ما وراء الخطاب؛ في رسالة 130 نائباً أمريكياً إلى جوزيف بورِل
هل فعلا أوكرانيا وشعبها يعنون الأوروبيون في شيء كما ادعوا بلغة فجة وغير ملائمة أنهم منهم شكلاً وعرقاً وديناً وأنهم سيدعمونهم! أم أنها مجرد شعارات وأن ما يعنيهم في الحقيقة هو هدم روسيا حتى أخر جندي يقاتل بإسم أوكرانيا؟
ما سر التصعيد الأوروبي في وجه روسيا، والسعي في الوقت ذاته إلى استجداء رضى نظام الملالي الذي يدعم الحرب ضد أوكرانيا وصواريخه وغربانه الإنتحارية المسيرة خير دليل على الأرض في جبهات القتال في أوكرانيا؟
هل يدعم النظام الإيراني روسيا في حربها ضمن مخطط غربي لإستنزاف روسيا يكون هو إحدى الأدوات المحفزة على ذلك وبإتفاق مسبق أو بتوجيه غربي؟
هل ضل الإتحاد الأوروبي الطريق أم أنه كعادته يغلب لغة المصالح يرعاها السيد بورِل على الشعارات والقيم؟
ألا يعرف قادة الإتحاد الأوروبي وعلى رأسهم السيد جوزيف بورِل أن المكان الصحيح لما يسمى بـ الحرس الثوري الإيراني هو قائمة الإرهاب خاصة بعد سجله الإرهابي والإجرامي في إيران والعراق ولبنان واليمن وسوريا وأوروبا ومناطق أخرى؟
ألا تستوجب الهجمات الكيميائية المحدودة الموجهة لمدارس البنات في جميع أنحاء إيران بالإضافة إلى قمع المتظاهرين وقتل النساء والأطفال وخطف الرهائن ونشر الإرهاب والتطرف موقفاً أوروبياً يحترم ما شرعته أوروبا من قوانين وقيم، ويعجل بشجاعة على وضع وتصنيف هذا الحرس ككيان إرهابي على القائمة الأوروبية،
ماذا تعني رسالة 130 نائباً أمريكيا إلى السيد جوزيف بورِل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية والأمن بشأن إدراج قوات ما يسمى بـ الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب في الإتحاد الأوروبي؟
ماذا يعني وضع الأدلة والدوافع القانونية بين يدي السيد جوزيف بوريل من قبل النواب الأمريكان كتبصرة ليتخذ قراره؟
ماذا يعني أيضا عدم إنصياع أقلية أوروبية متنفذة لقرار أغلبية تشريعية أوروبية نقية وصائبة في منطقة تدعي الديمقراطية و… … وغيرها من الشعارات الرنانة؟
ألا يعرف السيد جوزيف بوريل أن النظام الإيراني قد نظم في السنوات الخمس الماضية ما لا يقل عن 33 مؤامرة لاختطاف أو اغتيال مواطنين في أوروبا؟
ألا يعرف السيد جوزيف بورِل بالتهديد المتزايد الذي يشكله النظام الإيراني على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومواطنيها وهو ما يوجب عليه إدراج قوات الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب في الإتحاد الأوروبي على وجه السرعة دون أن يطلب منه النواب الأمريكان النظر في هذا الأمر الخطير على الأمن الاوروبي؟
تُرا مالذي يدفع 130 نائباً في الكونغرس الأمريكي إلى قول: نعتقد أن هناك الكثير من الأدلة المتاحة لدى الاتحاد الأوروبي لتوفير الأساس اللازم لتصنيف “قوات الحرس” ككيان إرهابي على قائمته؟ أو إستشهاد أعضاء الكونغرس الأمريكي بما أفاد به رئيس جهاز المخابرات البريطانية في نوفمبر 2022 أنه منذ يناير 2022 كان هناك ما لا يقل عن 10 مؤامرات للخطف أو الاغتيال من قبل الحرس الثوري الإيراني تستهدف أشخاصاً متمركزين في المملكة المتحدة؟
ما حجم التنازلات التي قدمها ويقدمها نظام الملالي الحاكم في إيران وتستوجب كل هذه التضحيات الأوروبية لأجل ملالي طهران؟
