السبب الكامن وراء القضاء على آلية دعم التبادل التجاري (INSTEX) منذ البداية: سياسة العرقلة الإيرانية
في التاسع من شهر مارس/ آذار، أعلنت كلّ من المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا بيان مشترك (معروف باسم E3) عن حل آلية دعم التبادل التجاري (INSTEX)، مشيرين إلى “العرقلة المستمرة من قبل نظام الملالي “.
كانت INSTEX هي آحد آليات الدفع التي أنشأها الاتحاد الأوروبي في عام 2019 لتسهيل حركة التجارة مع نظام الملالي، ممّا يسمح لها بتجاوز العقوبات الأمريكية. على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تفرض عقوبات على الأدوية والغذاء، كان من المفترض أن تساعد هذه الآلية طهران في الوصول إلى الاحتياجات الإنسانية الأساسية. على الرغم من حملة التضليل الممنهجة التي تلقي باللوم على العقوبات في جميع الأزمات الإيرانية تقريبًا، كان متعصّبي النظام الحاكم غير راضين عن تلك الآلية، نظرًا لأنهم لم يتمكنوا من استخدامها لتمويل أجهزتهم القمعية والإرهابية.
ووفقًا للبيان الصادر من E3 في 9 مارس/ آذار، “لأسباب سياسية، منع نظام الملالي بشكل ممنهج استخدام تلك الآلية. حيث وافق النظام على صفقة واحدة فقط، في أوائل عام 2020، لتصدير السلع الطبية من أوروبا إلى إيران. ويشدّد البيان على أن نظام الملالي “أعاق باستمرار وبشكل مُتعمّد مقترحات أخرى للمعاملات بين المملكة المتحدة والنرويج والاتحاد الأوروبي وإيران”.
كما أضاف البيان موضّحًا أن لنظام الملالي أهدافًا أخرى غير” التهرب من العقوبات ضد مساعدة الناس، و تكشّف لنا ذلك من خلال ” التصميم السياسي من قبل النظام على إعاقة استخدام آلية INSTEX تحت أي ظرف من الظروف. وبالتالي، اختارت قادة نظام الملالي العمل ضد مصالح الشعب الإيراني من خلال رفض التعاون في تصدير الأدوية وغيرها من السلع المنقذة للحياة.”
لماذا فشلت آلية دعم التبادل التجاري ؟
ردّاً على إلغاء آلية INSTEX من قبل الدول الأوروبية، ألقى المتحدث الرسمي باسم وزارة خارجية نظام الملالي، ناصر كناني، باللوم على القوى الأوروبية في فشل SPV وقال إن النظام ليس بحاجة إليها. لكن على الرغم من لعبة إلقاء اللوم على النظام وخطابه المتفاخر، فإن الحقائق على الأرض تكشف عكس ذلك. بدأ نظام الملالي في التحرك بشراسة ضد INSTEX منذ أيامه الأولى.
في عام 2015، وقّع نظام الملالي على اتفاق نووي مع السلطات الأمريكية، يُعرف رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA). توفّر الصفقة للنظام تخفيفًا كبيرًا للعقوبات والعديد من الحوافز الاقتصادية. لكنّ النظام لم يستخدمه لإنعاش الاقتصاد الإيراني المفلس أو لتلبية الحاجة المّاسة للمواطنين. بعد أن سُحقت تحت العقوبات، كان كل ما يبحث عنه النظام الراعي الأكبر للأرهاب في العالم هو وسيلة لتمويل أنشطته غير المشروعة.
وللأسف الشديد، سمحت سياسة الاسترضاء للقوى الغربية للنظام بأن تعطي القليل جدًا بينما يتلقّى الكثير. إلى جانب ذلك، كما اعترف مسؤولو النظام لاحقًا، لم يلتزموا أبدًا بشروط خطة العمل الشاملة المشتركة وأرغموا وخدعوا المجتمع الدولي لمنحه المزيد من حزم الحوافز. وعندما انسحبت الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، متعلّلة بالأعمال الاستفزازية للنظام، لجأ النظام إلى استخدام النهج الذي اعتاد على اتبّاعه مع الاتحاد الأوروبي الضعيف للمزيد من الابتزاز.
لذلك، بدأت القوى الأوروبية آلية INSTEX، لكن ذلك لم يساعد طهران لأسباب مختلفة. أولاً، كان أحد الشروط الرئيسية للنظام لاستخدام هذه الآلية هو قبول اتفاقيات مجموعة العمل المالي (FATF)، وهي هيئة دولية تراقب أنشطة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
تم رفع اسم إيران من القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي بعد توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015، بشرط أن يمرّر النظام المعلومات اللازمة لمجموعة العمل المالي اللازمة لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
لكنّ جميع الجهود باءت بالفشل. فقد امتنع نظام الملالي الحاكم عن المصادقة على اتفاقيتي غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب، نظرًا لأنّ اقتصاد البلاد يسيطر عليه الإرهابيون في قوات حرس نظام الملالي. وقد اعتبر بعض أعضاء النظام الداخليين أن المصادقة على اتفاقيات مجموعة العمل المالي “معاقبة ذاتية”.
لذلك، وضعت مجموعة العمل المالي نظام الملالي على قائمتها السوداء، حيث رفض النظام الانضمام إلى اتفاقيتي باليرمو ومكافحة تمويل الإرهاب (CFT) لمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، الأمر الذي كان من الممكن أن ينهي دعم الملالي للجماعات الإرهابية التي تعمل بالوكالة مثل حزب الله.
تجربة فاشلة
حتى الانضمام إلى مجموعة العمل المالي (FATF) لم يستطع أن يساعد نظام الملالي الحاكم في إيران بسبب الفساد المؤسسي. المرّة الوحيدة التي استخدم فيها النظام آلية INSTEX لاستيراد الأدوية، هو خير دليل على هذه الحقيقة. وفي عام 2020، بينما كان الإيرانيون يتصارعون مع جائحة فيروس كورونا، بسبب سوء إدارة النظام المتعمد لهذه الأزمة، لقي ما يقرب من نصف مليون شخص حتفهم.
أكدّ فشل آلية INSTEX مرة أخرى أن الدخول في حوار مع نظام الملالي وتزويدهم بحزم الحوافز، لن يعزّز الاقتصاد الإيراني، ولا يقنع النظام بوقف أنشطته الخبيثة. يستخدم نظام الملالي كل قرش لتمويل أجهزته الإرهابية. وقد أفاد البنك المركزي الإيراني أن نظام الملالي حققّ ما يقرب من 180 مليار دولار من عائدات تصدير النفط في 2018 و 2019 فقط. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح أين تم إنفاق هذه الأرباح.
يفتقر النظام إلى الشرعية نتيجة لعوامل تاريخية وسياسية ودينية واجتماعية، مع عدم وجود قاعدة شعبية في الداخل، والانتفاضة الأخيرة التي شهدتها البلاد هي شهادة على هذه الحقيقة. لذا، فإن نظام الملالي يحتاج إلى مصدر قوة غير سياسي، حيث يعتبر النظام انتهاكات حقوق الإنسان والإرهاب والأسلحة النووية أمورًا حيوية لبقائه. حيث يسعى النظام إلى تخفيف العقوبات دون الوفاء بأي التزامات مهمّة. الملالي سوف يتراجعون فقط عندما يواجهون خيارًا من شأنه تهديد بقائهم في السلطة، وليس خلال مفاوضات خادعة.