مستقبل إيران والديمقراطية والحكومة التمثيلية
اقتباسًا من كلمات الرئيس رونالد ريغان، كانت رحلة رضا بهلوي الملكية “مثل القناة الهضمية للطفل، مع شهية مفتوحة في أحد طرفيه وانعدام للمسؤولية على الطرف الآخر”. في كل مكان يذهب إليه، يبدو أن ابن الملك الإيراني السابق المكروه يثرثر بلغو سياسي لا قيمة له، ثمّ يتوارى عن الأنظار. ولم يكن بهلوي قادرًا على التنازل عن لقب “صاحب السمو الملكي” أو “وريث العرش”.
وقد ثبت أن ما يُسمّى بـ “جولته الأوروبية” كانت إخفاقًا تامًا في فرنسا والمملكة المتحدة، حيث رفض العديد من أعضاء البرلمان مقابلته. ووفقًا للجنة الدولية للبحث عن العدالة (ISJ):
“لم يجد رضا بهلوي ترحيبًا في أيّ من البلدان (ألمانيا، وفرنسا، وإنجلترا، وبلجيكا) من قبل مسؤول حكومي، أو رئيس البرلمان، أو رئيس لجنة الشؤون الخارجية، أو كبار أعضاء البرلمان، ولم يلتق سوى عدد قليل من الممثلين ذوي الميول السياسية المحدّدة معه. في البرلمان الأوروبي، حيث شنّت آلة دعاية قوية حملة لترتيب خطاب له في الأول من مارس/ آذار، حضره ثلاثة فقط من نوّاب البرلمان. وكانت العديد من المجموعات والفصائل البرلمانية قد أعلنت بالفعل لأعضائها أنها لن تشارك في تلك الجلسة المخصّصة لرضا بهلوي”.
من ناحية أخرى، طالب النائب الاسكتلندي السابق ستروان ستيفنسون، الذي يشغل منصب منسّق حملة من أجل تغيير إيران، حكومة المملكة المتحدة بقطع العلاقات مع النظام الإيراني ودعم المجموعة المعارضة، المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.
بينما صرّح النائب بوب بلاكمان، الرئيس المشارك للجنة الدولية للبرلمانيين من أجل إيران ديمقراطية: “بالنسبة لغالبية الشعب الإيراني، الشاه والملالي وجهان لعملة واحدة متمثلّة في الديكتاتورية الشمولية. ولهذا السبب دفعت أجيال من الإيرانيين أعلى ثمن لتأمين إيران حرة وديمقراطية بغضّ النظر عن المدّة التي تستغرقها “. في رحلته، كان بهلوي ينهش بكلامه في جسد حرمة المعارضة الإيرانية الرئيسية، منظمة مجاهدي خلق.
في النهاية، حاول بهلوي وضع السمّ في العسل من خلال تقديم عدوانية النظام في حرب العراق على أنها وطنية وخطاب الملالي التشهيري ضد منظمة مجاهدي خلق على أنه واقعي. يبدو أن ابن الشاه لديه ثلاث أمور تميّز شخصيته. الأمر الأول هو أنه يبدو وكأنه شخص ثرثار يائس أنتج قدرًا كبيرًا من المواقف غير المتسقة والمتناقضة بشكل هزلي في كثير من الأحيان. الأمر الثاني هو أنه يبدو انتهازيًا، ليس له تاريخ حقيقي من النشاط السياسي، فإنه يخرج من العدم على أمل ركوب موجة السخط ضد الملالي وفي النهاية ينفض الغبار عن عرش والده في طهران. والأمر الثالث هو أنه يبدو أنه يتصرف، حتى لو كان ذلك عن غير قصد، باعتباره حصان طروادة المثالي للملالي. وما يلي هو خير دليل على ذلك.
على الأرجح، يرحّب الملالي بنشاطات بهلوي المثيرة للانقسام لأسباب عديدة: أولها أنه يحمل الاسم نفسه للديكتاتور السابق محمد رضا بهلوي، الذي يمكن السخرية منه وإقصائه بسهولة. دعايته الملكية قد عفا عليها الزمن؛ فضلًا عن أنه ليس لديه أيّ منظمة يمكن معها من شأنها أن تشكّل تحديًا جديّاً للملالي. لم يتمكّن بهلوي من الحصول على دعم محلي أو دولي خلال الأربعين عامًا الماضية؛ بهلوي ليس لديه خطة عمل واضحة لتغيير النظام. حتى وقت قريب جدًا، كان مؤيدًا قويًا لإشراك العناصر الأكثر قمعية في النظام، بما في ذلك قوات حرس نظام الملالي، الذي ادّعى أنه على اتصال مباشر معهم على جميع المستويات؛ والأهم من ذلك، أنه ينضمّ طواعية إلى الملالي لمهاجمة خصومهم الأشداء، منظمة مجاهدي خلق الإيرانية. لذلك، لا يمكن للملالي أن يطلبوا حصان طروادة أفضل للتمتع بقاعات البرلمانات الأجنبية. يتم تعزيز هذه الفكرة من خلال الخطاب المناهض لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية.
