خامنئي يبرز دور مجلس خبراء القيادة في مسألة الخلافة وسط تكهنات بشأن انتقال السلطة
في لقاء عُقد يوم 7 نوفمبر 2024 مع أعضاء مجلس خبراء القيادة، شدّد الوليالفقیة للنظام الإيراني علي خامنئي على الدور الحاسم لهذه الهيئة في اختيار “القائد المقبل”. وأكد قائلاً: “مجلس الخبراء، بحمد الله، مستعد لهذا الدور… ويجب أن يبقى مستعداً”. وأشار خامنئي إلى أهمية المجلس في الحفاظ على النظام ومنع انحرافه، مؤكداً أنه يمثل دعامة أساسية لاستمرارية النظام.
وفي حديثه عن مخاطر التراجع أو الركود السياسي، قال خامنئي: “مسألة التراجع والتوقف والعودة إلى الوراء ليست أمراً بسيطاً؛ إنها مسألة بالغة الأهمية… نرى أمثلة على ذلك في التاريخ القريب من عالمنا، وقد شهدناها في الماضي أيضاً”. هذه التصريحات، التي نُشرت على موقعه الرسمي في نفس اليوم، أثارت الكثير من الجدل، حيث تنوعت التفسيرات بشكل واسع.
ورغم أن خامنئي حاول أن يعكس ثقته في استقرار النظام وقدرته على الاستمرار دون انقطاع، فإن العديد من المراقبين رأوا في تصريحاته تعبيراً عن القلق بشأن المستقبل، خاصة في ظل الأزمات الداخلية والخارجية المتعددة التي يواجهها النظام. وقد زادت هذه التصريحات من التكهنات حول صحة خامنئي والتحديات التي قد تظهر في حال وفاته.
في وقت لاحق، كشف الملا حيدري كاشاني عن تفاصيل مثيرة من الاجتماع، حيث قال إن أعضاء مجلس خبراء القيادة تأثروا بشدة و”بدأوا بالبكاء دون توقف”. وأضاف قائلاً: “صورة العِباءة والعمامة الفارغة” التي استُخدمت للإشارة إلى غياب خامنئي أثارت شعوراً بالقلق وعدم اليقين بين الحاضرين. هذه الصورة الرمزية أثارت موجة من التكهنات والخوف داخل النظام نفسه، مما سلط الضوء على حالة من الهشاشة وعدم الاطمئنان.
وعقب نشر تصريحات خامنئي، سارع ممثلوه في المحافظات، بمن فيهم أئمة الجمعة، إلى التوضيح واعتبروا أن ما تم تداوله من تفسيرات كان “خاطئاً”. ففي أصفهان، حاول إمام الجمعة موحدي التقليل من أهمية الموقف، قائلاً: “أقول للأعداء لا تفرحوا كثيراً، فالسيد القائد بصحة تامة”. ونفى الادعاءات بأن خامنئي طلب “إجراء فوري” لتحديد خليفته، كما نفى تأثر أعضاء مجلس الخبراء لدرجة البكاء.
وأما في ساري، فقد ذهب إمام الجمعة شفيعي أبعد من ذلك، حيث أكد أن النظام سيستمر حتى في حال وفاة خامنئي، وهو تصريح يبدو أنه موجه بشكل أكبر لطمأنة المسؤولين داخل النظام بدلاً من توجيهه إلى منتقديه.
ورغم هذه المحاولات لاحتواء الأزمة، فإن التناقضات الواضحة في تصريحات الملالي أثارت المزيد من الجدل. وبينما نفى البعض وجود مشاهد عاطفية في اجتماع مجلس الخبراء، قدم آخرون، مثل كاشاني، روايات تتعارض مع هذه النفي. كما أن التركيز المفرط على صحة خامنئي قد زاد من الشكوك بدلاً من تهدئتها، مما عزز التكهنات حول حالته الصحية واستعداد النظام لمواجهة المرحلة الانتقالية.
وعلى سبيل المثال، أشار موحدي إلى وجود “لجنة سرية” داخل مجلس الخبراء تعمل على تحديد القائد المقبل، وهو ما اعتُبر اعترافاً ضمنياً بأن النظام يستعد بالفعل لمرحلة ما بعد خامنئي. وعلى الرغم من محاولة تقديم ذلك كإجراء طبيعي، فإن هذه التصريحات أثارت المزيد من التدقيق العام.
الأبعاد السياسية لتصريحات خامنئي لا تقل أهمية عن مضمونها. فمن خلال التأكيد على دور مجلس خبراء القيادة، وضع خامنئي هذا المجلس في قلب إدارة الأزمات التي قد تنشأ في حال غيابه. ويهدف هذا التأكيد إلى تعزيز استقرار النظام، لكنه في الوقت نفسه يعكس هشاشته واعتماده الشديد على وجوده الشخصي.
وأما من الناحية الاجتماعية، فقد أثارت هذه التطورات حساسية عامة كبيرة. فالشارع الإيراني، الذي يعبر عن غضبه من النظام الديني، يقرأ هذه التصريحات كعلامات على تراجع قبضة النظام على السلطة. وتتعزز بين الإيرانيين قناعة بأن النظام يقترب من نهايته المحتومة، مما يدفعهم إلى التحضير لمرحلة ما بعد حكم الملالي.
تصريحات خامنئي ومحاولات احتواء تداعياتها تكشف حقيقة عميقة: النظام الإيراني، الذي يتمحور حول سلطة الولي الفقيه، يفتقر إلى الآليات اللازمة للتعامل مع فراغ القيادة. وبينما يحاول الملالي إظهار الوحدة والاستعداد، تعكس أفعالهم نظاماً يعاني من قلق عميق بشأن المستقبل. وفي نهاية المطاف، تؤكد هذه التناقضات هشاشة النظام أمام أي تغيير جوهري في قيادته.