كيف دخل النظام الإيراني في وضع إدارة الأزمات بعد هلاک رئيسي؟
یثير هلاک رئيس النظام الإيراني إبراهيم رئيسي، إلى جانب وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان والعديد من المسؤولين الآخرين رفيعي المستوى، أسئلة أكثر من الإجابات. ونظراً لتاريخ النظام الطويل في السرية والخداع والتلاعب بالرأي العام، فحتى لو نشر معلومات وتفاصيل حول الحادثة، فلا يمكن الوثوق بمثل هذه الإفصاحات. لكن الأمر المؤكد هو التداعيات السياسية والاجتماعية لهذا التطور الكبير.
وفي يوم الأحد 19 مايو، سافر وفد من كبار مسؤولي النظام إلى شمال غرب البلاد لافتتاح سد والالتقاء بوفد من أذربيجان. ووسط توترات غير مسبوقة مع الغرب والجهود المبذولة لزعزعة استقرار العديد من دول المنطقة، كانت طهران حريصة على إظهار علاقات إيجابية مع جيرانها. وكانت أذربيجان هدفًا مهمًا بشكل خاص بسبب الأزمة التي أعقبت إطلاق النار على سفارتها في طهران في 27 يناير 2023، والاشتباكات الحدودية المستمرة بين أرمينيا وأذربيجان حول منطقة قره باغ. ونشرت وسائل الإعلام الحكومية على الفور أخبارًا وصورًا للحدث.
ومع ذلك، لم يتمكن رئيسي وأمير عبد اللهيان من الاحتفال بالجهود الدبلوماسية يوم الأحد باعتبارها إنجازًا آخر. ووفقا لوسائل الإعلام الرسمية، فإن الطقس في منطقة ورزكان، على طول مسار رحلة رئيسي وفريق أمير عبد اللهيان، كان سيئا للغاية.
وتشير التقارير إلى أن ثلاث مروحيات غادرت موقع الافتتاح، وعادت اثنتان بسلام. وبالنظر إلى أن المروحية الرئيسية كانت تقل الرئيس ووزير الخارجية، فإن العودة الآمنة للمروحيتين المرافقتين دون المروحية الأساسية لا يمكن اعتبارها مجرد إشراف أمني. ويجب أن نستنتج، على أقل تقدير، أن طهران كانت على علم بأسباب وعواقب فشل مروحية رئيسي وأمير عبد اللهيان في العودة.
وبحسب موقع “عصر إيران” الحکومي، أفاد الخبراء أن المروحية التي استخدمها رئيسي وأمير عبد اللهيان كانت من طراز بيل 412، تم بناؤها في التسعينيات وكانت في الأصل مملوكة لشركة نفط. وبعد إجراء إصلاح شامل وتركيب معدات خاصة مثل أجهزة الرؤية الليلية، تم إضافتها إلى الأسطول الرئاسي. وبذلك يكون عمر المروحية المفقودة في حادثة مقاطعة أذربيجان الشرقية حوالي 40 عامًا.
نقاط ضعف عسكرية ولوجستية شديدة
إن النظام الذي طالما ادعى أنه القوة الرائدة في المنطقة، والذي يصدر الصواريخ والطائرات بدون طيار إلى بلدان أخرى ويطلق أكثر من 300 صاروخ وطائرة بدون طيار على إسرائيل في ليلة واحدة، واضطر في 19 مايو إلى أن يثبت للعالم أنه غیر قادر على ذلك ولا تضمن سلامة كبار مسؤوليها التنفيذيين، ناهيك عن إنقاذهم. وبالتزامن، حشدت طهران أكثر من نصف القوات الأمنية والمسلحة في محافظة أذربيجان الشرقية، ونشرت المئات من فرق البحث، وتجنبت إعلان نتائج عمليات البحث، كاشفة عن افتقارها إلى التنظيم والمعدات اللازمة لتحديد مكان كبار مسؤوليها، وبالتالي كسبت عار عالمية.
وتصاعد الوضع إلى درجة أنه حتى بعد أن عرضت دول مثل تركيا المساعدة في البحث عن حطام المروحية، نفى النظام أي مساعدة أجنبية من خلال وسائل الإعلام الحكومية. ووصف بير حسين كوليوند، رئيس جمعية الهلال الأحمر التابعة للنظام، دور المساعدات الخارجية في تحديد موقع مروحية رئيسي بـ”الإشاعة”.
