واشنطن تسمح بتخفيف قيود المساعدات الإنسانية إلى سوريا
في خطوة تمثل تحولًا مهمًا في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن إصدار رخصة عامة تسمح ببعض المعاملات مع المؤسسات الحكومية السورية. تشمل الرخصة استثناءات مؤقتة تتعلق بقطاع الطاقة وبعض المعاملات المالية الشخصية، على أن تستمر سريانها حتى السابع من يوليو 2025. وتسمح هذه الرخصة، التي تندرج تحت فئة الاستثناءات الإنسانية، بإجراء معاملات مرتبطة بتوريد وتخزين الطاقة داخل سوريا، بما في ذلك البترول ومنتجاته، بالإضافة إلى الغاز الطبيعي والكهرباء. كما تشمل أيضًا تحويلات مالية شخصية للأفراد، بما في ذلك عبر البنك المركزي السوري.
وفي وقت سابق، كانت الإدارة الأمريكية قد فرضت مجموعة من العقوبات الاقتصادية الصارمة على سوريا تحت حكم الرئيس السوري بشار الأسد، بهدف الضغط على الحكومة السورية للامتثال لمطالب المجتمع الدولي. ومع سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024 وتشكيل حكومة جديدة بقيادة أحمد الشرع، بدأت الدعوات ترتفع من قبل السلطات السورية لرفع هذه العقوبات، التي أصبحت تشكل عائقًا أمام جهود إعادة بناء البلاد.
من جانبه، أعرب وزير التجارة السوري، ماهر خليل الحسن، عن قلقه من استمرار العقوبات على سوريا، مشيرًا إلى أن البلاد لا تستطيع إبرام صفقات لاستيراد الوقود أو القمح أو السلع الأساسية الأخرى. وأكد أن الحكومة الجديدة تمكنت من جمع ما يكفي من هذه السلع الأساسية لبضعة أشهر، لكنه حذر من أن سوريا قد تواجه “كارثة” إذا لم تتمكن من الحصول على إعفاءات من العقوبات قريبًا.
يأتي قرار وزارة الخزانة الأمريكية بتخفيف القيود في وقت حساس، حيث تأمل الحكومة السورية الجديدة أن تساهم هذه الخطوة في تخفيف الأعباء الاقتصادية التي يعاني منها الشعب السوري، وكذلك في تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية الأساسية. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 80% من السكان في سوريا يعيشون تحت خط الفقر، كما أن نحو 12 مليون شخص في البلاد بحاجة إلى مساعدات غذائية.
على الرغم من هذه الخطوة الإيجابية، أكدت وزارة الخزانة الأمريكية أن الاستثناءات الممنوحة لا تعني رفع العقوبات عن النظام السوري بالكامل. وبحسب البيان، تظل العقوبات سارية على المعاملات التي تشمل كيانات أو شخصيات تخضع للعقوبات، بما في ذلك الكيانات العسكرية والاستخباراتية. كما تحظر الولايات المتحدة أي معاملات لصالح أو نيابة عن روسيا أو إيران أو أي كيانات أو أفراد متورطين في توفير الدعم للنظام السوري.
وكانت الإدارة الأمريكية قد وضعت مجموعة من الشروط لاستمرار العقوبات على سوريا، من بينها ضرورة تحسين الوضع الأمني والسياسي في البلاد ووقف الأعمال القمعية ضد الشعب السوري. وفي هذا السياق، تعهدت واشنطن بالاستمرار في الضغط على الحكومة السورية لضمان عدم استفادة النظام من المساعدات الإنسانية الموجهة إلى الشعب السوري.
من جانب آخر، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية أن الهدف من تخفيف القيود هو تسريع إيصال المساعدات إلى المناطق المتضررة في سوريا، والتي تعاني من نقص حاد في الإمدادات الأساسية مثل المياه والكهرباء والمواد الغذائية. كما أكد المسؤولون الأمريكيون أن هذه الخطوة تأتي في إطار التوازن بين تقديم الدعم الإنساني للسكان المتضررين من الحرب، وبين الحفاظ على الضغوط الاقتصادية على دمشق لضمان التزام الحكومة السورية بتعهداتها الدولية.
وقد أثار هذا القرار جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية السورية، حيث اعتبر البعض أن هذه الخطوة تمثل بداية لتغيير في السياسة الأمريكية تجاه سوريا. ومع ذلك، يظل الرأي العام السوري منقسمًا حول تأثير هذه الاستثناءات، إذ يرى البعض أن العقوبات تظل عقبة كبيرة أمام التعافي الاقتصادي للبلاد، في حين يرى آخرون أن رفع العقوبات يجب أن يكون مرتبطًا بتحقيق تقدم في الملف السياسي وتحقيق الاستقرار في سوريا.
في السياق نفسه، أكدت التقارير الصحفية أن الإدارة الأمريكية تتجه نحو تبني سياسة أكثر مرونة تجاه سوريا في الفترة المقبلة، حيث يتم التركيز على تقديم مساعدات إنسانية عاجلة للسكان المتضررين دون أن يستفيد النظام من هذه المساعدات. وتشير التقديرات إلى أن هذه السياسة قد تساعد في تحسين الوضع الإنساني في البلاد، في وقت تعاني فيه معظم المناطق السورية من الدمار الكبير نتيجة النزاع المستمر منذ أكثر من عقد من الزمان.
كما أضافت التقارير أن الإدارة الجديدة في سوريا بقيادة أحمد الشرع تأمل في أن يكون هذا القرار بمثابة بداية لتخفيف العقوبات بشكل تدريجي، مما سيساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية السورية المدمرة. وتعول الحكومة الجديدة على فتح أبواب التعاون مع المجتمع الدولي، لا سيما مع الدول العربية والدول الغربية التي ترى أن رفع العقوبات سيساهم في إعادة سوريا إلى الحظيرة الدولية ويخفف من معاناة الشعب السوري.
إجمالاً، تبقى سياسة واشنطن تجاه سوريا مرهونة بتطورات الوضع السياسي والأمني في البلاد، بالإضافة إلى كيفية تنفيذ الحكومة الجديدة لإصلاحات اقتصادية وسياسية من شأنها تعزيز الاستقرار وتحقيق المصالحة الوطنية.