العراق يسعى لكبح جماح الميليشيات المدعومة من النظام الإيراني وسط تراجع نفوذه
في ظل تراجع نفوذ النظام الإيراني في المنطقة، تسعى الحكومة العراقية إلى فرض سيطرتها على الفصائل المسلحة المدعومة من طهران داخل أراضيها، وذلك وفقًا لتقرير نشره موقع فوكس نيوز ديجيتال. التقرير يسلط الضوء على جهود بغداد لإدماج هذه الجماعات ضمن المنظومة الأمنية الرسمية، في خطوة تهدف إلى تعزيز الاستقرار قبل الانتخابات المقبلة.
وأكد وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، أن الحكومة عازمة على ضبط الفصائل التي تعمل خارج سلطة الدولة، بما في ذلك الجماعات المنضوية تحت لواء “المقاومة الإسلامية في العراق” المدعومة من النظام الإيراني. وفي حديثه لوكالة رويترز، قال حسين: “بدأ العديد من القادة السياسيين والأحزاب بطرح هذا الموضوع للنقاش، وآمل أن نتمكن من إقناع قادة هذه الجماعات بإلقاء السلاح والانضمام إلى القوات المسلحة تحت مسؤولية الحكومة.”
ويشير التقرير إلى أن هذه الخطوة تأتي وسط مخاوف من حدوث فراغ في السلطة بالمنطقة، خاصة بعد ضعف نظام بشار الأسد في سوريا، وتراجع قوة حزب الله في لبنان، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان العراق سيكون الضحية التالية للفوضى.
وحول هذه المخاوف، صرّح جوناثان شانزر، المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، لموقع فوكس نيوز ديجيتال قائلاً: “العراقيون يتساءلون الآن عما إذا كانوا التاليين في القائمة، والجميع يخشى التأثير السام والمدمر لنفوذ النظام الإيراني داخل الدولة.”
التحدي الأبرز أمام الحكومة العراقية هو التعامل مع “المقاومة الإسلامية في العراق”، التي تضم عدة فصائل مسلحة تدين بالولاء للنظام الإيراني. هذه الجماعات كانت مسؤولة عن تنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل والقوات الأميركية منذ 7 أكتوبر 2023، كما أنها تقف وراء الهجوم الذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين في الأردن خلال يناير 2024.
وفي السياق نفسه، يشير تقرير فوكس نيوز ديجيتال إلى وجود “قوات الحشد الشعبي”، التي تشكّلت عام 2014 استجابة لدعوة المرجع الشيعي الأعلى، آية الله علي السيستاني، لمواجهة تنظيم داعش. رغم الاعتراف الرسمي بهذه القوات، إلا أن علاقاتها الوثيقة مع النظام الإيراني تثير القلق، خاصة مع الدعم الذي قدّمته طهران من خلال حرس النظام الإيراني، سواء عبر المستشارين العسكريين أو تزويدها بالسلاح والتدريب.
وتعليقًا على هذا الوضع، قالت الدكتورة إنّا رودولف، الباحثة البارزة في المركز الدولي لدراسة التطرف في كلية كينجز بلندن: “تدور النقاشات حاليًا حول كيفية التعامل مع فصائل المقاومة الإسلامية، التي برزت إعلاميًا منذ 7 أكتوبر من خلال تنفيذ عمليات عسكرية تحت راية المقاومة الإسلامية في العراق.”
وأضافت: “التحدي الرئيسي لصنّاع القرار هو كيفية تحييد هذه الفصائل وتقليل خطر جرّ قوات الحشد الشعبي والدولة العراقية إلى تصعيد جيوسياسي غير محسوب العواقب.”
ويشير التقرير إلى أن الميليشيات التابعة للنظام الإيراني فقدت الكثير من قوتها في الأشهر الأخيرة، ما يجعل هذا التوقيت مناسبًا للحكومة العراقية لاتخاذ إجراءات حاسمة. كارولين روز، كبيرة المحللين ورئيسة برنامج الفراغات في السلطة في معهد “نيو لاينز”، أوضحت أن “بدء الإصلاحات الأمنية الواسعة لقوات الحشد الشعبي في هذا التوقيت يعكس تراجع نفوذ النظام الإيراني في العراق، ويدل على رغبة القوى الأكثر اعتدالًا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، في استغلال هذه الفرصة لصياغة واقع جديد.”
كما حذّرت رودولف من أن الوضع قد يزداد تعقيدًا في ظل تقارير تفيد بأن إسرائيل قد تستهدف الفصائل التابعة للنظام الإيراني داخل العراق، قائلة: “تصاعدت الضغوط مع ورود أنباء عن احتمال قيام إسرائيل بالرد على الجماعات التابعة للنظام الإيراني داخل العراق.”
ويواجه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، اختبارًا صعبًا في جهوده لضبط الجماعات المسلحة الخارجة عن السيطرة قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في الخريف المقبل. كما يسعى للحفاظ على التعاون الأمني مع الولايات المتحدة، في وقت تراجع فيه نفوذ النظام الإيراني وتزايدت الضغوط الداخلية والخارجية.
ووفقًا لتقرير فوكس نيوز ديجيتال: “اتفق المراقبون على أنه إذا فشل العراق في إثبات قدرته على ضبط الفصائل المسلحة التي تعمل خارج سلطة الدولة، فقد يكون من المستحيل الحفاظ على التعاون الأمني مع الولايات المتحدة، خاصة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب.”
ويُذكر أن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بحوالي 2500 جندي في العراق ضمن عملية “العزم الصلب” التي تهدف إلى محاربة تنظيم داعش، ما يجعل استقرار الوضع الأمني أمرًا حاسمًا للعلاقات بين البلدين.
تشكّل محاولات العراق للحد من نفوذ الميليشيات المدعومة من النظام الإيراني تحولًا استراتيجيًا في سياسته الأمنية. ومع تراجع الهيمنة الإيرانية في المنطقة، يبدو أن بغداد تسعى لاستعادة سيادتها ومنع تحول أراضيها إلى ساحة للصراعات الإقليمية التي تخدم طهران.
وكما أوضح شانزر: “انهيار نظام الأسد كان اللحظة الفاصلة التي دفعت الحكومة العراقية إلى التحرك ضد الميليشيات التابعة للنظام الإيراني.”
في ظل هذه التطورات، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن بغداد من فرض سيطرتها الكاملة على الجماعات المسلحة، أم أن العراق سيظل ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية؟