صفوة الأمة.. نظرة على قضايا الأمة في لقاء الصفوة
“لقاء وشخصية”
من الأردن إلى إيران: حوار مع الدكتورة أسماء الرواحنة حول التنوير والمقاومة
مقابلة مع الدكتورة أسماء الرواحنة، عضو البرلمان الأردني السابق أيتها العزيزة والصديقة الكريمة، الدكتورة أسماء الرواحنة الموقرة، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، أوقاتكم بخير وسعادة. نواصل سلسلة حواراتنا مع النخب العربية والشخصيات السياسية البارزة في إطار حوار مستمر مع المثقفين العرب والمسلمين الذين لهم رؤى ومواقف ثابتة تجاه قضايا الأمم العربية والإسلامية. وتأتي هذه الحوارات في إطار “رسالة مواقف النخب حول قضايا الأمة”. واليوم، نجري مقابلة مع الدكتورة أسماء الرواحنة، عضو البرلمان الأردني السابق، المعروفة باعتدالها، وإنصافها، وكرمها، ووعيها، والتزامها بالقيم العربية والإسلامية، وستنشر هذه المقابلة على موقع “إيران الحرة”. في عالم اليوم، حيث تتوفر المعلومات بسهولة للجميع، لا يوجد مبرر للجهل أو التضليل في منطقة الشرق الأوسط. للأسف، يستخدم البعض الدين كأداة للظلم والتضليل. وفي هذا السياق، تسيطر مؤسسات الفتنة على واقعنا الحالي، بينما تبدو أدوات التنوير أحيانًا غير فعالة. لذا، أصبح الوعي واجبًا جماعيًا يتعين علينا جميعًا في الشرق الأوسط، وخاصة المثقفين والأحرار، أن نكون في طليعة هذه المعركة التنويرية. في حوار اليوم، تستضيف “إيران الحرة” الشخصية العربية البارزة، الدكتورة أسماء الرواحنة، في إطار تقديم صورة عن التنوير والتعبير عن الموقف السياسي والفكري العربي تجاه نظام إيران، سواء داخلها أو خارجها، وتأثيره على البيئة العربية والإقليمية. وفيما يلي نص المقابلة:
الأسئلة / الإجابات
س1- الدكتورة أسماء الرواحنة، هل سينجح نظام الملالي في سعيه لاستعادة هيبته في المنطقة من خلال الحفاظ على سلاح حزب الله واستمرار هيمنة الحشد الشعبي، النسخة العراقية من الحرس الثوري؟
ج1- في الحقيقة، لم يكن لنظام إيران هيبة يومًا، لا داخل إيران ولا خارجها. فالنظام الذي يقوم على القمع والعنف والاستبداد داخليًا، وشراء الضمائر بالمال العام، وتمويل الإرهاب، وتصدير التطرف، وتهريب المخدرات خارجيًا، لا يمكن أن يتمتع بشرعية أو هيبة، بل له سيطرة لم تعد كما كانت. استعادة الهيبة المفقودة ليست بالأمر السهل لأي نظام معتبر، فكيف بنظام ديني يحكم إيران. محاولات النظام للحفاظ على أذرعه الخارجية، مثل الإبقاء على تسليح حزب الله والحشد الشعبي في العراق كقوة مسلحة ووصية على الحكومة، هي محاولات فاشلة. لبنان اليوم ليس كلبنان الأمس، وحزب الله لم يعد تلك القوة السابقة، ونظام الملالي لم يعد موثوقًا به. أما في العراق، فالحشد الشعبي لم يعد كما كان، والولاء لإيران في تراجع. الأيام القادمة ستحمل مفاجآت. باختصار، ما فُقد لا يمكن استعادته، وإن عاد، سيعود ناقصًا، خاصة في ظل التوترات السياسية الدولية حول نظام إيران. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد احتمال حدوث اضطرابات سياسية وأمنية في لبنان والعراق، خاصة مع مؤشرات عودة داعش لتعكير الأوضاع.
س2- سيدتي، كيف تقيمين تحركات نظام إيران في الساحة الإقليمية وموقفه الدولي، خاصة فيما يتعلق بالملف النووي مع الغرب؟
ج2– تحركات نظام إيران فاشلة لأن خياراته أصبحت محدودة، لكنها ضرورية بالنسبة له. النظام يقاتل على عدة جبهات، خاصة الجبهة الداخلية التي ستحدد مصيره بين البقاء أو الزوال. من أجل البقاء، لا يمكن تجاهل أسوأ تصرفات النظام داخل إيران في ظل صمت دولي حيال الإعدامات، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتطهير جرائم الإبادة الجماعية، وتعذيب السجناء. تحركات النظام الإقليمية في لبنان والعراق قد تحقق مكاسب مالية، لكن هذه المكاسب تلقي بظلال اقتصادية ثقيلة على الشعب العراقي. أما في الملف النووي، فقد أراد النظام معاقبة الغرب بسبب حرب الـ12 يومًا، لكنه بدلاً من ذلك وقع في مآزق عديدة، بما في ذلك تصاعد السخط الشعبي ضده وتفعيل آلية الزناد. كلا المشكلتين ستقودان في النهاية إلى سقوط النظام، خاصة إذا تراجع دعم تيار المماطلة الغربي.
