انتفاضة 2022: نقطة تحول في نضال إيران من أجل الحرية
تُعتبر الانتفاضة الوطنية التي اندلعت في الأسبوع الأخير من سبتمبر 2022، والمعروفة بانتفاضة مهسا، بقيادة النساء والفتيات الشجاعات في إيران، بلا شك واحدة من أوسع وأهم الانتفاضات التي شهدتها إيران في السنوات الأخيرة. وقد تنبأت المقاومة الإيرانية بهذه الانتفاضة نتيجة صراعها المكلف الذي دام 44 عامًا ضد الديكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران، وفهمها للوضع المتفجر في المجتمع الإيراني.
وأظهرت التقييمات والتحليلات أن سياسة خامنئي في تعزيز السلطة قد وصلت إلى طريق مسدود. وكانت هذه السياسة المضادة للشعب تهدف إلى كبح الانتفاضات الشعبية، ولكنها فشلت عمليًا في منع الانتفاضة وتشكيل احتجاجات وإضرابات واسعة النطاق.
وبدأت انتفاضة سبتمبر 2022 كرد فعل على مقتل مهسا (ژینا) أميني في 15 سبتمبر 2022، واستمرت لعدة أشهر على الرغم من التذبذبات، وتحولت إلى حركة واسعة. حوّلت الغضب والكراهية المتراكمة في المجتمع إلى نار عظيمة لم تخمد حتى اليوم. وتحدى الشعب الإيراني في تلك الانتفاضة النظام الحاكم بأكمله. منذ اللحظات الأولى لتشكيل الانتفاضة، كان شعارا “الموت للديكتاتور” و”الموت لخامنئي” هما المحور الأساسي لصراخ المتظاهرين.
وقبل أربعة أيام من وفاة مهسا أميني المأساوية في مركز التعذيب لما يُسمى بدوريات الإرشاد، كتبت إحدى وسائل الإعلام التابعة للنظام: “الشعب يتعرض لضغط كبير وهو متشائم من الحكومة. لقد جعلتم الناس غاضبين جدًا ليس فقط من الخميني والثورة، بل من النظام نفسه. إنهم يظهرون غضبهم ليس بالكلام فقط، بل بالأفعال أيضًا. إذا كنتم ترغبون في تصديق هذا، امنحوا الناس يومًا واحدًا من الحرية لتروا ما سيفعلونه”.
وفاجأت انتفاضة 2022 النظام بأكمله. ذكر مسؤول ثقافي في النظام يُدعى محسن مهدیان، متعجبًا من القفزة المذهلة للانتفاضة الوطنية، على التلفزيون الحكومي: “في هذين اليومين، حدثت أمور لم يسبق لها مثيل في الأربعين عامًا الماضية لأنه كان هناك عنف وفوضى منذ الساعة الأولى”. بعبارة “العنف والفوضى”، أشار إلى الغضب غير القابل للكبح لدى الشباب الثوريين الذين لم يهتموا بالقمع من قبل قوات النظام المسلحة حتى الأسنان واندفعوا إلى الشوارع مثل السيل. جذب غضب النساء والفتيات اللاتي قد طفح بهن الكيل، وكن في طليعة الانتفاضة، انتباه العالم.
وأضاف مهدیان: “لم يكن الموضوع الرئيسي هو الحجاب أو دوريات الإرشاد؛ حتى قضية المرحومة مهسا أميني لم تكن هي السبب. هؤلاء (الشعب الغاضب والمحتج) كانوا يحتجون على الحكومة، وشعاراتهم تُظهر ذلك. كانوا يستهدفون أساس الحكومة!”
الخلفية التاريخية لمواجهة الشعب الإيراني ضد الطغيان
كانت الانتفاضات ضد الاستبداد، من الثورة الدستورية عام 1906 إلى انتفاضة 2022، نتيجة جهود وتضحيات الشعب الإيراني من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية. لقد قاوم الإيرانيون، بتكلفة عالية وبثبات، الاستعمار والاستبداد مرارًا وتكرارًا. الثورة الدستورية وحركة تأميم صناعة النفط، بقيادة الدكتور محمد مصدق، على الرغم من مواجهتها للمؤامرات الداخلية والخارجية، إلا أن إرثها لا يزال يظهر في الشوارع والحركات الاجتماعية الوطنية في إيران. استندت انتفاضة سبتمبر 2022 على هذا الأساس التاريخي الرائع.
