القمع في الداخل وإشعال الحروب في المنطقة هما قاعدتان أساسيتان للحفاظ على بقاء نظام الملالي في إيران
صادق بهروزي
نشهد في إيران هذه الأيام تصاعد عمليات الإعدام وتكثيف القمع. ففي 23 نوفمبر، أعدم نظام الملالي عامل تعبيد الطرق يُدعى ميلاد زهره وند، والذي تم اعتقاله في مدينة ملاير، خلال الاحتجاجات الوطنية عام 2022، ولم يتم حتى تسليم جثته لأهله، ولم يسمحوا بدفنه في مسقط رأسه.
وأعدم نظام الملالي ما لا يقل عن 106 شخصًا، خلال شهر نوفمبر. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا قام نظام الملالي بتكثيف القمع داخل إيران، ويسعى إلى إشعال المزيد من الحروب في المنطقة؟
لقد اعتمد الملالي الحاكمون في إيران، والذين فرضوا نظامًا متخلفًا قروسطيًا على الشعب الإيراني، منذ بداية انتزاعهم السلطة من الشعب الإيراني؛ على ركيزتين رئيسيتين للحفاظ على نظامهم. إحداهما هي القمع والإعدام داخل إيران، والأخرى هي تصدير الإرهاب وإشعال الحروب في المنطقة.
يرجع قيام نظام الملالي بإشعال الحروب الحالية في المنطقة إلى أن الوضع داخل إيران متفجر وأن الملالي يخشون اندلاع انتفاضة أخرى، لذلك قاموا بتكثيف القمع في الداخل، ويسعون كعادتهم إلى التستر على أزماتهم الداخلية بإشعال الحروب في المنطقة.
أعلن مجاهدو خلق منذ بداية انتزاع نظام الملالي السلطة من الشعب أن هذا النظام نظام رجعي ولا يتوافق مع ظروف المجتمع الإيراني، ولا يلبي احتياجاته، ولا يتمتع بشرعية تاريخية؛ لأنه نشأ من أعماق التاريخ من داخل أكثر القوى الرجعية تخلفاً مثل وحش خرج من القفص.
أي أنه نظام رجعي ومتخلف لا يتوافق مع هذا العصر، وقد اختطف خميني الثورة المناهضة للملكية بالغدر والتواطؤ مع القوى الأجنبية، وفرض على الإيرانيين نظامًا قروسطياً يسمى “ولاية الفقيه”. وأراد هذا النظام الحفاظ على حكم الملالي بالقوة؛ نظراً لأنه كان متخلفاً وعاجزاً عن تلبية احتياجات المجتمع الإيراني. ولذلك، لجأ منذ البداية إلى القمع والبلطجة ثم بادر بقتل وإعدام أبناء الوطن.
وسرعان ما يلجأ هذا النظام الفاشي إلى حيلة ما كلما واجه احتجاجات شعبية كبيرة وشعر بالسقوط؛ لإبعاد انتباه الناس عن المشاكل التي يعاني منها، وذلك من أجل الحفاظ على وجوده لبضعة أيام أخرى.
كما بدأ هذا النظام في الظروف الحالية، وبالتوازي مع القمع والإعدامات في الداخل؛ في التدخل في شؤون الدول الأخرى وإشعال الحروب، بغية الحفاظ على بقاءه في الحكم، والسعي إلى توسيع نطاق تدخله ونفوذه في المنطقة.
ويسعى هذا النظام الفاشي إلى الحفاظ على حكمه مستغلاً الأزمات الخارجية، كما كان يفعل دائماً في العقود الـ 4 الماضية. وحاول الملالي الحفاظ على نظامهم من خلال افتعال الأزمات وإشعال الحروب، وهذا الموضوع يحتاج إلى بحث منفصل، ولكن يمكننا القول على سبيل المثال إن خميني واصل الحرب العراقية الإيرانية لمدة 8 سنوات، ووصف هذه الحرب بأنها نعمة إلهية، وقال إنه سيواصلها حتى لو استمرت لمدة 20 عاماً. ولكننا رأينا كيف أجبره جيش التحرير الإيراني عام 1988 على تجرع كأس سم وقف إطلاق النار.
واستخدم خميني الحرب كذريعة لقمع المعارضة الداخلية، وبادر بقتل وإبادة مجاهدي خلق في السجون.
واستغل خميني ظروف الحرب لإنشاء جيش آخر أطلق عليه اسم “قوات حرس نظام الملالي” لحماية نظام ولاية الفقيه.