وكما فعلت في الأزمات الماضية، دخلت دكتاتورية الملالي في وضع “إدارة الأزمات” يومي 19 و20 مايو/أيار، في محاولة لإخفاء الحقيقة بمعلومات متناقضة. وبالنسبة للنظام الذي قمع بشكل دموي العشرات من الانتفاضات الوطنية والمحلية منذ عام 2017، فإن الموت المتزامن للعديد من كبار المسؤولين والمتواطئين في الجرائم ضد الإنسانية والإرهاب العالمي هو مسألة “أمن قومي”.
ومن أجل إدارة التأثير النفسي بشكل كامل ومنع الصدمة الاجتماعية، تعمدت طهران نشر أخبار متناقضة حول المجموعة المفقودة لأكثر من 12 ساعة. وتعمد النظام الترويج لنظرية “الهبوط الصعب” فيما يتعلق بمروحية رئيسي، في حين ادعى جميع المسؤولين المحليين الجهل. وزعم غلام حسين إسماعيلي، رئيس مكتب رئيسي، أن محمد علي هاشم، إمام صلاة الجمعة وممثل خامنئي في تبريز، أجرى اتصالاً بالمركز، وأن بعض المسؤولين الآخرين زعموا أنهم تلقوا إشارات حياة من المروحية التي سقطت.
وقد ظهر علي خامنئي، المعروف بعدم استجابته السريعة، في ظهور علني نادر خلال أقل من 24 ساعة من الحادث. وفي كلمته أمام أعضاء تم اختيارهم تحت ستار عائلات الحرس ، أكد لقوات النظام المعنية بشدة، مشيرًا إلى أنه يجب على السلطات منع الاضطرابات. بل إن خامنئي استخدم لغة الجسد وحاول إظهار إشارات حازمة، في حين أشار إلى أن أمله ضئيل في بقاء الوفد رفيع المستوى. وبعد الإعلان عن هلاک رئيسي وأمير عبد اللهيان، سارع بتعيين خلفائهم ودعا إلى إجراء الانتخابات في غضون 50 يومًا.
وقال وزير الداخلية أحمد وحيدي، خلال مراسم تشييع ضحايا تحطم المروحية الرئاسية: “لو حدث هذا الحادث المأساوي لأي دولة أخرى، لكان قد ألقى بظلال قاتمة للغاية على مستقبلهم. ولكن بفضل وجود خامنئي والرسالة التهدئة التي نقلها للجميع، سترون أننا في إيران سنتجاوز هذه القضايا بسهولة.
أثار خبر تحطم مروحية إبراهيم رئيسي فرحة عارمة بين ملايين الإيرانيين داخل البلاد وخارجها. وأظهرت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي أشخاصا يوزعون الحلويات ويحتفلون بالألعاب النارية، رغم المخاطر التي تهدد حياتهم، والتي يشكلها نظام يقتل مشجعي كرة القدم المحتفلين بالذخيرة الحية.
وكان إبراهيم رئيسي معروفًا بين الإيرانيين باعتباره الشخص الذي وقع على أحكام الإعدام لآلاف المعارضين طوال حياته المهنية الدموية. وباعتباره شخصية رئيسية في “لجنة الموت” المسؤولة عن مذبحة عام 1988، فقد ورد اسمه في رسالة خميني إلى لجنة الموت.
وبعد الإعلان عن هلاک رئيسي وأمير عبد اللهيان، انتهز قادة بعض الدول الفرصة بلا خجل للتقرب من خامنئي وإرسال التعازي، الأمر الذي أثار انتقادات شديدة من مواطنيهم وشخصياتهم السياسية. وانتشر وسم #NotInMyName، الذي تم إطلاقه ردًا على تعازي رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل لطهران، في العديد من البلدان على موقع X (تويتر سابقًا).
تعكس ردود الفعل هذه 45 عامًا من سياسة الغرب الفاشلة في استرضاء قتلة الشعب الإيراني، مقابل أربعة عقود من نضال الشعب الإيراني للإطاحة بالنظام الحاكم. إذا كان لدى المرء شك في المسار الذي قد يتخذه خامنئي بعد هلاک إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته، فإن إجراءات إدارة الأزمة في طهران هي بمثابة دعوة للاستيقاظ وتوفر رؤى سياسية واجتماعية كافية لاستخلاص استنتاجات حول التطورات المستقبلية في إيران.