استشهاد مهسا أميني وبداية انتفاضة جديدة
نظرًا لهذه الخلفية التاريخية، عند سماع خبر وفاة مهسا المأساوية، اندلعت الانتفاضة بسرعة في طهران، ثم انتقلت إلى سقز (مسقط رأس مهسا أميني) وسنندج (عاصمة كردستان، إيران). في الوقت نفسه، أثار الطلاب في جامعة طهران ونظموا مظاهرات بشعارات مناهضة للنظام. في اليوم الثاني، انتشرت الانتفاضة بغضب شديد وكره الناس في سنندج، مهاباد، كوهردشت، وكرج، الذين لم يهابوا رصاص قوات النظام القمعية.
وفي الأيام التالية، انضمت العديد من المدن عبر مختلف محافظات إيران إلى الإضرابات والمظاهرات. في الوقت نفسه، رددت شعارات وأصوات الطلاب في عدة جامعات. تحولت مدينة ديواندره الكردية (في محافظة كردستان) إلى ساحة معركة حيث اشتبك الشباب المتمرد مع قوات الأمن والمخابرات التابعة للنظام. في الأيام التالية، توسعت الاحتجاجات والمظاهرات في العديد من المدن في إيران، بحيث أنه في النصف الثاني من العام الإيراني، لم يمر يوم دون انتفاضة أو تمرد.
في 28 يناير 2023، أعلنت المقاومة الإيرانية في بيان أن الانتفاضة امتدت إلى أكثر من 282 مدينة في إيران، حيث فقد 750 شخصًا حياتهم وتم اعتقال أكثر من 30,000 شخص خلال الانتفاضة. لاحقًا، في 28 مارس 2023، تم الكشف عن أسماء 675 شخصًا قُتلوا على يد قوات النظام القمعية.
مستقبل الانتفاضة وآفاقها
في نظرة سريعة، يمكن القول إن جميع الظروف والعوامل التي أدت إلى انتفاضة 2022 لم تظل فقط كما هي، بل ازدادت حدة، وانعكست في تزايد السخط العام، والاحتجاجات، والإضرابات. باختصار:
1. العودة إلى ما قبل انتفاضة 2022 غير واردة. لقد تجاوز نظام ولاية الفقيه الخطوط الحمراء ضد الشعب، والتي لا يمكن إصلاحها.
2. النظام الإيراني يفتقر إلى القدرة والإرادة لحل القضايا المعيشية لأفراده البالغ عددهم 90 مليونًا. يشكل جزء كبير من هذا السكان الشباب والمثقفون الذين لا يرون فرصة للعمل والحياة في هذا المجتمع ولا أي أمل أو توقعات تحت هذا النظام.
3. ورث الشعب الإيراني نضالًا استمر لمدة 120 عامًا من أجل الحرية. الثورة الدستورية والحركات المئوية الأخرى في التاريخ الإيراني الحديث هي تجسيد بارز لهذا النضال ضد الطغيان.
4. وجود بديل قوي، سواء في الداخل الإيراني أو على الساحة الدولية، في شكل المجلس الوطني للمقاومة، يسد الطريق أمام أي مساومات استعمارية، قمع، ومحاولات لتهميش انتفاضة الشعب. وستستمر الحركة المضادة للاستبداد بأي ثمن، ولن يتمكن نظام ولاية الفقيه من القضاء على خطر الانتفاضة والإطاحة. لذا فإن الشعب الإيراني لديه الدعم الكافي لمواصلة الانتفاضة وقيادتها إلى النصر.
النظام الإيراني، بسبب مجموع الأزمات السياسية والاقتصادية وبشكل خاص الخلافات الحادة في قمة هرم السلطة، في وضع لا يملك فيه خيارًا سوى الاستمرار في القمع والضغط على مختلف قطاعات الشعب وتصدير الأزمات إلى الخارج للتغطية على أزماته الداخلية المستعصية. ومع ذلك، تشير جميع العلامات إلى أن انفجارًا اجتماعيًا وغضبًا هائلًا وشاملًا للشعب الإيراني يلوح في الأفق، والذي سيسحق النظام بكل فصائله.