الإنتفاضة الإيرانية في شهرها السادس بين الثوابت والتحديات
الحق يعلو ولا يُعلى عليه؛ والشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء؛ وطلع الشتاء طعامٌ للربيع وحطيب صيف لا شجر فيه ولا شجيرات.. وتلك ثوابت.
الإنتفاضة الإيرانية
إنتفاضةٌ ممتدة من ثورة فبراير عام 1979 التي قامت ضد طغيان وجبروت ودكتاتورية الشاهنشاهية، ومن يتأمل في ثورات الشعب الإيراني يجدها كبيرة تتولد وتتفجر بعد طول صبر وتعاظم أنات المستضعفين، وكذلك يجد فيها من العمق وروح التضحية والإستبسال ما يثير الإعجاب، وهكذا كانت ثورة فبراير 1979 وهكذا هي الإنتفاضة الجارية إمتداداً للثورة لها ثوابتها التي يعرفها الجميع، ومن أهم ثوابت هذه الإنتفاضة أن أصبح لها أدبيات وعمق ناضج ويحمل هذه الأدبيات جيل ناشئ خرج في كافة أنحاء إيران من رحم المعاناة والألم والعوز والقهر وخبزٌ معجونٌ بدماء المستضعفين وحلالٌ خلطه السلاطين المستبدين بالحرام ونسبوا الجريمة للدين في خروج ليس بعده خروج.
الثوابت والتحديات
يمكن تلخيص بعض هذه الثوابت على النحو التالي في إطار ما تتمتع بها الثورة وانتفاضاتها من ثوابت، وكذلك توضيح التحديات التي تواجهها:
– لم تحترم الشاهنشاهية هوية وتاريخ إيران وعقيدتها وحق الإنسان فيها بالحياة الحرة الكريمة فمارست الإكراه والظلم وقتلت وشردت ونفت وتآمرت حكومة الشعب حكومة الدكتور مصدق فكانت ثورة 1979 قياما مشروعا وردا صريحا مباشرا على نظام الظلم والدكتاتورية والتبعية، وأسقطت الثورة الشاه لكنها لم تسقط الدكتاتورية وتقتلعها من جذورها ذلك لأن الثورة تعرضت للسرقة على يد الملالي وبمساعدة الغرب الذين يتآمرون على الإنتفاضة الوطنية اليوم.
– استعادة ثورة فبراير 1979 المسلوبة، وإسقاط الدكتاتورية وإزالتها من جذورها، وتحقيق أهدافه الثورة.
– استعادة الوطن المسلوب الذي أراد الشعب استعادته عام 1979 فاحتال الملالي على الشعب بمساعدة الغرب بقي الوطن سليبا ومن شعارات الشعب الإيراني في هذه الإنتفاضة بهذا الخصوص ” نقاتل.. نموت.. ولكن نستعيد إيران”.
– يُدرك الشعب الإيراني جيدا أن كلا دكتاتورية الشاهنشاهية وخليفتها دكتاتورية الملالي وجهان واضحان لعملة واحدة، وأن مستقبل إيران وشعبها لن يكون في مأمن دون القضاء على كلتا الدكتاتوريتين وفكرهما واقتلاعهما من الجذور ويتجلى هذا الإدراك وهذا المسعى الشعبي الإيراني في شعارات الإنتفاضة ” الموت للمستبد سواء كان الشاه أو الملالي”.
