تهديدات خامنئي الفارغة بعد سقوط الأسد
في أعقاب سقوط بشار الأسد، خرج الولي الفقیة الإيراني علي خامنئي عن صمته يوم الأربعاء، الموافق 11 ديسمبر 2024. جاءت تصريحاته بعد أربعة أيام من الغموض، في محاولة لتوجيه أصابع الاتهام بعيدًا عن مسؤولية النظام الإيراني عن التطورات في سوريا، مع تعزيز معنويات أنصاره داخل إيران وفي المنطقة. وبينما توقع المحللون استخدام خامنئي للخطاب المعتاد لرفع معنويات قواته، جاءت تصريحاته محملة بإنكار الواقع، نظريات المؤامرة، وادعاءات مبالغ فيها.
وحاول خامنئي تصوير سقوط نظام الأسد كنتيجة لتدخل خارجي، موجهاً اتهاماته للولايات المتحدة وإسرائيل باعتبارهما “المهندسين” لما وصفه بـ”مؤامرة مشتركة”. وقال: «لا شك أن ما حدث في سوريا هو نتيجة مؤامرة أميركية وصهيونية مشتركة. نعم، هناك دولة مجاورة لسوريا لعبت دورًا واضحًا في هذا الشأن – لعبت هذا الدور ولا تزال تلعبه كما يرى الجميع – ولكن المتآمر الرئيسي، والمخطط الأساسي، وغرفة القيادة خلف هذا المخطط هي الولايات المتحدة والنظام الصهيوني. لدينا أدلة. هذه الأدلة لا تترك مجالاً للشك».
هذا الخطاب يعكس استراتيجية خامنئي المعتادة: إنكار تأثير الانتفاضات الشعبية وروح الثورة لدى الشعب السوري، مع إلقاء اللوم على قوى خارجية. بهذا الشكل، يتجنب الاعتراف بدور مقاومة الشعب السوري وإصرار المعارضة في إسقاط نظام الأسد.
ورغم الخسارة الواضحة لطموحات نظامه الإقليمية، سعى خامنئي لتقديم صورة مقاومة وصمود. وادعى قائلاً: «هذا هو الصمود، هذا هو محور المقاومة: كلما زاد الضغط، أصبح أقوى. كلما ارتكبتم جرائم، أصبح أكثر تصميماً. كلما حاربتموه، ازداد انتشاراً. وأقول لكم، بإرادة الله، فإن نطاق المقاومة سيشمل المنطقة بأكملها أكثر من أي وقت مضى».
وتعكس هذه التصريحات محاولة يائسة لإعادة صياغة الهزيمة كدليل على الإصرار. ومع ذلك، حتى المحللين المرتبطين بنظام خامنئي واجهوا صعوبة في التوفيق بين هذه التصريحات والواقع المرير لسقوط الأسد، والذي يعتبره كثيرون ضربة كبيرة لنفوذ طهران في الشرق الأوسط.
لم يتردد خامنئي في توجيه الانتقادات للمحللين التابعين لنظامه، متهماً إياهم بسوء فهم مفهوم “المقاومة”. وقال: «ذلك المحلل الجاهل الذي لا يفهم معنى المقاومة يتخيل أن ضعف المقاومة يعني ضعف الجمهورية الإسلامية الإيرانية. أقول لكم، بإرادة الله وبإذنه، إيران قوية وستصبح أقوى».
ويكشف هذا النقد العلني عن الانقسامات الداخلية العميقة داخل القيادة الإيرانية. كما يعكس إحباط خامنئي من عدم قدرة المحللين الموالين للنظام على تصوير سقوط الأسد كإنجاز استراتيجي.
وفي محاولة لرفع معنويات أنصاره المحبطين، قدم خامنئي وعوداً ضخمة حول مستقبل سوريا. وتنبأ بتحرير المناطق المحتلة من قبل الشباب السوري وطرد القوات الأميركية من المنطقة، قائلاً: «المناطق التي احتُلت في سوريا سيحررها الشباب السوري الشجاع – لا شك في ذلك، هذا سيحدث. ولن تتمكن أميركا من تثبيت أقدامها، وبإذن الله، بفضل الله، سيطرد محور المقاومة أميركا من المنطقة».
ومع ذلك، يتجاهل هذا الخطاب الواقع القاسي على الأرض. فالأسرة الحاكمة في سوريا، التي دعمتها قوات حرس النظام الإيراني لسنوات، تُدان على نطاق واسع لدورها في ارتكاب الفظائع. ومن اللافت أن خطاب خامنئي لم يتضمن أي إشارة إلى هذه الجرائم، بل ركز فقط على الأعداء الخارجيين.
ويبدو أن رؤية خامنئي تعتمد على سيناريو خيالي يعود فيه الشباب السوري، المتأثر بأيديولوجية الملالي، لاستعادة بلادهم بهدف تمكين الأسد من العودة إلى السلطة. ويؤكد هذا الأمر المصالح العميقة للنظام الإيراني في الحفاظ على حكم الأسد، رغم الدمار والمعاناة الإنسانية الواسعة التي تسبب بها نظامه.
وتعكس تصريحات خامنئي زعيمًا يكافح مع انتكاسة جيوسياسية كبيرة، بينما يحاول إظهار القوة والثبات. ومن خلال إلقاء اللوم على القوى الخارجية، وانتقاد المحللين الداخليين، وتقديم وعود غير واقعية، يسعى خامنئي للحفاظ على واجهة السيطرة. لكن الفراغ الذي يطغى على خطابه والتحديات المتزايدة داخلياً وخارجياً يشيران إلى أن قدرته على تشكيل مستقبل المنطقة أصبحت محدودة بشكل متزايد.