة، وانتفاضة عام 2022 هي امتداد لسلسلة الإنتفاضات على مسير استعادة الثورة الإيرانية وتحقيق مطالب الشعب المشروعة، وبتأجج هذه الإنتفاضة وقتل عشرات الأطفال ومئات النساء والشباب بشكل شنيع وبصورة الأمر الواقع التي فرضتها مؤثرات شبكات التواصل الإجتماعي والإعلام بشكل عام على الغرب اهتزت سياساته وخرجت بعد تأخر تصريحاته التي تأكد فيما بعد أنها لا تزال هي نفس التصريحات ونفس المواقف ونفس الحاضنة التي احتضنت دكتاتورية الشاه وتحمي وتدعم بقاء دكتاتورية قتلة الأطفال، وحتى نكون منصفين لابد أن نستثني القوى والشخصيات الغربية الحرة لكنها مضطهدة وغير متنفذة هي الأخرى، وبين عشية وضحاها أصبح الذي كان بالأمس القريب يشجب ويجيب ويتوعد ولا تزال حرارة شعاراته تلهب الأجواء.. أصبح يرفض وضع قاتل الأطفال والنساء والمتظاهرين ومثير الفتن والحروب والإضطرابات في الشرق الأوسط ومرتكب جرائم الإرهاب هنا وهناك يرفض وضعه على قائمة الإرهاب.. نعم لقد رفض الإتحاد الأوروبي وضع الحرس الثوري لملالي إيران على لائحة إرهاب الإتحاد الأوروبي بعدما أقر البرلمان الأوروبي ذلك بأغلبية وهذا ماكان.
مؤتمر ميونيخ .. ومَن يُمثل مَن؟
إن كان رفض الغرب دعوة نظام الملالي في إيران للحضور في مؤتمر ميونيخ للأمن لأسباب تتعلق بالإرهاب وإنتهاكات حقوق الإنسان فهذا موقف حميد وقرارٌ صائبٌ يُحسد عليه الغرب ونحترمه، ولكن الأهم من ذلك هو من سيمثل الشعب الإيراني في هذا المحفل العالمي؛ من يستحق من ناحية التمثيل المشروع أن يمثل إيران فيه بالتأكيد من يمتلك شرعية شعبية ومن لم تتلطخ يداه بدماء الشعب وينهب ممتلكاته ويتنعم بموارده وثرواته .. وبالتأكيد يجب أن لا يكون الممثل للشع الإيراني في هذا المحفل العالمي من دكتاتورية الملالي ولا من بقايا دكتاتورية فمؤتمر ميونيخ ليس محفلا لرعاية الدكتاتوريات بل مؤتمرا للأمن وهو أمر يعني الحاضر والمستقبل وحاضر إيران هو الشعب الإيراني ومستقبل إيران هو الشعب الإيراني الذي له قوى شعبية ديمقراطية تقدمية حرة أصيلة عميقة الجذور يشهد لها التاريخ بالتضحيات والرقي والقدرة اللياقة .. فهل يجوز أن يدعو القائمين على مؤتمر ميونيخ للأمن أحدا من بقايا دكتاتورية الشاه المخلوعة في إيران بثورة شعبية عام 1979 أو أحدا من دكتاتورية شاوشيسكو المخلوعة بثورة شعبية في رومانيا أيضا.. إن حدث ذلك فالأمر ليس بغريب، والمنحى ليس بجديد .. لكن الأهم والصواب الذي سيعزز الأمن والإستقرار في الشرق الأوسط والعالم هو إنهاء سياسة الكيل بمكيالين، وسياسة المهادنة والإسترضاء مع ملالي طهران، ومحاولات إحياء ماضٍ حافل بالبؤس والظلم والإجرام والإضطهاد كبقايا دكتاتورية شاه إيران المخلوع وما يجري على يد الغرب من رعاية لإبنه هي سياسة سيصفها الشعب الإيراني بالمعادية وسيراها العرب إصرار على استمرار رعاية الأزمات بالمنطقة، وعلى الغرب أن يصون قيمه وقوانينه وأن يبني مصالحه بشكل متوازن مع مصالح الدول والشعوب كي يضمن على الأقل بقاء مصالحه المتبادلة مع الآخرين، ولنرى ماذا هم فاعلون.. وإن غدا لناظره قريب.