وفضح مجاهو خلق سياسة نظام الملالي المؤجِّجة للحروب، وألقوا الضوء على مخاطرها، واختاروا سياسة السلام التي تنطوي على تبني خطوات مختلفة مثل التفاوض والدبلوماسية وعدم العنف كسياسة رسمية لهم. وفي نهاية المطاف، أجبروا خميني على تجرع كأس سم وقف إطلاق النار، فشربها وأصيب بسكتة قلبية وهُلك.
بيد أن نظام الملالي تمادى في انتهاج سياسية التدخل في شؤون دول المنطقة، نظراً لأنها كانت أحد الركائز الأساسية لاستمرار بقاء هذا النظام الفاشي.
ومنذ ذلك الحين، بدأ نظام الملالي في ممارسة سلطته في لبنان، مما أدى في نهاية المطاف إلى إنشاء قوته المرتزقة المسماة بـ “حزب الله”، التي هيمنت على لبنان.
وأعلنت المقاومة الإيرانية، في ثمانينيات القرن الميلادي الماضي، أن النظام الحاكم في إيران هو نظام إرهابي ديني، وهو السبب الرئيسي للإرهاب وإشعال الحروب في المنطقة.
وأكدت المقاومة الإيرانية، ولا سيما السيدة مريم رجوي مراراً وتكراراً، في تسعينيات القرن الميلادي الماضي، أن هذا النظام يشكل تهديداً للأمن والسلام العالميين، وأن مركزه الرئيسي يقع في مدينة طهران الإيرانية.
وأعلنت السيدة مريم رجوي، في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتحديداً بعد احتلال العراق وتدخل نظام الملالي في هذا البلد؛ أن سيطرة هذا النظام الفاشي على العراق أخطر من القنبلة الذرية بمقدار مائة مرة.
كما أن تدخل نظام الملالي في الدول الأخرى في الوقت الراهن فريد من نوعه، حيث يسرق مئات المليارات من أموال ودخل الشعب الإيراني، ومن موائد سفرة المواطنين ليضخها في الجيوب الفضفاضة لمرتزقته العاملين بالوكالة، والذين يرتكبون أي جريمة تحت قيادة قوات حرس نظام الملالي.
بيد أنه ليس من شأن سياسة القمع والإعدام داخل إيران، ولا إشعال الحروب وتصدير الإرهاب؛ التي ينتهجها الملالي منذ أربعين عاماً ونيف؛ أن تصل بنظامهم الفاشي إلى بر الأمان، نظراً لأن هذا النظام يواجه مأزقاً حقيقياً في جميع المجالات داخل إيران، وليس لديه القدرة على حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن 4 عقود من القمع والنهب.
وتشير الأرقام والإحصاءات الرسمية التي تنشرها أجهزة هذا النظام الفاشي ووسائل إعلامه إلى أن الفقر والبطالة والتضخم وغيرها من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية؛ أصبحت عميقة لدرجة أن هذا النظام لم يعد قادراً على حلها.
كما أظهر الشعب الإيراني تصميمه في انتفاضاته الكبرى في أعوام 2017 و2019 و2022؛ على إسقاط هذا النظام. كما يعترف خبراء نظام الملالي بأن هناك انتفاضات أكبر تلوح في الأفق.
ومن ناحية أخرى، كثَّفت شبكة أنصار المقاومة الإيرانية، والمعروفة باسم “وحدات المقاومة” والتي لعبت دوراً بارزاً في انتفاضة العام الماضي؛ من أنشطتها لوضع حدٍ لجو القمع الذي يواجهونه. ونتيجة لذلك، حتى لو تمكَّن النظام الحاكم في إيران من إطالة عمره لبضعة أيام باللجوء إلى إشعال الحروب في المنطقة، فإن هذه الإجراءات لم تتعدى كونها مسكنات للألم، وليست من شأنها أن تنقذ نظام الملالي من الإطاحة به.
نشهد هذه الأيام أن المواطنين في إيران يشعرون بالاستياء من الوضع الاقتصادي في البلاد، ونقص احتياجاتهم المعيشية، ولهذا السبب يخرجون إلى الشوارع في مختلف المدن للتعبير عن غضبهم والمطالبة بتحسين الأوضاع. وسوف تتفاقم التوترات تحت السطح وتنفجر في النهاية إلى صراع مفتوح.