الاتحاد من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة​

الأيديولوجيا كأداة للسلطة: تفكيك أزمة النظام الإيراني غالباً ما تكون الأسباب المعلنة لأزمات أي دولة مجرد أعراض لمشكلة تأسيسية أعمق. وفي حالة إيران، يمكن إرجاع الحرب الحالية وعقود من الاضطرابات إلى جذر واحد: تحويل الدين من معتقد روحي إلى أيديولوجيا سياسية جامدة تخدم السلطة المطلقة

الأيديولوجيا كأداة للسلطة: تفكيك أزمة النظام الإيراني

الأيديولوجيا كأداة للسلطة: تفكيك أزمة النظام الإيراني

غالباً ما تكون الأسباب المعلنة لأزمات أي دولة مجرد أعراض لمشكلة تأسيسية أعمق. وفي حالة إيران، يمكن إرجاع الحرب الحالية وعقود من الاضطرابات إلى جذر واحد: تحويل الدين من معتقد روحي إلى أيديولوجيا سياسية جامدة تخدم السلطة المطلقة. هذا المنطق هو الذي يفسر التصريح الأخير لأحد مسؤولي النظام، الذي وصف الحرب الدائرة مع إسرائيل بأنها “حرب إيديولوجية شاملة”، مستخدماً الشعب الإيراني كوقود ودرع لها.

تعود جذور هذه الأزمة إلى الأساس الذي قام عليه نظام الملالي، فهو لم يُبنَ على الإرادة الشعبية أو المصلحة الوطنية، بل على تفسير حوزوي أصولي للدين، هندسه الخميني حتى قبل وصوله إلى السلطة. هذه الرؤية، التي فرضت مبدأ “ولاية الفقيه” على الدستور، هي التي قادت البلاد إلى كوارث كبرى، كان أبرزها الحرب المدمرة والمعادية للوطن مع العراق، والتي أصر الخميني على إطالة أمدها بتصويرها على أنها صراع بين الإسلام والكفر، مضحياً بمصالح إيران من أجل أهدافه العقائدية.

وعلى مدى أكثر من أربعة عقود، تم تطبيق هذا النهج الأيديولوجي على كل جانب من جوانب الحياة في إيران. فقد تم تحويل نظام التعليم إلى أداة للتلقين العقائدي وتربية أجيال موالية للولي الفقيه، وتم قمع التنوع الفكري والثقافي، وصُنفت أي معارضة أو نقد على أنه “عداء للدين والله”. وقد أدت هذه السياسات الممنهجة إلى تدمير عميق لروح المجتمع الإيراني وأمله ومستقبله.

وكانت النتائج كارثية على كافة الأصعدة: سياسة خارجية في حالة صدام دائم مع العالم، وسياسة داخلية تقوم على القمع والسجن، وهجرة واسعة للأدمغة والنخب، وتفشي الفقر والفجوة الطبقية، واضطهاد ممنهج للمرأة عبر قوانين مثل الحجاب الإجباري. فكل شيء، من الفن واللباس إلى الإعلام والعلاقات الأسرية، يتم قياسه بميزان الطاعة للعقيدة الحاكمة.

واليوم، بينما تواجه إيران النتائج الكارثية لهذه السياسات المتمثلة في حرب مدمرة على أرضها، يواصل مسؤولو النظام تبريرها بنفس المنطق الأيديولوجي. إن النظام الذي حول الدين إلى أداة للقمع وإشعال الحروب، واحتجز إمكانيات أمة بأكملها كرهينة لسلطته، لا يجد اليوم حرجاً في استخدام شعبه كدرع بشري في حرب هو من أشعلها. إن الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل هي النتيجة الحتمية لنظام يضع بقاء أيديولوجيته فوق بقاء وطنه.