المفاوضات الإيرانية-الأميركية المتجددة: مناورة تكتيكية لإطالة عمر النظام
في وقتٍ تتزايد فيه الأزمات الاقتصادية وتتسع رقعة الغليان الشعبي داخل إيران، تأتي جولة المفاوضات الجديدة بين النظام الإيراني والولايات المتحدة الأمريكية كمحاولة للبقاء، لا كعلامة على تغيير جذري في سياسات النظام أو توجّهاته الاستراتيجية. هذه المحادثات ليست سوى مناورة مدروسة من قبل القيادة الإيرانية، تهدف إلى كسب وقت ثمين لتخفيف وطأة العقوبات وتجنب الانفجار الداخلي، دون تقديم أي تنازلات حقيقية في الملفات الجوهرية، وعلى رأسها البرنامج النووي.
مفاوضات في ظلّ أزمة خانقة في 12 أبريل 2025، عقد مسؤولون إيرانيون وأميركيون اجتماعاً سرياً في سلطنة عُمان، تلته جولة ثانية في 19 أبريل داخل سفارة عُمان في العاصمة الإيطالية روما. هذه اللقاءات، وإن بدت من حيث الشكل واعدة، إلا أنها في الحقيقة تأتي ضمن استراتيجية قديمة يتبعها النظام الإيراني عند اشتداد الضغط الدولي والداخلي، تهدف إلى تهدئة الأوضاع عبر مفاوضات شكلية دون تغيير في السياسات الأساسية.
يسعى النظام الإيراني من خلال هذه المحادثات إلى تحقيق تخفيف في العقوبات الاقتصادية، لا سيما تلك المفروضة على صادرات النفط والتحويلات المالية. في المقابل، تُصرّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الحصول على ضمانات دائمة تمنع إيران من الوصول إلى سلاح نووي.
انهيار اقتصادي يُهدد النظام الضغوط الاقتصادية على النظام الإيراني بلغت ذروتها. الريال الإيراني يشهد انهياراً غير مسبوق، معدلات التضخم في مستويات قياسية، وإيرادات الدولة في تراجع مستمر بسبب تقلّبات أسعار النفط والعقوبات المتزايدة. هذا الانهيار الاقتصادي لم يكن نتيجة للعقوبات وحدها، بل هو نتيجة مباشرة لسنوات من الفساد المنهجي ونهب الثروات العامة من قبل المؤسسات المرتبطة بـ«الولي الفقيه».
تصاعد الغضب الشعبي في الداخل على الصعيد الداخلي، لم يعد النظام قادراً على احتواء الاحتجاجات الشعبية التي تتجدد بوتيرة متصاعدة. فمنذ مقتل مهسا أميني في سبتمبر 2022، إثر اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق، تحوّلت التظاهرات من احتجاجات مطلبية إلى حراك شعبي واسع ضد مجمل النظام. ورغم القمع الدموي، إلا أن جذوة الغضب لم تنطفئ، بل اتّسعت رقعتها الاجتماعية والجغرافية.
في 18 أبريل 2025، صرّح الرئيس المعيّن من قبل خامنئي، مسعود بزشكيان، في مقابلة تلفزيونية قائلاً: «الناس غاضبون… نحن من خلقنا هذه المشكلات، ولم نحلّها». وأضاف بأن القمع ليس حلاً، بل سيؤدي إلى نتائج عكسية. تصريحاته تعكس هشاشة الوضع الداخلي وقلق أجنحة النظام من الانفجار القادم.
ولم تكن هذه التصريحات معزولة، فقد حذّر خطيب الجمعة في محافظة البرز، محمد مهدي حسيني همداني، من أنّ البلاد يجب أن تستعد كما لو أن «الحرب قد تبدأ غداً». وفي محافظة جيلان، نبّه رسول فلاحتي إلى خطورة «الهجمات الإعلامية» و«الصدمة الاجتماعية» – وهي تعابير يُقصد بها عادةً الانتفاضات الشعبية.
من جهته، أطلق النائب في البرلمان، محمد رضا صباغيان بافقی، تحذيراً من تآكل «الهوية الإسلامية» لإيران، متهماً التأثيرات الغربية، وخصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأنها تؤثر سلباً على الرأي العام وتُضعف الأسس الدينية للنظام.
انكماش النفوذ الإقليمي على الصعيد الإقليمي، تتراجع قدرة النظام على تمويل وتوجيه أذرعه العسكرية في الخارج. فالميليشيات التابعة له مثل حزب الله في لبنان، وحماس في غزة، ونظام بشار الأسد في سوريا، والحوثيين في اليمن، تواجه ضغوطاً متزايدة بعد ضربات إسرائيلية وغربية متتالية. كما أنّ الأزمات المالية في طهران تجعل من الصعب الاستمرار في دعم هذه القوى كما في السابق، ما يُضعف موقع النظام الإقليمي.
مرونة تكتيكية من خامنئي لطالما رفض خامنئي التفاوض مع الغرب في العلن، لكنه في اللحظات الحرجة يُظهر مرونة تكتيكية للسماح بجولات تفاوضية تُدار من قبل الرئيس أو وزير الخارجية. هذه السياسة تُمكّنه من التبرؤ من نتائج المفاوضات إن فشلت، ومن تبنّي النجاح إن حقّقت شيئاً للنظام. وهو ما فعله سابقاً خلال مفاوضات الاتفاق النووي لعام 2015.
لا أوهام بشأن نوايا النظام لا ينبغي أن يُفهم انخراط النظام الإيراني في المفاوضات الحالية كمؤشر على تحول استراتيجي أو استعداد للتخلي عن مشروعه النووي. فالتجربة السابقة تؤكّد أن النظام لا يوقّع الاتفاقات إلا تحت الضغط، وسرعان ما ينقلب عليها إذا شعر بالأمان.
الهدف الأساسي للنظام لا يزال كما هو: الحفاظ على السلطة، وترسيخ القمع الداخلي، ومواصلة مشروعه الأيديولوجي الإقليمي. أما المفاوضات، فهي مجرّد وسيلة مؤقتة لتخفيف الضغوط ريثما يستعيد توازنه.
مناورة بقاء لا بوادر تغيير إن ما يجري اليوم بين طهران وواشنطن ليس «اختراقاً دبلوماسياً»، بل هو محاولة للبقاء. النظام الإيراني لا يفتح صفحة جديدة من التعاون، بل يحاول كسب الوقت في مواجهة أزمة وجودية. ومع تزايد الضغط الداخلي وتآكل أدوات التأثير الخارجي، تصبح المفاوضات بمثابة قناع هش لنظام يقف على شفير السقوط.