ما سر التمسك الأوروبي المستميت بسلطة النمطية الدكتاتورية الطغيانية في إيران منذ الإنقلاب على القاجاريين فقد كانوا محتضنين داعمين لحقبة الدكتاتورية الشاهنشاهية الكريهة واليوم لدكتاتورية الملالي الدموية الظلامية؟ ألا يعني ذلك تغاضيا أوروبيا عما يسمونه بالقيم الأوروبية والشرعية الدولية إن لم تكن شراكة غير مباشرة في المسؤولية عما ارتكبته هذه الأنظمة الطغيانية من فظائع!!! أم أن ما يرفعه الأوروبيون من شعارات وما يسمونه بالقيم وبالشرعية الدولية فكرا خاصاً لا يشمل سوى شعوباً بعينها؟
ما سر الإنقسام الأوروبي الكبير على ذاته وعدم إكتراث أقلية أوروبية متنفذة بفقدان سمعتهم التي لا يزالون يعملون على تطهيرها من قبح الحقبة الإستعمارية؟
عود إلى الرسالة الهامة التي أرسلها النواب الأمريكان الـ 130 إلى السيد جوزيف بورِل المنسق العام للسياسة والأمن في الإتحاد الأوروبي والتي تعبر عن حقيقة رغبة الأغلبية في الولايات المتحدة الأمريكية في إتخاذ قرار أوروبي صائب يصحح وضع بوصلة المسار السياسي مع نظام الملالي الحاكم في إيران حماية للشرعية الدولية قبل أن يكون دعما للشعب الإيراني الذي تغاضى الغرب عن دمائه المُراقة في الشوارع وتعذيبه والتنكيل به في السجون وقتل الأطفال والنساء، واستخدام الأسلحة الكيميائية الموجهة لمدارس البنات كآخر إبداع لنظام الملالي في قمعه للشعب الإيراني وخاصة المرأة التي قادت المظاهرات ضده مطالبة بإسقاطه وإحلال بديل ديمقراطي، ولكن على ما يبدو وفقاً للمسار الأوروبي الحالي أن البدائل الديمقراطية لا تتوافق مع رؤية الغرب ومخططاته ولا تخدم مصالحه التي لم يعد بالإمكان تحقيقها بالنمطية الإستعمارية القديمة ويسعى إلى تحقيقها بأنظمة كنظام الشاه المخلوع ونظام الملالي الآيل للإنهيار بعد تآكله الداخلي وتعاظم ثورة الشعب ضده ورفضه له جملة وتفصيلا، ومن هنا لا تأتي رسالة النواب الأمريكان من الأوروبيين بوضع وتصنيف قوة ما يسمى بـ الحرس الثوري ككيان إرهابي على قائمة الإتحاد الأوروبي مطلباً ورغبة أمريكيةً وإنما دعوة لإصلاح سمعة أوروبا والحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه.
أما ما وراء الخطاب في رسالة 130 نائباً أمريكياً إلى جوزيف بورِل عدا إصلاح الملامح الشكلية للصورة الأوروبية هو سؤال واحد بعد وضع كل تلك الأدلة والمرتكزات القانونية وموجبات القرار.. قرار درج الحرس على قائمة الإرهاب الأوروبية ؛ والسؤال هو (ماذا وراء استرضائكم في أوروبا لملالي إيران وتغاضيكم عن جرائمهم وإخلالهم بالأمن الأوروبي والعالمي) هذا.. بالإضافة إلى ما فعلوا ويفعلون بحق الشعب الإيراني ودول وشعوب منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والعالم.
كثيرة هي الأسئلة التي يمكن وضعها في هذا الإطار؛ والإجابة عليها واضحة وكارثية ولا يستطيع الغرب الإفصاح بالجواب عليها؛ لكن أحداث الأيام أجابت وتجيب عليها، والقادم صعب على مركب الغرب المتجهة نحو الغرق ولن تجدي سياساتهم الهرمة تلك في إنقاذها.. أما الشعوب فستصنع مصائرها بأيديها كما فعلت من قبل وقال التاريخ.
إنتظروا إنا معكم منتظرون…
د.محمد الموسوي / كاتب عراقي
ملاحظة / جزءاً من المقال مقتبساً من نص الرسالة.