س3- الدكتورة أسماء الرواحنة، لقد كنتِ على صلة وثيقة منذ فترة طويلة مع المقاومة الإيرانية وأشرف 3، وتعرفين منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية عن قرب. رأيكِ مهم جدًا نظرًا لهذا القرب، وإنصافكِ، ودقة نظركِ، ووعيكِ بأوضاع الشرق الأوسط. ما هي ادعاءات النظام حول معارضيه الوطنيين، خاصة منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية، وكيف ترين هذه الادعاءات؟
ج3 – بحمد الله، نحن ندرك بدقة السياسات والمخططات المحيطة بنا. لا عجب أن يشن النظام الإيراني حروبًا منظمة ضد معارضيه الوطنيين، خاصة منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية التي يعتبرها عدوًا له. هذا الأمر ليس جديدًا، والنظام لا يخفي حقده وجرائمه. هذا الصراع مستمر منذ أكثر من أربعة عقود، منذ أن صادر النظام، بدعم من الغرب، الثورة الوطنية الإيرانية. لقد استخدم النظام كل قدراته الإعلامية والمالية والأمنية والعسكرية لتشويه المعارضة وتدميرها، وحاول القضاء على الروح الوطنية للشعب الإيراني، خاصة جيل الثورة الذي أطاح بالديكتاتورية الشاهنشاهية. بدأ النظام هذا المسار منذ عام 1979 وما زال يواصله. لكن، كما لم تستطع الشاهنشاهية القضاء على الروح الوطنية للشعب، لن ينجح نظام الملالي أيضًا، حتى لو قتلهم في الشوارع والمظاهرات والسجون وجبهات الحرب. مجاهدو خلق هم نظام فكري. أعدم الشاه معظم قادتهم قبل ثورة 1979، لكنهم لم يفنوا. الفكر لا يموت، والتنظيمات العقائدية تستمر في درب الشهداء. نحن نعرف عن قرب مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية، زرنا أشرف، وحضرنا مؤتمراتهم وفعالياتهم، وعايشنا الحقائق معهم. النظام الإيراني يعرف جيدًا من هم مجاهدو خلق وقدراتهم، ولهذا صدرت فتوى الخميني بقتلهم وتدميرهم. لم يُعرف في تاريخ الإسلام فتوى شرعية للتدمير سوى توصيات النظام ورموزه التي أدت إلى مجازر الإبادة الجماعية ضد مجاهدي خلق قبل وبعد عام 1988. في صيف 1988، أُعدم 30 ألف سجين سياسي بفتوى الخميني. الحديث عن 45 عامًا من التاريخ مليء بالأحداث يطول، لكننا لا نقول شيئًا جديدًا. اليوم الجميع يعرف الحقائق، لكننا نشهد على وقائع يؤكدها النظام الإيراني نفسه بسلوكياته العدوانية التي ستستمر ما دام في السلطة.
س4- سيدتي، لقد التقيتِ عن قرب نساء مجاهدي خلق في أشرف 3. كيف تقيمين دور وتأثير هؤلاء النساء في المقاومة الإيرانية والنضال ضد النظام؟
ج4– كانت زيارتي لنساء مجاهدي خلق في أشرف 3 تجربة ملهمة ومؤثرة. هؤلاء النساء مثال بارز للشجاعة والتضحية والالتزام بقضية الحرية والعدالة. على الرغم من سنوات القمع والسجن والنفي، أظهرن روحًا صلبة وعزيمة لا تلين في مواجهة نظام الملالي. دور النساء في منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية ليس فقط كأعضاء ناشطات، بل كقائدات ورواد لهذه الحركة، وهو دور حاسم. لقد أثبتن من خلال تنظيمهن وتدريبهن ونشاطهن السياسي أن النساء يمكن أن يكن القوة الدافعة للتغيير في إيران. وجود النساء في الخطوط الأمامية للمقاومة يبعث برسالة قوية إلى المجتمع الإيراني والعالم بأن النضال من أجل الحرية والمساواة لا يعرف الجنس. هؤلاء النساء، بصمودهن في وجه النظام القمعي، يمثلن نموذجًا للأجيال القادمة ولكل أحرار العالم.
