الاتحاد من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة​

تداعيات زيارة لاريجاني في الأيام الأخيرة، شهدت الساحة اللبنانية حدثاً سياسياً بارزاً تمثل في زيارة علي لاريجاني

تداعيات زيارة لاريجاني

تداعيات زيارة لاريجاني

الدكتور عاصم عبد الرحمن

في الأيام الأخيرة، شهدت الساحة اللبنانية حدثاً سياسياً بارزاً تمثل في زيارة علي لاريجاني، رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي في جمهورية إيران الإسلامية، إلى بيروت، وقد جاءت هذه الزيارة ضمن جولة إقليمية بدأت في العراق، واكتسبت أهمية خاصة بسبب الظروف المتوترة في لبنان التي ترافق مساعي الحكومة لتنظيم وضع المقاومة في ما يتعلق بوضع جدول زمني لنزع سلاح حزب الله.

حضور لاريجاني

أتت زيارة لاريجاني على وقع نقاش لبناني داخلي حاد حول مستقبل المقاومة ودور إيران في الإقليم. لاريجاني التقى برؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان بالإضافة إلى نخبة سياسية ودينية من مختلف الطوائف اللبنانية (شيعية، سنية، مسيحية، درزية وعلوية). لم تقتصر اللقاءات على الطابع الرسمي؛ فقد شارك لاريجاني كذلك في تكريم رموز المقاومة وزار ضريح السيد حسن نصر الله، حيث أكد على أن إيران لا تتدخل في شؤون الدول، لكنها تدعم خط المقاومة أمام الاحتلال الصهيوني.

المواقف الرسمية

رئيس الحكومة نواف سلام عبّر بصراحة عن رفضه لتصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين في الفترة الأخيرة، واعتبرها تدخلاً في شؤون لبنان وتجاوزاً للأعراف الدبلوماسية، مع التأكيد على سيادة لبنان وحريته في اتخاذ قراراته وفق المصالح الوطنية وليس بحسب ضغوط خارجية. كما شدد أن لبنان لا يحتاج دروساً في المقاومة، إذ كان دائماً في طليعة المدافعين عن القضية الفلسطينية ودفع أثماناً باهظة في سبيل هذا الخيار، ورفض بشكل قاطع التحول إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية أو الدولية.

من جهة أخرى، أبدى رئيس البرلمان نبيه بري مرونة أكثر في التعامل، إذ يُعد جسراً هاماً بين المقاومة الإيرانية وحزب الله والسلطة اللبنانية، وقد استقبل لاريجاني بحفاوة خاصة نظراً لدوره الحيوي لدى الطائفة الشيعية ووساطته التقليدية في الأزمات الداخلية.

الردود الشعبية

على الصعيد الشعبي، شهدت الزيارة تجمعات ملحوظة في استقبال الوفد الإيراني، خصوصًا من بيئة المقاومة والطوائف المؤيدة لحزب الله. بينما عكست بعض الأوساط الإعلامية والشخصيات الليبرالية والمدنية رفضاً لمظاهر التدخل الإيراني في المشهد اللبناني وتوجساً من تصاعد حدة الصراع الطائفي والمناطقي نتيجة الاستقطاب القائم.

موقف الحزب

رداً على مبادرة الحكومة لتقييد المقاومة، خرج الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، بسلسلة تصريحات قال فيها: “إن أي محاولة لمواجهة حزب الله أو نزع سلاحه ستُعد خطأً قاتلاً يفتح باباً للحرب الأهلية. وأكد قاسم أن لا إمكان للحديث عن سيادة لبنان من دون المقاومة، وأن الدولة إن حاولت مواجهة المقاومة، فهي عملياً تنفذ المشروع الإسرائيلي وستتحمل المسؤولية الكاملة عن أي انهيار محتمل في البلاد. كما شدد على أن سلاح المقاومة هو الضمانة الأساسية أمام العدوان الإسرائيلي، وأن حزب الله باق في موقعه ولن يستسلم مهما كان الضغط”.

النتائج المحتملة

هذه الزيارة تحمل أبعاداً إستراتيجية تتجاوز الحدود اللبنانية الداخلية؛ فهي تأتي في ظل سباق سياسي بين واشنطن والرياض وطهران على النفوذ في لبنان، وتُعد رسالة واضحة بأن طهران لن تتخلى عن دعمها لحزب الله والمقاومة وإن تغيرت الظروف الإقليمية. هناك أيضاً رسالة تحذيرية للدول العربية بأن أي محاولة لإنهاء وجود المقاومة ستنعكس اضطراباً عميقاً على مستوى الأمن الإقليمي وحتى الداخلي اللبناني.

من الناحية الإيرانية، تُعزز هذه الخطوة عمق التحالف مع حزب الله، وتمنح إيران أوراق ضغط في معادلة الردع الإقليمي. بالنسبة للبنان، تُحافظ هذه العلاقات على الوزن النوعي للمقاومة وتضيف تحديات للحكومة في إيجاد توازن بين المتطلبات الدولية والمحلية. أمّا بالنسبة لحزب الله، فهي تحمل تأكيداً على استمرار الدعم الإيراني وتذكيراً بأن سلاح المقاومة خط أحمر.

إن زيارة لاريجاني تمثل مشهداً دبلوماسياً يحتدم حوله الصراع الداخلي اللبناني والتجاذبات الإقليمية والدولية، وقد تكون نبراساً لمزيد من التصعيد أو ربما بداية لتسويات صعبة تفرضها قوانين القوة والمصالح في المنطقة.