في اللغة الشعبية الإيرانية، يمثّل مصطلحي”الشاه والملالی” وجهان لعملة واحدة. كلاهما مرفوض باعتبارهما شكلين محتقرين من الديكتاتورية أُلقيت في مزبلة التاريخ. أحدهما يرتدي العباءة والتاج، والآخر يرتدي العمامة والرداء. لكن طبيعتهم واحدة، ولهذا يهتف المتظاهرون في مختلف المدن، “الموت للظالم، سواء كان الشاه أو المرشد الأعلى (الملالی)”.
لم يحدث أن اجتمع مصطلحي الشاه-الملالی سوى لمعارضة القوى الاجتماعية الشعبية والتقدمية. على سبيل المثال، يكرر رضا بهلوي دعاية نظام الملالي ضد منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.
يجب الأخذ بعين الاعتبار رواية النظام المناهضة لمنظمة مجاهدي خلق التي نشرتها مؤخرًا وكالة أنباء تسنيم الحكومية، بعد أن دعم الكونغرس الأمريكي بأغلبية ساحقة برنامج منظمة مجاهدي خلق لمستقبل إيران. وأدان وزير خارجية الملالي هذه الخطوة رسميًا ووصف منظمة مجاهدي خلق بأنها “طائفة إرهابية”. وتابعت الصحيفة زعمها أن منظمة مجاهدي خلق لديها ماض إرهابي و “قاتلت إلى جانب صدّام حسين” خلال الحرب العراقية الإيرانية. وأضافت أن منظمة مجاهدي خلق شاركت أيضا في “مذبحة أكراد العراق”، ويبدو أن بهلوي يكرر هذه الدعاية. ويصف منظمة مجاهدي خلق بأنها “طائفة دينية”، وأنّ لها “ماض إرهابي”، و “خاضت الحرب ضد قواتنا”، و “شاركت في القصف الكيماوي … ضد الأكراد”. بعبارة أخرى، لم يأتِ رضا بهلوي حتى بحججه الخاصة لمهاجمة منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، ويبدو أنه يكرّر الدعاية التي أطلقها نظام يدّعي أنه يعارضه!
ومع ذلك، هناك الكثير من الأدلّة التي تتعارض مع مثل هذه الدعاية. من المعروف أنه عندما هاجمت القوات العراقية الأراضي الإيرانية عام 1980، سارعت منظمة مجاهدي خلق للدفاع عن وطنهم. وسجلّت وزارة الخارجية في عام 1984 الاعتراف بهذه الحقيقة، مشيرة في تقرير للكونغرس إلى أن “العراق غزا إيران في سبتمبر/ أيلول 1980، بينما توجّهت وحدات المجاهدين إلى الجبهة على الفور. لم يتسامح الأصوليون معهم إلا في الأيام الأولى من الحرب، وسرعان ما أقصوا معظمهم”. وبين عامي 1982 و 1988، فقد مئات الآلاف من الإيرانيين حياتهم أو أصيبوا بجروح خطيرة خلال الحرب العراقية الإيرانية. بينما دعت منظمة مجاهدي خلق إلى عقد السلام، بينما أيدّ رضا بهلوي وآخرون الصراع الطويل تحت ستار الشرف الوطني. إنهم مدينون للشعب الإيراني بالاعتذار عن دورهم في إطالة فترة المعاناة التي سببتها الحرب.
اليوم، حتى بعض كبار قادة قوات حرس نظام الملالي خلال الحرب يقولون إنه ما كان ينبغي للحرب أن تستمر بعد عام 1982. على سبيل المثال، قال القائد السابق لقوات حرس نظام الملالي، محسن رضائي في 25 سبتمبر/ أيلول 2016: “كان ينبغي للقوات الإيرانية ألّا تدخل الأراضي العراقية”. كانت تكلفة هذه الحرب غير الوطنية باهظة. كان الأمر لا يحظى بشعبية كبيرة لدرجة أنه وفقًا لمسؤول في عام 2017، “خلال الحرب، فرّ 600 ألف جندي من الجبهات”. قُتل ما يُقدّر بـ 100،000 جندي طفل على يد الملالي بعد إرسالهم إلى الجبهات.
