الفساد في الصميم: الكشف عن قبضة الأوليغارشية لنظام إيران
إن النظام الإيراني، الذي غالبا ما يصوره النقاد على أنه من بين الأنظمة الأكثر فسادا على مستوى العالم، يعمل ضمن إطار حكم القلة الذي يعطي الأولوية لتوطيد السلطة قبل كل شيء. ويبدو أن القوانين واللوائح لم توضع لدعم العدالة أو الصالح العام، بل لضمان بقاء النخبة الحاكمة وهيمنتها. ولا يتجلى هذا الفساد المنهجي في الاختلاسات المالية والفضائح فحسب، بل يتجلى أيضًا في نموذج الحكم الذي يفرق بشكل صارخ بين الأقوياء والضعفاء.
إن التعامل مع قضايا الفساد البارزة، من الاختلاس داخل المؤسسات المرموقة إلى إفلات النخب السياسية المتورطة في فضائح مالية من العقاب، يسلط الضوء على الطبيعة الأوليغارشية للنظام. إن حالات الفساد هذه ليست مجرد حالات شاذة، بل هي أعراض لتعفن عميق داخل النظام، حيث يعتمد تراكم السلطة وممارستها على المحسوبية والمحسوبية والاستغلال.
الفضيحة الأكثر شهرة لهذا العام، والتي أطلق عليها اسم “شاي دبش”، تنطوي على اختلاس ما يقرب من 3.37 مليار دولار من العملات الأجنبية المخصصة لاستيراد الشاي من قبل مجموعة دبش للصناعات الزراعية. وتسلط هذه الفضيحة الضوء على مشكلة عميقة الجذور داخل الاقتصاد الإيراني، حيث، بدلاً من تسهيل استيراد الشاي الهندي عالي الجودة، تم تحويل الأموال إلى السوق المفتوحة أو استخدامها لاستيراد الشاي الكيني الأقل جودة. ويثير رد الحكومة على الفضيحة، ولا سيما إقالة 60 مسؤولا دون أي متابعة قضائية، تساؤلات حول المساءلة داخل إدارة رئيسي.
ومما يزيد من تعقيد شبكة الفساد اعتقال أبناء محمد مصدق كهنموئي، النائب الأول للسلطة القضائية، بتهم الرشوة واستغلال النفوذ. وتسلط قضيتهم، إلى جانب استقالة والدهم، الضوء على تعامل القضاء الغامض مع الفساد داخل صفوفه. ويكشف هذا الحادث، إلى جانب الافتقار إلى الشفافية في إجراءات القضاء، عن تجاهل مثير للقلق للمساءلة العامة.
وتضيف قضية محمد كاظم صديقي، وهو شخصية دينية بارزة وإمام صلاة الجمعة المؤقت في طهران، المتهم بالاستيلاء على أراضي تقدر قيمتها بحوالي 23.8 مليون دولار، بعدًا دينيًا لسردية الفساد. ويشير تورط شخصية مرتبطة بشكل وثيق بالولي الفقیة علي خامنئي في مثل هذه الفضيحة إلى وجود مشكلة نظامية تتجاوز المجال السياسي وتدخل المجال السیاسیة للدولة الإيرانية.
علاوة على ذلك، تكشف محاولة هجرة إسحاق، نجل محمد باقر قاليباف، إلى كندا، عن التفاوت بين الشخصيات العامة والمعاملات الخاصة للنخبة السياسية الإيرانية. وعلى الرغم من ادعاءات قاليباف بالتواضع والنزاهة، فإن الاستثمارات الأجنبية الكبيرة التي يقوم بها ابنه تتناقض مع الصورة العامة للأسرة، مما يشير إلى وجود نمط من الامتيازات والفساد بين المستويات العليا في النظام.
وأخيرا، فإن الكشف عن الاختلاس داخل مقر خاتم الأنبياء للإنشاءات التابع للحرس من خلال معاملات سويفت المزيفة يسلط الضوء على تورط الحرس في الفساد الاقتصادي. إن غياب المتابعة القضائية لهذه الادعاءات بعد عامين ونصف يؤكد إحجام النظام عن مواجهة الفساد داخل أجهزته الأمنية.
ولا توضح هذه الحالات، من بين أمور أخرى، مدى اتساع وعمق الفساد داخل إيران فحسب، بل توضح أيضًا التطبيق الانتقائي للنظام للقوانين النظام. وفي حين يواجه اللصوص الصغار عقوبات شديدة، بما في ذلك بتر الأطراف، بموجب الشريعة الإسلامية، فإن المسؤولين رفيعي المستوى وأقاربهم المتورطين في مخططات الفساد الواسعة غالبا ما يتلقون معاملة متساهلة. ويثير هذا المعيار المزدوج تساؤلات جوهرية حول مدى التزام النظام بالعدالة وسيادة القانون.
ويشير نهج النظام الإيراني في التعامل مع الفساد، والذي يتسم بمزيج من الإنكار والتنفيذ الانتقائي والإجراءات القضائية الغامضة، إلى اعتماد منهجي على الفقه الإسلامي ليس كوسيلة للحكم الأخلاقي ولكن كأداة للسيطرة السياسية وحماية النخبة. لم يعد الشعب الإيراني ينخدع بخداع النظام، ومن الواضح لهم أن استخدام الدين كأداة من قبل النظام ليس إلا للحفاظ على الحكومة ومزيد من القمع.
ومن الواضح لهم أن السبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو إسقاط هذا النظام المفترس والمعادي للشعب من خلال نهب المافيا الحكومية أو إنفاق أموالها في الحروب الإقليمية.
تظهر انتفاضات 2017 و2019 و2022 أن الشعب الإيراني قرر تجاوز هذا النظام، وسوف يتحقق هذا الاحتمال عاجلاً أم آجلاً.