– أدبيات الشعب الإيراني في انتفاضته الجارية هي أدبيات نضال ووعي سياسي تنامى مع الأيام كمكتسبات فكرية تصوغها الأحداث والتجارب.. فمن يرفض هوية الشعب وقيمه سطحي ولا قيم ولا هوية له وبالتالي هو مرفوض من لدن الشعب وكان هذا الرفض مشروع بثورة شعبية عامة عارمة ومن يطعن في شرعية هذه الثورة وما قامت من أجله هو غير مشروع ولا محل له من الإعراب ولا في الوجود وهذا هو المنطق، وعندما يستحضر الملالي روح نادر شاه للإستعانة بها في كل شدة يمرون بها في مواجهاتهم مع الشعب فإنهم بذلك يطعنون بثورة عام 1979 وبشرعيتها وأن كل ما إدعوه بشأن هذه الثورة هو إدعاء باطل واحتيال من جهة ودليل على وجود تناغم بين الطرفين الدكتاتوريين الملالي وبقايا الشاهنشاهية المقبورة وهذا التجلي واضح في تحركات الملالي داخل إيران وخارجها وكذلك في تصريحات بقايا الشاهنشاهية المقبورة المخلوعة التي تريد العودة إلى الحياة بعظامها النخرة من بعد موت عميق ولا وسيلة لديها ولا وسبيل أمامها سوى التزاوج مع الملالي والإعتراف بمؤسساتهم القمعية كمؤسسات وطنية ضرورية من المستقبل وهذا ما يجدونه الملالي عامل إنقاذٍ مساعدٍ لهم في مواجهتهم ضد الشعب الثائر، وهذا ما يتطلب تلميع بقايا عظام الشاهنشاهية وبعض الأدوات الأخرى مهما كلف ذلك من ثمن.. وهنا قال الشعب لا للملالي ولا للشاه رافضا أي مشروع للإلتفاف على ثورته وانتفاضته.
– سعى الملالي مراراً لإسقاط شرعية الإنتفاضة بوسمها بالإنفصالية تارة، وتارة بالتبعية للخارج وقد فشلت في كل ذلك حيث كانت ردود الشعب الإيراني في طهران وسيستان وبلوشستان وكردستان وخوزستان واصفهان وتبريز وشيراز وكرج وخرم آباد ردودا واحدة موحدة نقية ودقيقة وموجهة كمعركة سياسية شديدة محتدمة طرفيها الشرعية واللاشرعية (الشعب في صف واحد وتوجه واحد، والدكتاتورية بشقيها الشاهنشاهي والملالي) وكان رد واضحا من خلال الشعار الوطني الذي رفعوه في كل تلك المناطق ( من زاهدان إلى طهران وكردستان و…، …، روحي فداء إيران) وشعارات أخرى مماثلة جسدت هذا الإنتماء الوطني وإسقطت إدعاء النظام بأن الإنتفاضة ورائها مشروع إنفصالية وسعى النظام إلى إثبات هذه الإنفصالية بالدم سواء بقتل أبناء الطائفة السنية في مساجدهم وشوارعم في سيستان وبلوشستان، أو المداهمات البربرية التي قام بها النظام في كردستان إيران، أو بالهجمات الصاروخية والحربية البربرية للنظام على الأراضي العراقية عدة مرات ولم يُفلح في ذلك.
– لم يعد لدى نظام الملالي مخرجا ولا منقذا من سوء مصيره الذي سيقع عليه عاجلا أم آجلا سوى أن يُحرك تيار المهادنة والإسترضاء لإحياء عظام الشاهنشاهية النخرة وبعثها إلى الوجود ولا مانع لديهم أن يتقاسموا معهم السلطة ولا مانع لدى الطرف الدكتاتوري الآخر أيضا في ذلك والمهم هو الإلتفاف على الإنتفاضة الإيرانية كمحاولة لحرف مسارها والقضاء عليها.
– الغرب يسعى إلى القضاء على انتفاضة الشعب باستمراره في نهج المهادنة والإسترضاء هذا وسعيه الحثيث الآن إلى إحياء الموتى وبث الحياة في بقايا وفلول الدكتاتورية الشاهنشاهية التي سقطت وهربت بفعل ثورة شعبية، سقطت وهربت ولا زال في أعناقها دماء أبرياء ومظالم سجناء بعضهم حيا يُرزق والآخر تفاه الله لكن أولياء الدم وأولياء الحق أحياءا يرزقون.
وختاما .. خلاصة للقول نقول أن المساعي الرامية إلى وأد الإنتفاضة الوطنية الإيرانية أو حرفها عن مسارها هي مساعي أقرب إلى العدائية وأبعد ما تكون عن القيم والأعراف والقوانين الدولية التي يتغنى ويتراقص بها الغرب .. وفي هذه المساعي نوايا واضحة على إبقاء معاناة الشعب الإيراني وشعوب ودول المنطقة إذ لابد للغرب من أزمة يصنعها ويديرها ويعمل على حلها وبين السطور يديم مصالحه.، أما الشعب الإيراني فمنتصر لا محالة.
وإن غدا لناظره قريب