تراجع النظام الإيراني أمام النساء تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية
اضطر النظام الإيراني، تحت وطأة الخوف من اندلاع انتفاضة شعبية جديدة، وفي ظل تداعيات سقوط حليفه الديكتاتور الدموي في سوريا، إلى التراجع عن تطبيق قانون الحجاب الإلزامي.
كان من المقرر أن يتم إبلاغ القانون المُسمى بـ”العفاف والحجاب” إلى الحكومة في 13 ديسمبر من قِبل رئيس البرلمان النظام، محمد باقر قاليباف. إلا أن هذا التاريخ مرَّ دون أي إعلان أو تنفيذ، حيث أعلن البرلمان في 12 ديسمبر تعليق جلساته. ويُرجَّح أن قرار التعليق جاء لتجنّب التصادم مع الشارع الغاضب وتداعيات إقرار القانون.
في تصريحات سابقة بتاريخ 27 نوفمبر، أكد قاليباف خلال مؤتمر صحفي أن القانون سيُبلَّغ رسميًا في 13 ديسمبر، موضحًا أن التأخير سببه “اعتبارات أمنية” تتعلق بالذكرى السنوية لانتفاضة 2022.
في المقابل، سبق أن شدَّد الولي الفقیة علي خامنئي في 3 أبريل على أن “خلع الحجاب محرَّم شرعًا وسياسيًا”. غير أن التوترات الاجتماعية المتصاعدة والشكوك الداخلية دفعت النظام، مُكرهًا، لتعليق العمل بالقانون.
الجدل المتزايد حول قانون الحجاب كشف عن مأزق حقيقي داخل النظام. ففي حين يطالب أنصار خامنئي في خطب الجمعة بتطبيق القانون، أقرَّ رئيس النظام مسعود بزشكيان في مقابلة تلفزيونية بوجود “غموض كبير” يعوق تنفيذ التشريع. كما أفادت تقارير بأنه أبلغ خامنئي شخصيًا بعدم قدرته على تطبيق القانون على أرض الواقع.
وفي سياق متصل، كتب علي ربيعي، مستشار بزشكيان للشؤون الاجتماعية: “تحدثت خلال الأيام الماضية مع عدد من الشخصيات الحريصة على النظام بمختلف توجهاتها، واتفق الجميع على أن قانون الحجاب والعفاف غير قابل للتنفيذ وسيفضي إلى عصيان مدني واسع”.
وفي 14 ديسمبر، صرّح عليرضا سليمي، عضو هيئة رئاسة البرلمان، لوسيلة إعلام حكومية بأن تأجيل القانون جاء “بناءً على طلب الحكومة والمشاورات التي أُجريت في اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي”، حيث تم تكليف الحكومة بإعداد مسودة قانون معدَّلة. وأضاف سليمي أن البرلمان أجَّل إبلاغ القانون ثلاث مرات بناءً على توصيات أمنية.
وفي حين يرى بعض أعضاء البرلمان ومجلس صيانة الدستور أن تنفيذ هذا القانون يُعتبر ضرورة لأمن النظام، حذَّر فؤاد إيزدي، أحد أبرز مؤيدي خامنئي، من أن “عدم تطبيق هذا القانون سيؤدي إلى فتور في حماس الشباب الموالين للنظام للدفاع عن البلاد”.
على الجانب الآخر، شنَّ موقع “رجانيوز”، المقرّب من سعيد جليلي، منافس بزشكيان في الانتخابات، هجومًا حادًا على تأجيل إبلاغ القانون. واعتبر الموقع أن هذا التأجيل “عجز واضح عن إدارة البلاد”، متسائلًا: “كيف يمكن لقانون مدعوم من الولي الفقیة وتمت المصادقة عليه في البرلمان أن يُعلَّق بقرار من المجلس الأعلى للأمن القومي؟”. وأضاف أن الحكومة، بدلًا من تنفيذ القوانين، تتهرب من مسؤولياتها بحجج واهية تحت مسمى “المصلحة”، مما يُلحق ضررًا إضافيًا بثقة الشعب في مؤسسات الحكم.
في المحصلة، تُجمع الأطراف المتنازعة، سواء المؤيدة لتشديد الحجاب أو المعارِضة له، على أن القضية ليست قانونية أو دينية بحتة، بل هي أزمة سياسية وأمنية.
من جهتها، أكدت السيدة مريم رجوي، رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، أن “نظام الملالي، خوفًا من اندلاع انتفاضة جديدة بعد الضربة التي تلقاها بسقوط الديكتاتور في سوريا، اضطر إلى التراجع المُهين عن قانون الحجاب الإجباري، الذي يتنافى مع القيم الإنسانية والإسلامية”. وأضافت: “هذا التراجع المؤقت لا يكفي. على رئيس النظام الرجعي أن ينصاع لإرادة نساء إيران ويُعلن إلغاء هذا القانون الجائر، أو أن يقدّم استقالته”.
يبقى تعليق قانون الحجاب الإلزامي مؤشّرًا على تصاعد حالة الاضطراب داخل النظام الإيراني، الذي يقف عاجزًا أمام تزايد الغضب الشعبي والضغط الاجتماعي. ومع استمرار التناقضات الداخلية، يبدو أن هذا القانون لم يعد مجرد تشريع؛ بل أصبح رمزًا لأزمة حكم تهدد استقرار النظام برمّته.