في مقابلة عام 2018 مع قناة تلفزيونية ناطقة باللغة الفارسية، صرّح بهلوي: “أنا على اتصال بالجيش، وقوّات الباسيج، وقوّات حرس نظام الملالي. إنهم يرسلون إشاراتهم، معلنين عن استعدادهم، وتحالفهم مع الشعب. “كما أدلى رضا بهلوي بادّعاء سخيف أن منظمة مجاهدي خلق متورطة في الهجوم الكيماوي على مدينة حلبجة العراقية عام 1988. في 27 سبتمبر/ أيلول 2005، صرّح المحامي الفرنسي إيمانويل لودو لقناة ارتی الفرنسية، إن سفير النظام في باريس قد دعاه إلى السفارة الإيرانية ليقول: “دعونا نتفق على أنّ الجاني المشترك هو منظمة مجاهدي خلق الإيرانية. يجب أن يدلي كلا الطرفين بتصريحات مفادها أن المسئول عن ذلك كله هو منظمة مجاهدي الإيرانية. بهذه الطريقة يمكننا الحفاظ على سمعة كلا الطرفين. ما رأيك؟”
ولم يقتصر الأمر على ذلك، فوفقًا لرويترز في 22 مايو/ أيار 2002، “هناك وثيقة قانونية منذ عام 1999 موقّعة من قبل مسؤول كبير في مجموعة كردية عراقية كبيرة مفادها أنه لا يوجد دليل على أن مجاهدي خلق شاركوا في حملة الحكومة العراقية عام 1991 ضد الأكراد”. وللتذكير، قام والده بمعاملة الأكراد الإيرانيين بوحشية لا مثيل لها، حيث شنق مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني المحبوب قاضي محمد عام 1947 بتهمة ملفقة بالخيانة.
في الواقع، تجنبت الأحزاب الكردية الكبرى رضا بهلوي بشكل كامل. على سبيل المثال، صرّح أحد كبار قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني مؤخرًا: “لقد ناضل الشعب الكردي لمدة 33 عامًا للتغلب على الطغيان الملكي [بهلوي]”. وأضاف أن رضا بهلوي “دافع عن قوات حرس نظام الملالي منذ البداية. نريد الحصول على الحريات في المستقبل، لكن لا يمكننا رؤية هذه الحريات في آراء رضا بهلوي”. يدّعي بهلوي أن له دورًا موحدًا فوق كل المعارضة الإيرانية ويبرر افتقاره إلى الشفافية فيما يتعلق بآرائه في القضايا الأساسية. بل إنه يرفض الإجابة عن سؤال بسيط: من الذي منحه هذا المنصب؟ يُظهر ابن الشاه افتقاره إلى خطة ملموسة للإطاحة بالملالي. لا شكّ أن ما يخرج مثل حشيش ضار لعرقلة ثورة الشعب الإيراني عمليًا سوف يتلاشى بسرعة مثل الرغوة على الماء.
إلى جانب كونه نجل طاغية مخلوع مسؤول عن قتل وسجن وتعذيب المعارضين والمثقفين أثناء تأسيس نظام الحزب الواحد، فإنه لا يتمتع بأوراق اعتماد أخرى. إنه لأمر مثير للسخرية أن يدّعي شخص مثل ابن الشاه، وهو جاهل على المستوى السياسي، أن الناس، وخاصة منظمة مجاهدي خلق، يمكن منعهم من الوصول إلى المعلومات المجانية والمستقلة في القرن الحادي والعشرين، خاصة في خضمّ عصر المعلومات. وبحسب صحيفة كريستيان ساينس مونيتور، فإن المحامي “أ. يدّعي مايكل أودواير أن الشاه سرق الأموال [من إيران] وأعطاها إلى مؤسسة بهلوي ثم سرق الأموال من المؤسسة، التي يقول السيد أودواير أنها كانت مُدارة من قبل الشاه … ويطالب أودواير إعادة حوالي 56 مليار دولار من الشاه وحوالي 3 مليارات دولار من أخته الأميرة أشرف “.
دخل دبلوماسي أجنبي ذات مرة إلى مكتب أبراهام لنكولن، ووجد الرئيس يلمَع حذائه. سأل بازدراء: “سيادة الرئيس! تلمّع حذائك بنفسك؟” أجاب لينكولن، “نعم، هل تلمّع أنت حذاء شخص آخر؟” الحقيقة هي أن منظمة مجاهدي خلق اعتمدت على مواردها الخاصة وقدرتها على تطوير أقوى معارضة للملالي بجذورعميقة في المجتمع الإيراني. إنهم فخورون بالتضحية بحياتهم ومصادر رزقهم من أجل الشعب الإيراني. رضا بهلوي، من ناحية أخرى، سيثير دائمًا اللامبالاة في أذهان الشعب الإيراني والمعارضة الديمقراطية لأنه يبدو أنه يلمّع أحذية قوات حرس نظام الملالي.
المصدر: تاون هال