س5- سيدتي، ما رأيكِ في مظاهرات بروكسل التي أُقيمت دعمًا للمقاومة الإيرانية، وما تأثير حضور شخصيات مثل مايك بنس في هذا الحدث على رسالته؟
ج5– كانت مظاهرات بروكسل، التي أُقيمت دعمًا للمقاومة الإيرانية وخاصة منظمة مجاهدي خلق، عرضًا قويًا للتضامن الدولي مع نضال الشعب الإيراني من أجل الحرية والعدالة. هذا الحدث يعكس الدعم الواسع لقضايا المقاومة الإيرانية ضد نظام الملالي. حضور شخصيات بارزة مثل مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي السابق، عزز رسالة هذه المظاهرات وجذب الانتباه العالمي إلى الوضع الخطير في إيران وقمع النظام. هذا الحضور لم يمنح الحركة مصداقية دولية فحسب، بل أظهر أن نضال المقاومة الإيرانية يحظى بدعم سياسيين عالميين بارزين ملتزمين بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. مثل هذه الفعاليات ترسل رسالة واضحة للنظام الإيراني بأن المجتمع الدولي يقف إلى جانب الشعب الإيراني ويدعم التغيير الديمقراطي في هذا البلد.
س6- سيدتي، ما هو دور النساء في مظاهرات بروكسل التي أُقيمت دعمًا للمقاومة الإيرانية، ولماذا يُوصف حضورهن في هذا الحدث بأنه بارز وحاسم؟
ج6– لعبت النساء دورًا محوريًا وملهمًا في مظاهرات بروكسل، وكان حضورهن كقوة رائدة في هذا الحدث واضحًا بشكل لافت. لم يكن دورهن مقتصرًا على المشاركة النشطة، بل كن أيضًا منظمات ومتحدثات ورموزًا للمقاومة ضد نظام إيران. وبشكل خاص، النساء المرتبطات بمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية أظهرن شجاعة وتفانيًا، ونقلن رسالة قوية عن الصمود والنضال من أجل الحرية والمساواة. أُقيمت هذه المظاهرات في 6 سبتمبر 2025 في ساحة أتوميوم ببروكسل، وشهدت حضور عشرات الآلاف، كثير منهم نساء إيرانيات وداعمون دوليون. لعبت النساء دورًا رئيسيًا في جذب الانتباه العالمي إلى أوضاع إيران من خلال رفع الأعلام وترديد شعارات مثل “المرأة، المقاومة، الحرية” وعرض صور ضحايا قمع النظام. حضور النساء في الخطوط الأمامية لهذه المظاهرات، خاصة إلى جانب شخصيات مثل مريم رجوي، يظهر أن النساء الإيرانيات لسن فقط ضحايا قمع النظام، بل هن المحرك الأساسي للتغيير وإسقاط هذا النظام. هذا الدور البارز، كما قالت فرانسواز سكيبمنز، عضو البرلمان البلجيكي، هو سر نجاح حركة المقاومة الإيرانية، لأن النساء، بعزيمتهن وتنظيمهن، يشكلن القوة الدافعة لمستقبل حر وديمقراطي في إيران.
س7- السؤال الأخير: سيدتي، ما رأيكِ في الخيار الثالث الذي اقترحته السيدة مريم رجوي وبرنامجها ذي النقاط العشر؟ هل تعتقدين أنه ضمان لمستقبل إيران وجميع الإيرانيين؟
ج7– الخيار الثالث هو الحل بالفعل، إذا كان الغرب جادًا في البحث عن حل. هذا الخيار هو خلاص الشعب الإيراني من ويلات الحرب وأمل لمستقبلهم. كما أنه أمل لشعوب المنطقة للتحرر من نظام إيران وسياساته التوسعية. نحن ندعم هذا الخيار ونؤيد نضال الشعب الإيراني لتحديد مصيره ومواجهة الاستبداد. كما نؤيد برنامج النقاط العشر الذي نراه خلاصًا لجميع الإيرانيين ومستقبلًا أفضل لإيران بكل مكوناتها. باختصار، برنامج النقاط العشر والخيار الثالث هما اقتراحان ناضجان ونتاج جهود نضالية تاريخية تأخذ في الاعتبار تفاصيل واحتياجات إيران كدولة ومظلة مواطنة حقيقية. هذان الاقتراحان يحققان طموحات المواطن الإيراني تحت هذه المظلة الشرعية. الخيار الثالث وبرنامج النقاط العشر يظهران الرؤية السياسية الناضجة للمقاومة الإيرانية وقيادتها التي ترفض الحرب على بلدها حتى لإسقاط النظام. لكن هذين الاقتراحين يحتاجان إلى مصداقية المجتمع الدولي والتخلي عن سياسة المماطلة والمرونة مع نظام إيران. ما نحتاجه هو دعم تغيير النظام من الداخل عبر حركة شعبية ومقاومة دون تدخل خارجي.
الدكتورة أسماء الرواحنة، في ختام هذا الحوار، كنتم ضيفة قيمة وبارزة لموقع “إيران الحرة”. نشكركم على كرمكم، ونتطلع إلى لقاء آخر، إن شاء الله.


