صراع داخلي على السلطة في إيران يكشف عن تصدعات في استراتيجية خامنئي الإقليمية
مع تصاعد التوترات الإقليمية واحتمال فشل استراتيجي يلوح في الأفق، يظهر القلق واضحاً بين كبار المسؤولين في النظام الديني الإيراني من رد فعل اجتماعي متوقع. فبعد أن كان القادة الإيرانيون متحدين في تصوير الأعداء الخارجيين كتهديدات وجودية لتعبئة الدعم الداخلي، يبدو أن النخبة الحاكمة باتت منقسمة؛ حيث يعترف البعض بحدود طموحات المرشد الأعلى علي خامنئي الإقليمية، فيما يتمسك آخرون بسياساته العدوانية.
وفي صباح يوم السبت، 26 أكتوبر، وأثناء غارة جوية إسرائيلية على أهداف عسكرية في إيران، أصدر مركز مكافحة الجرائم المنظمة التابع لمنظمة استخبارات الحرس النظام ، المعروف باسم “کرداب”، بياناً اعتبر فيه “أي نقل للصور أو الأخبار” إلى “وسائل الإعلام المعادية أو المرتبطة بالنظام الصهيوني” جريمة. وحذر البيان من أن “أي فرد أو مجموعة يتعاون بأي شكل مع حكومات أجنبية معادية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية سيحكم عليه بالسجن من سنة إلى عشر سنوات، إذا لم يُعتبر محارباً.”
علي لاريجاني، رئيس البرلمان السابق ومستشار خامنئي الذي يعتبره بعض المحللين الغربيين “معتدلاً”، انقلب مؤخراً على الأصوات داخل الحكومة التي تدعو للتراجع عن استراتيجية خامنئي الإقليمية. وأكد لاريجاني أن التواجد الإقليمي للنظام ضروري لـ”الأمن القومي”، قائلاً في 20 أكتوبر: “يقول البعض إنه لولا تصرفات حماس، لما تصاعدت هذه الأزمة بشكل كبير. ولكن في ظل الظروف الحالية، من المستحيل تقديم إجابة دقيقة لهذا السؤال؛ فهذا يحتاج إلى وقت.”
وأضاف لاريجاني قائلاً: “بالنظر إلى أن الدول العربية في المنطقة كانت قد استسلمت بالفعل لإسرائيل، كان من مسؤولية مسؤولي الجمهورية الإسلامية أن يتخذوا موقفاً حازماً للدفاع عن الأمن القومي ولإظهار إسرائيل المتحدية مكانها الحقيقي. يتساءل البعض لماذا تدعم إيران المقاومة، ويقولون إن ذلك يؤجج العداء مع إسرائيل، ولكن كما قلت، هذه المسألة مرتبطة بأمننا القومي ومصالحنا.”
وفي 25 أكتوبر، حذر أحمد علم الهدى، إمام جمعة مشهد المعين من قبل خامنئي، من “المتسللين” إلى أروقة الإدارة الإيرانية، مما يقوض توجيهات المرشد الأعلى بـ”منع سقوط الثورة في أيدي غير مؤهلة.”
وأردف قائلاً إن البعض يستغل “الوحدة الوطنية” للترويج لأفكار مثل التفاوض مع الولايات المتحدة والتخلي عن حروب النظام بالوكالة. “إنهم يخففون من خطاب المقاومة تحت ستار الوحدة، ويقترحون أن الخضوع لأمريكا يتماشى مع الوحدة الوطنية. بل علينا أن نقف بثبات في استراتيجية المقاومة التي تشكل جزءاً من مصالحنا الوطنية.”
ومن جهته، أصدر رجل الدين مسعود علي، المقرب من خامنئي، توبيخاً علنياً للمنتقدين الداخليين للنظام، داعياً السلطة القضائية إلى محاكمة المعارضين بسرعة وحزم يشبه زمن الحرب. “نحن في حالة حرب؛ يجب أن يُحاكموا كما كان الحال خلال زمن الحرب.” وندد بمن يشككون في الاستراتيجية الإقليمية، واصفاً البعض بأنهم “جاهلون إن لم يكونوا خونة.”
وأشار إلى بيان “مجمع العلماء والباحثين في قم” الذي انتقد تكاليف تدخلات النظام، قائلاً عنهم: “حفنة من الشخصيات السياسية البالية” تتسائل عن سبب تحميل الشعب أعباء هذه التكاليف.”
كما أشار علي إلى الصراعات الداخلية والهجمات الشخصية بين القيادات العسكرية، مضيفاً: “بعد اغتيال إسماعيل هنية، تأخرت استجابتنا لمدة شهرين. خلال تلك الفترة، اتهمت وسائل الإعلام وغيرها علناً قادة الحرس النظام –باقري، الجنرال سلامي، الجنرال حاجي زاده – بالعجز السياسي، ووصفوهم، بصراحة، بـ’العاجزين سياسياً‘. لقد تجذر هذا الشك، هل يجب أن يكون الوضع هكذا؟”
ومع تزايد الانقسامات الداخلية، انتقد علي رضا اعرافي، رئيس الحوزات العلمية ونائب رئيس مجلس الخبراء، دعوة علماء قم لخفض التوترات. وفي حديثه على التلفزيون الحكومي في 24 أكتوبر، رفض حل الدولتين ووصفه بـ”غير المقبول على أي مستوى وخطأ استراتيجي خطير”، مؤكداً أن “نحن في مفترق تاريخي يتطلب اليقظة واتخاذ قرارات حكيمة وخطوات حازمة ضد الأعداء الذين يسعون لإخضاع العالم الإسلامي.”
خلال العقود الأربعة الماضية، تحالفت جميع الفصائل داخل الديكتاتورية الدينية حول استراتيجيتها الإقليمية، حيث ظهرت الشخصيات الرئيسية في صور مشتركة مع قادة الميليشيات المدعومة من طهران والراحل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني. وعلى عكس احتجاجات عام 2022، التي لم يتخذ فيها الرؤساء السابقون ورؤساء البرلمان وغيرهم من المسؤولين البارزين موقفاً علنياً لدعم خامنئي، شهدت تداعيات هجمات 7 أكتوبر 2023 إجماعاً غير مسبوق بين قادة النظام على دعم ما يسمى بـ”محور المقاومة” وطموحات خامنئي الإقليمية.
والآن، مع مضي خامنئي ودائرته المقربة في استراتيجية الإقليمية، أصبحت هذه المقاربة مصدراً جديداً للانقسام والخلاف في طهران، مما يزيد من تعقيد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد. ويعد هذا الوضع الهش للنظام الديني فرصة ذهبية لتكثيف الضغوطات القصوى.